إشارات من وحي العمليات البحرية.. القلق الصهيوني يكشف فاعلية الردع اليمني

يشهدُ كِيانُ العدوّ حالةَ استنفارٍ واسعةً منذ الاعتداء على الحديدة، حَيثُ كشفت العديد من وسائل الإعلام العبرية أن المؤسّسة الأمنية لا تستخفُّ بالخطر الذي يشكِّله اليمنُ والقواتُ المسلحة اليمنية.

ما يسمى بوزير الخارجية في الكيان الصهيوني، كان قد أقر بحقيقة أن الاعتداءَ على الحديدة لن يردع اليمنيين، وأن الهجماتِ اليمنيةَ على كيان العدو ستتواصل، وأن ثمة صعوبة في إمكانية وقوع الاشتباك المباشِرِ مع اليمنِ؛ بذريعة بُعْـدِ المسافة: “أن إسرائيل تفضِّلُ أن تتولَّى الولاياتُ المتحدةُ قيادةَ هذه الحرب”.

في السياق، يواصل الإعلامُ العبري تأكيدَ قلقه المتزايد داخلَ كِيانِ العدوِّ الصهيوني حِيالِ إعلانِ صنعاء بدءِ المرحلةِ الخامسة من التصعيد، والردِّ اليمني المرتقَبِ على استهداف محافظة الحديدة واغتيال قادة المقاومة وعلى رأسهم رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية والقيادي في حزب الله فؤاد شكر، حَيثُ قالت الإعلام العبري: “إن القوات المسلحة اليمني ستسعى في المرحلة المقبلة إلى إطباق ما وصفته بحلقة النار على كيان الاحتلال وإغراقه من خلال مسارات التنسيق مع محور المقاومة وتصعيد الحصار البحري.

ونشرت صحيفة “ماكورريشون” العبرية، تقريرًا حاولت فيه تحديدَ ملامح المرحلة الخامسة من التصعيد، متسائلة: “ماذا يخطط لنا الحوثيون بعد طائرة (يافا) التي هبطت في قلب تل أبيب ؟ وما الذي يمكنُ فعله ضدهم حتى دون الذهاب إلى شواطئ اليمن؟ لقد أعلنوا أنه في أعقابِ الهجوم الإسرائيلي على ميناء الحديدة، دخولَ الصراع مرحلته الخامسة، ما هي هذه المرحلة؟ وكيف سيكون شكلُ المرحلتَينِ السادسة والسابعة؟”

مؤكدة “ليس هناك فائدةٌ كبيرة في محاولة فك رموز ما وراء هذه الكلمات البليغة، ومن الأفضل التركيز على الاتّجاهات الواضحة جِـدًّا في الميدان”.

وبحسب الصحيفة “فَــإنَّ الاتّجاه الرئيسي الأول في التصعيد اليمني ضد الكيان الصهيوني هو “التنسيق والارتباط والتعاون” مع محور المقاومة؛ بغرض “تعزيز القدرات وتنفيذ ما يُعرَفُ بحلقة النار حول إسرائيل”.

أَمَّا الاتّجاهُ الثاني، فقالت الصحيفة إنه يتمثل في “توسيع الحصار البحري من منطقة البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط وتغطية كامل المنطقة بالنيران والصواريخ”.

وأضافت أنه “من خلال الربط بين هذين الاتّجاهين، يهدف الحوثيون إلى خنق “إسرائيل” بحلقة من النار وإغراقها”.

وأشَارَت الصحيفة إلى أن “اتّجاهَ التنسيق كان واضحًا في الميدان لعدة أسابيعَ”، مذكِّرةً بإعلانِ قائد الثورة السيد عبد الملك في خِطابٍ سابِقٍ عن مسارِ العمليات المشتركة مع المقاومة الإسلامية في العراق، وقالت: إن الرغبة في هذا التنسيق “تأتي من الجانبين”.

وكانت القناة العبرية الرابعة عشرة قد كشفت، أن المؤسّسة الأمنية والدفاعية داخل كيان العدوّ تترقب “رَدًّا يمنيًّا كبيرًا” على استهداف الحديدة، وأنها تقومُ بالتنسيق مع ما وصفتها بـ “الحلفاء في المنطقة” لمواجهة هذا الرد.

 

البعد اليمني

حالة الذعر التي يشهدها واقع حال الكيان الصهيوني، على كافة المستويات الرسمية والشعبية، يقابله المسار الذي حددته القات المسلحة اليمنية لعملياتها في البحر الأحمر والهادف إلى منع مرور السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بها ونصرة غزة.. مسار عزز البعد اليمني المناهض لأمريكا وإسرائيل بشكل أساسي أمام العالم، بالتمسك بالموقف الرسمي الثابت مع القضية الفلسطينية ومحور المقاومة. وهو البعد الذي يلتفت حوله التأييد الشعبي داخل اليمن وفي العالم العربي والإسلامي.

كما أن المركز الذي أضفاه اليمنيون على هجماتهم ضد السفن المتجهة إلى “إسرائيل” أو المرتبطة بها، وإلى جانب ذلك كسر هيبة أمريكا وحلفائها في المعبر البحري، يصب في مسار أحقية صنعاء الاستمرار في تعطيل طرق الشحن البحري إلى الموانئ الإسرائيلية وفي نصرة قضية الأمة المحورية في تحرير القدس الشريف من دنس الصهاينة اليهود، وإلحاق ما أمكن من الأضرار الاقتصادية ذات التكاليف العالية وبما من شأنه أن يحقق، بشكل أو بآخر، إخفاقاً عظيماً للكيان الإسرائيلي على مختلف الأصعدة الاقتصادية والعسكرية، وحتى السياسية.

 

القرار وليس القدرة

ويمثل استمرار اليمن في تعطيل الشحن إلى موانئ فلسطين المحتلة أحد أعظم إخفاقات “إسرائيل” على المسار العسكري، بشهادة موقع “ماكو” العبري التابع للقناة الإسرائيلية الثانية عشرة، إن الهجوم الإسرائيلي على محافظة الحديدة لم يوقف عمليات قوات صنعاء المساندة لغزة وتهديداتها كذلك، مؤكداً أن الأخيرة لا زالت تواصل تعطيل طرق الشحن البحري إلى الموانئ الإسرائيلية، وتتسبب بأضرار اقتصادية بالمليارات، وهو ما يعتبر إخفاقاً عظيماً لإسرائيل.

ويجيب الموقع على ذاته ضمن تقريره نشره بعنوان “هل أدى الهجوم في اليمن إلى ردع الحوثيين حقاً؟”، أنه “كما كان متوقعاً، فإن هذا الهجوم لم يوقف أنشطة الحوثيين، وبالتأكيد لم يوقف تهديداتهم”.

مضيفا أن ذلك لا تعزز قوة صنعاء في فرض هيمنتها على الوضع في البحر الأحمر فحسب، وإنما تبدو إخفاقات “إسرائيل” حقيقة مرة، وباعتراف التقرير ذات، في أن اليمنيين “يعتزمون مساعدة الإيرانيين في حالة وقوع هجوم، من أجل تحدي نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدد الطبقات، فإن الحوثيين ما زالوا قادرين على تعطيل طريق الشحن إلى إيلات، وهذا أحد أعظم إخفاقات إسرائيل، التي ذهبت في الماضي إلى الحرب فقط بسبب التهديد الذي يتعرض له طريق الشحن هذا برمته”.

وما يزيد كاتب التقرير حسرة أن اليمنيين “تمكنوا من القيام بذلك بقوة عسكرية صغيرة وأقل بكثير من تلك التي تقف أمامهم”، معتبراً أن ذلك حدث “بسبب القرارات وليس القدرات”.

ويلفت الكاتب، بحالة من التعجب، قائلا: “رغم أن إسرائيل تعمل على تصوير قتال الحوثيين في البحر الأحمر على أنه إرهاب بحري وتهديد عالمي لحرية الملاحة والاقتصاد ومجالات أخرى” إلا أن صنعاء، في المقابل، تقدم نشاطها كمساعدة للفلسطينيين في غزة، وكذلك للبنانيين.. الحال الذي جعل اسرائيل، حسب الكاتب- تواجه صعوبة كبيرة في حشد دول العالم حول قضيتها هذه، باستثناء الأمريكيين وعدد صغير من الدول الأعضاء في تحالف ما يسمى بالدفاع البحري الذي يعمل ضد اليمن.

ويحاول التقرير تلميح صورة “إسرائيل” في افتراضه عدم رضاها “عما يحدث في ميناء إيلات الذي ظل خالياً تماماً منذ عدة أشهر نتيجة تهديد القوات المسلحة اليمنية لخطوط الشحن، وتعرضها لأضرار اقتصادية مباشرة وغير مباشرة بالمليارات”، ولكنه عاد ليضع النقاط على حروفها موضحا حقيقة ما عليه الكيان الصهيوني من حيرة وضعف “ليس واضحاً على الإطلاق وكيف تنوي دولة إسرائيل التعامل مع تلك الأضرار ومع التهديد الحوثي”.

 

الموقف الثابت والخطوة الأولى

وفي تحليل يستعرض توقعات المحللين لمستقبل الوضع في البحر الأحمر، قالت صحيفة “لويدز ليست” البريطانية، إن توقف عمليات قوات صنعاء في البحر الأحمر مرهون بشكل أساسي بوقف إطلاق النار في غزة، وهو أمر قد يتأخر في ظل المؤشرات الحالية، لافتة إلى أن هناك شركات لا زالت تفضل عبور البحر الأحمر، وأن موعد عودة سفن الشركات التي حولت مساراتها أمر لا يمكن الجزم به في ظل استمرار الصراع.

ونشر موقع الصحيفة المتخصصة بشؤون الملاحة البحرية والشحن قبل أيام تقريراً جاء فيه أنه “لا يوجد مسار محدد بوضوح لعودة السفن [التي حولت مسارها] إلى مضيق باب المندب” معتبر أن “هذا أمر جديد تماماً، ومرعب تماماً، وخطير للغاية”.

وبحسب التقرير فإن “المحللين يتفقون على أن وقف إطلاق النار أو خفض التصعيد في الحرب بين إسرائيل وحماس هو الخطوة الأولى لإبطاء هجمات الحوثيين ضد الشحن”.

ولكن المشكلة، وفقاً للتقرير هي أن “المحللين لا يتوقعون أن تهدأ التوترات في الشرق الأوسط في أي وقت قريب”.

ونقل التقرير عن زوي تشاتشيو، المحللة الاستخباراتية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة (دراغونفلاي إنتليجنس) قولها: “يبدو أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل في الأشهر القليلة المقبلة أمر غير مرجح”.

وأضافت أنه إذا نشبت حرب إقليمية واسعة النطاق، فإنه “من المرجح أن يزيد الحوثيين من وتيرة هجماتهم على السفن التجارية وضد إسرائيل”.

وقال التقرير إنه “من المحتمل أيضاً أن يؤدي أي تصعيد أو توسع إضافي للصراع إلى تفاقم الوضع الأمني في البحر الأحمر”.

وأضاف أنه “بالنسبة لأولئك الذين غيروا مسارهم لتجنب البحر الأحمر، فإن السؤال حول متى سيعودون إلى هذه الرحلات ليس من السهل الإجابة عليه”.

متى تنتهي أزمة البحر ؟

ونقل التقرير عن المتحدث باسم شركة هاباج لويد قوله: “نحن لسنا من يحكم على مدى أمان الوضع”.

وقال التقرير إن “السلامة تشكل أهمية قصوى لعودة العمليات الطبيعية في البحر الأحمر، ومع ذلك، من الصعب تعريف السلامة، مما يجعل تحديد المسار إلى التطبيع صعباً”.

وأضاف أنه “نظراً لأن الشركات لديها رؤى مختلفة للمخاطر، فسوف يقع في نهاية المطاف على عاتق كل شركة اتخاذ القرار بشأن متى يكون من الآمن استئناف النشاط في البحر الأحمر”.

وأوضح أن “الوضع الحالي يوضح التباين في شهية المخاطرة عبر الصناعة، فرغم إعادة توجيه السفن بشكل كبير، فإن نحو 200 سفينة تمر عبر باب المندب أسبوعياً”.

 

حرب روايات

على نفس الصعيد، اعترفت القناة الإسرائيلية الثانية عشرة إن قوات صنعاء استطاعت تثبيت سيطرتها على البحر الأحمر وباب المندب وفرضت عقوبات مركزة على السفن المرتبطة بإسرائيل، ونجحت في فرض روايتها لعملياتها المساندة لغزة، فيما فشلت “إسرائيل” والولايات المتحدة في حشد الدعم ضدهم، مشيرة إلى أنه يجب على “إسرائيل” التعلم من فشل السعودية فيما يتعلق بالحصار الاقتصادي واستهداف ميناء الحديدة.

ونشر الموقع الرسمي للقناة تقريرا تحت عنوان “مشكلة الحوثيين والدرس الذي يجب تعلمه من الفشل السعودي”، أكدت فيه: “يبدو أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتي بدأت في نوفمبر من العام الماضي، تعيد تشكيل الطريقة التي نفكر بها في الصراعات الجيوسياسية، وخاصة تلك الجيواقتصادية”.

وأضافت أن “القتال غير المتكافئ الذي يخوضه الحوثيون في منطقة البحر الأحمر وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط شمالاً ونحو خليج عدن وبحر العرب جنوباً، يمنحهم قوة كبيرة، ويستفيد الحوثيون بشكل جيد من مزايا المساحة التي سيطروا عليها في أواخر عام 2014 وأوائل عام 2015”.

وقالت في التقرير إن “الحملة ضد الحوثيين، كانت منذ البداية تقريباً، حرب روايات، حيث سعت إسرائيل إلى تصوير انتهاك الأمن الملاحي في البحر الأحمر كقضية دولية لا تقتصر تكاليفها الباهظة على الجانب الاقتصادي فحسب، لكنها واجهت صعوبة في حشد دعم واسع حتى عندما قادت الولايات المتحدة والدول الأوروبية هذه الدعوة”.

في المقابل، أوضح التقرير أن “الحوثيين حرصوا على تأطير مشاركتهم في الحرب بين إسرائيل وغزة، على أنهم مستعدون لممارسة أي ضغط ضروري على إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، لوقف عملياتها في غزة، وحتى عندما وسعوا هجماتهم تدريجياً، فقد فعلوا ذلك انطلاقاً من تعريف متجدد أو أكثر مرونة لاستهداف إسرائيل، حيث شمل توسيع التعريف السفن التي ترتبط بشكل فضفاض بإسرائيل أو التي تسعى إلى الرسو في الموانئ الإسرائيلية أو تلك التي تساعد إسرائيل في الحملة العسكرية، بما في ذلك قوات التحالف البحرية التي تعمل ضد الحوثيين”.

وقال التقرير إن قوات صنعاء نجحت في “تقوية وإتقان أساليب الحرب غير المتكافئة وتكتيكاتها”، مشيراً إلى أنها “اعتمدت أسلحة تكنولوجية غير مكلفة نسبياً واستخدمتها لتدمير السفن وفي بعض الحالات إغراقها”.

وأعترف التقرير: “لقد سيطر الحوثيون فعلياً على شريان بحري دولي مهم وعلى باب المندب، مستخدمين عقوبات اقتصادية مركزة على سفن معينة، وفقاً للفئة التي حددوها فيما يتعلق باتصال كل سفينة بإسرائيل أو بشعب إسرائيل”.

حتى الحصار لم يجدي

ويواصل التقرير اعترافاته “فقد أصبح من الصعب إنشاء جبهة شاملة وواسعة ضد الحوثيين، أيضاً لأن الإطار الذي قدموه لم يرفضه المجتمع الدولي بشكل كامل، على الأقل عملياً، وأيضاً لأن هناك في الوضع الحالي من لا يخضعون للعقوبات البحرية”.

وفي انتقاد منه لاستهداف الحديدة، اعتبر التقرير أن “مهاجمة شريان الحياة الرئيسي لليمن، يعني الإضرار بالشعب اليمني، والتجربة السابقة للتحالف الذي أسسته السعودية ضد الحوثيين مطلع عام 2015 والولايات المتحدة أو المنظمات الدولية، تعلمنا أن الهجمات العسكرية في منطقة الميناء، وفرض حصار بحري (وجوي) بشكل متقطع، أو فرض عقوبات أو تهديدات على إدخال السلع والمنتجات، وحتى آلية التفتيش على البضائع التابعة للأمم المتحدة والخاضعة للإشراف السعودي، كل ذلك حكم على الشعب اليمني بحلقات كارثة إنسانية (تعتبر الأخطر في منذ عدة سنوات)، وهدد بتفاقمها أو إشعالها من جديد. ومع ذلك ظلت هذه الإجراءات مؤقتة ولم تغير عملياً ميزان القوى”.

مشيرا إلى أنه “نظراً للانتقادات الدولية لتصرفات إسرائيل في غزة، فمن المناسب لإسرائيل أن تعيد النظر في فوائد الهجمات المباشرة في اليمن وخاصة في الحديدة، إلى جانب عواقبها والطريقة التي سيتم بها تفسيرها في المجتمع الدولي”.

 

تآكل الهيمنة الأمريكية

من جهة أخرى، كشف الوضع الذي فرضته القوات المسلحة اليمنية بصلابة المواجهة في البحر الأحمر، المعبرة عن ثبات الموقف اليمني المناصر لقضية الأمة الإسلامية المركزية في فلسطين، تآكل الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

وهو الوضع الذي علقته عليه صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية، في مطلع أغسطس الجاري، بالقول: “إن واقع المواجهة بين الولايات المتحدة وقوات صنعاء في البحر الأحمر وخليج عدن يسلط الضوء على “تآكل الهيمنة البحرية الأمريكية في المنطقة”، ويرسل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة يتم ردعها، بدل أن تقوم هي بردع أعدائها.

واضافت الصحيفة في تقرير لها تناولت فيه أنباء قيام الولايات المتحدة بإرسال قطع حربية بحرية إلى المنطقة، وقالت إنه “في حين قد يعالج هذا الانتشار التهديدات المباشرة، فإنه لا يفعل الكثير لمعالجة الضرورة الاستراتيجية الأوسع نطاقاً، وهي استعادة الهيمنة الأمريكية في الممرات البحرية”.

مؤكدة إن “العام الماضي شهد إضعافاً لموقف الولايات المتحدة، وخاصة بسبب افتقارها إلى استجابة جريئة وقوية بما فيه الكفاية لردع الحوثيين”.

واعترفت أن هذا “سمح بتآكل النفوذ الأمريكي في منطقة يعتبر فيها التفوق البحري أمراً بالغ الأهمية”.

وكررت في تقريرها أن “البحرية الأمريكية كانت تاريخياً ركيزة من ركائز القوة الأمريكية”، ولكن “الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط، وتحديدا الاستجابة العاجزة للتهديد الحوثي، سلطت الضوء على حقيقة مثيرة للقلق وهي: تآكل الهيمنة البحرية الأمريكية في المنطقة”.

وأشارت إلى أن “الاستجابة الأمريكية” لعمليات قوات صنعاء في البحر الأحمر وخليج عدن لم ترقَ إلى مستوى “عمل عسكري حاسم ومستدام”.

وقالت إن هذا الوضع الذي وصفته بـ “التقاعس” له عواقب، منها أنه “يرسل رسالة مفادها أن الولايات المتحدة هي التي يتم ردعها”، في تنبأ منها في أن ذلك ربما يقوض مصداقية أمريكا ويضعف قدرتها على الدفاع عن مصالحها وحلفائها، ويخلق حالة من عدم اليقين بين الحلفاء الإقليميين مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الذين قد يشككون في مصداقية الدعم الأمريكي ويسعون إلى ترتيبات أمنية بديلة، ربما مع قوى منافسة مثل روسيا أو الصين.

اليمن مشكلة عنيدة لأمريكا

وقبل أيام، أكدت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، أن محاولات إخضاع الجيش اليمني من خلال القصف لن تنجح، وإن (صنعاء) تكتسب التفافاً جماهيرياً كبيراً حول دعمها للفلسطينيين، كما تمتلك قدرة على تحمل الحملات العسكرية الجوية، بالإضافة إلى تطوير قدراتها.

وأشارت المجلة إلى حقيقة أنه حتى لو تم قصف جميع المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات صنعاء، فإن ذلك لن يوقف هجماتها ضد إسرائيل وفي البحر الأحمر.

وتحت عنوان “لقد أثبت الحوثيون أنهم مشكلة عنيدة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها”، نشرت المجلة تقريرا قالت فيه: “إن أفضل جهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لكبح جماح (صنعاء) فشلت”، بالإشارة إلى أنه “بعد تباطؤ وجيز في أبريل ومايو، تصاعدت وتيرة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر بشكل كبير في يونيو، مسجلة أكبر إجمالي منذ ديسمبر الماضي، ولم تؤكد هجمات يوليو إلا على إصرار مجموعة لا تبدو مستعدة للتراجع”.

وبحسب التقرير فإن محاولات إخضاع صنعاء بالقصف “لن تنجح، لأنهم يستطيعون أن يتحملوا حملة كبيرة وأن يستمروا في شن الهجمات في البحر الأحمر وضد إسرائيل”.

وفي المقابل، يؤكد التقرير أن الولايات المتحدة لا تملك سوى خيارات قليلة جيدة عندما يتعلق الأمر بالرد على صنعاء، فحتى الآن، فشلت الضربات العسكرية، والعقوبات التي تستهدف قيادتهم، في وقف الهجمات، ومن غير المرجح أن يؤدي تصعيد نطاق وشدة الضربات التي تقودها الولايات المتحدة إلى تغيير حسابات صنعاء وربما تغيير الديناميكيات العسكرية للصراع بشكل كبير.

وينطلق في تأكيداته إلى واقع ما تمتلكه صنعاء من قدرات ومهارات عالية في استخدام التكنولوجيا المنخفضة التكلفة، بما في ذلك الطائرات بدون طيار في الجو والبحر، ففي خلال عقود من الحرب، أصبح جيش صنعاء ماهرا في نقل وإخفاء أصولهم العسكرية، وحتى لو أسقط التحالف الذي ترعاه الولايات المتحدة القنابل في جميع أنحاء أراضي اليمنيين، فإن ذلك لن يقلل من القدرات العسكرية لصنعاء إلى حد يوقف معه توقف هجماتهم.

واعتبر التقرير أن “الأسوأ من ذلك هو أن حملة القصف المتسارعة من شأنها أن تزيد من خطر التصعيد وسوء التقدير”، لافتاً إلى أنه “من المرجح أن يؤدي توسيع الضربات الجوية إلى قتل المزيد من المدنيين وإلحاق الضرر بالبنية التحتية المدنية، الأمر الذي يعيد الولايات المتحدة إلى نفس الفوضى التي واجهتها عندما دعمت تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن في عام 2015. فقد أدانت العديد من البلدان والمؤسسات الدولية هذا التدخل- والدور الأمريكي في تمكينه- بسبب الخسائر المروعة التي خلفها من الضحايا المدنيين والكارثة الإنسانية التي أعقبت ذلك”.

ومع ذلك يحسم التقرير مسارا أوحد للسلام في أن “الطريقة الأكثر مباشرة هي التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام في غزة”.

 

قد يعجبك ايضا