الكيان الصهيوني وصفعة التصنيف الائتماني
|| صحافة ||
لم يتمكن وزير المالية الصهيوني، ” بتسلئيل سموتريتش” من “تحجيم” الخسائر المالية والاقتصادية الناتجة عن خفض الوكالات المالية العالمية التصنيف الائتماني لكيانه المحتل، فمحاولته تبرير الأمر بأنه “طبيعي” نتيجةً لظروف الحرب والمخاطر “الجيوسياسية” الناتجة عنها، يعدّ تبريرًا سطحيًا ومضللًا للواقع الداخلي الكارثي الناتج عن تخفيض هذا المؤشر، ولما يعيشه الاقتصاد الصهيوني ككل منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى.
التصنيف الائتماني: ما هو، ما أهميته؟
في لغة خبراء الاقتصاد، لا يعد انخفاض المؤشر الائتماني لبلدٍ ما خبرًا عابرًا، بل يشكل في الحقيقة ضربةً اقتصادية للبلد لاعتبارات وعوامل عدّة. يأخد هذا المصطلح، وفقًا للباحث والخبير الاقتصادي، الدكتور أمين صالح، مفهومًا مرادفًا يسمى “الجدارة الائتمانية”، أو بمعنى آخر قدرة البلد أو الحكومة على الحصول على القروض اللازمة، ومدى قدرتها على الوفاء بما عليها من التزامات في موعدها.
على صعيد العالم، هناك ثلاث مؤسسات كبرى معنية بإصدار تقارير الائتمان عن المؤسسات والدول، وهي “موديز”، و”ستاندرد آند بورز”، و”فيتش”، وهي مؤسسات أميركية منذ نشأتها. تسيطر المؤسسات الثلاث على نسبة كبيرة من سوق إصدار التصنيفات الائتمانية، يقدرها بعض الخبراء الاقتصاديين بنحو 95%، رغم وجود ما يقارب الـ150 مؤسسة ائتمانية أخرى موزعة على 32 دولة.
مستويات التصنيف الائتماني تتراوح ما بين “” (AAA) الذي يعبر عن “درجة أمان عالية”، وهو أعلى تصنيف للجدارة الائتمانية، وإن كان يتضمن درجات تابعة مثل ” ” (AA)، أو “” (A)، ثم تصنيف “” (BBB) ويعني “جدارة ائتمانية متوسطة” وله درجات مختلفة كما في التصنيف السابق، ثم التصنيف “” (CCC) الذي يعني “جدارة ائتمانية عالية المخاطر”، ثم التصنيف الأخير “” (DDD) وهو يشير إلى “جدارة ائتمانية متعثرة”، ولهما درجات مختلفة كما في التصنيفين السابقين.
للتصنيف الائتماني مؤشرات عدة تؤخذ بعين الاعتبار، أبرزها الأصول التي يمتلكها البلد طالب القرض، مدى سهولة التدفقات النقدية إليه داخلياً وخارجيًا، تاريخه المالي في التعامل مع الدائنين السابقين، وأسعار الفائدة التي حصل بها على قروضه من قبل، أما المؤشر الأهم عند الحديث عن الدول أو الحكومات فهو حالة الاستقرار السياسي والأمني فيها، وتأثيرها على الوضع الاقتصادي وخاصة القدرة على سداد الديون.
الكيان الصهيوني متأزم “إئتمانيًا”
يشكل الكيان الصهيوني حالة عملية حيّة لما يشهده من تقلّبات نحو الأسوأ للتصنيف الائتماني لديه، نتيجة حالة التصدّع السياسي والأمني والانهيار الاقتصادي غير المسبوق فيه. الدكتور صالح يرى في هذا السياق، وعطفًا على ما ذُكر، “أن الحرب في غزة وحاليًا في الضفة ساهمت إلى حد كبير جدًا في خفض التصنيف لكنها ليست العوامل الوحيدة المساهمة” ويشير صالح هنا إلى أن شكل إدارة الاقتصاد، وخاصة ميزانية الدولة، تضاف لها توقعات سلبية أخرى للاقتصاد “الإسرائيلي”، قد ساهمت أيضًا في خفض هذا التصنيف.
آخر التغيرات التي طرأت في هذا المجال كانت من قبل” وكالة فيتش” التي خفّضت في شهر آب/أغسطس المنصرم التصنيف الائتماني لـ”إسرائيل” من “A+” إلى “A” مشيرة إلى تفاقم “المخاطر الجيوسياسية” مع استمرار الحرب في غزة.
الأمر عينه تكرر منذ أشهر معدودة وتحديدًا عبر وكالة “ستاندرد آند بورز” التي أعلنت في شهر نيسان/أبريل المنصرم، عن خفض التصنيف الائتماني طويل الأمد لـ”إسرائيل” من « AA-» إلى «A+» بسبب ما وصفتها بأنها “المخاطر الجيوسياسية المتزايدة،” وقالت الوكالة حينها في بيان، إنها وضعت النظرة المستقبلية للاقتصاد “الإسرائيلي” عند “سلبية”.
هذا الانخفاض المستمر في التصنيف الائتماني للكيان المحتل، يحمل بالطبع دلالات وعواقب عدة؛ فالصورة المثالية التي حاول هذا الكيان إظهارها للعالم على امتداد عقود- كونه مكانًا آمنًا ومستقرًا جدًا للاستثمارات- لم تسعفه في تحمل التداعيات الاقتصادية لمعركة طوفان الأقصى. وفي السياق نفسه، أكد خبير اقتصادي آخر لموقع العهد أن “إسرائيل” كان معروف عنها أنها دولة الاستثمارات الكبرى والاستقرار السياسي والأمني، وقدرت إيراداتها السنوية سابقًا بما يفوق الـ 500 مليار $، أما اليوم فهي كيان خاسر اقتصادياً واستثماريًا.”
عواقب كارثية لخفض التصنيف
تراجُع مؤشر الاستثمار بشكل كارثي في الكيان المحتل، يضاف إليه بالطبع عواقب أخرى ناجمة عن خفض التصنيف الائتماني له، وهذه العواقب جاءت على لسان محللين اقتصاديين “إسرائيليين” في العديد من الصحف العبرية الذين اعترفوا بشكل مباشر، بالتداعيات القاسية لهذا الأمر.
المحلل الاقتصادي “غاد ليئور” سبق أن نُشر مقال له في صحيفة “يديعوت أحرونوت” تحدث فيه عن تبعات قرارات وكالات التصنيف الائتماني على الاقتصاد “الإسرائيلي”، مشيرًا إلى أن هذه التبعات ستكون عديدة، ومن عدة جوانب، أولها التراجع الذي حصل في البورصات “الإسرائيلية” ، وفقدان العملة المحلية، الشيكل، من قيمتها أمام الدولار خاصة، ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام والوقود والبضائع المستوردة، وهذا سيؤدي إلى موجة غلاء إضافية. وبعد ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء ومئات المنتجات في الاقتصاد، من المتوقع أيضاً أن ترتفع أسعار المياه وسوف ترتفع كلفة الزراعة.
وفي الإطار نفسه، يتابع المحلل “ليئور” أنه من المتوقع أن يؤدي خفض التصنيف إلى زيادة سعر الفائدة على القروض، وبالتالي ستصبح أسعار الفائدة أيضًا أكثر تكلفة بالنسبة للشركات والأسر “الإسرائيلية.”
إن ارتفاع معدل الفوائد على القروض له عواقب وتداعيات قاسية أيضًا، وهذا ما يؤكده لنا الخبير الاقتصادي عينه في تصريحه عن تأثير ارتفاع الفوائد في القروض، بأنه “سيؤدي بدوره إلى ارتفاع معدل التضخم وزيادة العجز في الموازنة، وما ينتج عن ذلك من انخفاض للمستوى المعيشي لدى المستوطنين، وبالتالي ارتفاع معدل البطالة بينهم، وهجرة الأدمغة خارج الكيان المحتل.”
من يقف وراء هذا الخراب؟
لا شكّ بأن “أوركسترا” الخراب الاقتصادي الذي يعيشه الصهاينة، يقاد عبر مسؤولين أظهروا فشلهم وحماقتهم الذريعة في إدارة شؤون الكيان، في مقدمتهم رئيس حكومة العدو “بنيامين نتنياهو” الذي أعطى المصادقة التامة لرئيس وزارة المالية في الكيان ” سموتريتش” الذي اعتبر كل ما يمر به اقتصاد الكيان المحتل” أمرًا طبيعيًا” كما ذكرنا آنفًا، معزيًا نظرته إلى ظروف الحرب الحالية.
هذه التهمة المثبة بالشواهد التي تتراكم يومًا بعد يوم على مرأى المستوطنين ومعاناتهم، أتت بشكل مباشر أيضًا على لسان محلّليهم، إذ تقول المحللة الاقتصادية “ميراف أرلوزوروف”، في مقال لها في صحيفة “ذي ماركر” العبرية: “الحقيقة هي أن”نتنياهو” هو الشخص الذي جلب الخراب لأمن دولة “إسرائيل،” واعتبارًا من الآن هو رسميًا أيضًا الشخص الذي جلب الخراب للاقتصاد المحلي، فهو ليس “السيد أمن” ولا “السيد اقتصاد”، لكن ذلك لا يزعجه على الإطلاق.”
في سياق متصل، يقول المحلل الاقتصادي “أدريان بايلوت” في مقال له في صحيفة “كالكاليست” العبرية، إنه “حتى الكارثة الاقتصادية التي جلبتها على مواطني “إسرائيل”، والتي لاقت رسميًا ختم مصادقة بأول تخفيض اعتماد لها في التاريخ، كان من الممكن منعها.”
ماذا لو استمر الانخفاض مستقبلاً؟
لا شكّ أن استمرار الحكومة الصهيونية المتطرفة بسياساتها الحالية التي تقتات على حرب الإبادة الجماعية في غزة والضفة، ستسير قدمًا بالاقتصاد الصهيوني نحو الهلاك الحتمي، وهذا ما دفع بالطبع وكالات التصنيف الائتماني إلى منح الاقتصاد “الإسرائيلي” نظرة مستقبلية سلبية.
اقتصاديًا تعكس هذه النظرة التشاؤمية زيادةً في كلفة الدين العام والعجز القائم في الموازنة بسبب التداعيات الاقتصادية المرتبطة بالحرب، فضلًا عن الانخفاض الإضافي لمؤشر الاستثمار ما يعني إقفال المزيد من الشركات والمشاريع الاستثمارية في قطاعات عدة، وبالطبع ما يتبع ذلك من ارتدادات كبيرة على الناتج الوطني ومستوى البطالة والتضخم والهجرة وغيره من العوامل الأخرى.
إن غرق “إسرائيل” في وحل الحرب الدموية التي تقودها بمساندة حلفائها، يضع في الوقت عينه المؤسسات المالية العالمية رهن التجربة والاختبار، وتحديدًا وكالات التصنيف الائتماني الأكثر شهرة، والتي تعمل بدورها-بشكل أو بآخر- تحت وصاية أميركية، ولكن وإن كانت هذه الوكالات خاضعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للهيمنة الصهيونية، “إلا أنه ليس بإمكانها المجازفة كثيرًا، لأن ثقة الكيانات الاقتصادية العالمية بها ستكون على المحك، وبالتالي فإنها غير مستعدة لفقدان مصداقيتها” يختم الدكتور صالح بهذا الشأن.
العهد الاخباري: سارة عليان