من منظور القانون الدولي.. “عدوان البيجر” إرهاب بحق المدنيين

|| صحافة ||

فشل جيش العدو الصهيوني البائن والواضح في ميادين القتال وغرقه في وحول لبنان وغزة منذ أكثر من أحد عشر شهرًا، دفع به للقفز إلى الأمام وإحراق المراحل بكشف أوراقه المستورة، ولجوئه إلى أبشع وأفظع أنواع الحروب الإرهابية الغادرة، عبر شنه حربًا إلكترونية قذرة لم يسبق لها مثيل في تاريخ النزاعات والحروب البشرية، استخدم فيها تفجير وسائل اتصال مدنية في أماكن مدنية عامة.. فطالت جرائمه الأسواق والمنازل والمحال والصيدليات والمستشفيات.. وإلا ماذا يعني تفجير 5 آلاف جهاز اتصال في دقيقتين على مدار يومين وفي قلب تجمعات وأماكن سكنية مكتظة على مساحة لبنان دون مراعاة أي قواعد اشتباك أو ضوابط قانونية دولية بما فيها قوانين الحروب.

 

تقييد استخدام وسائل القتال والأسلحة

سعى العالم بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة لتلافي فظاعات الارتكابات التي تخللتها والحد من وحشية الحروب المستقبلية عبر وضع إطار قانوني ينظم النزاعات والحروب حتى لا يكون المدنيون الأبرياء ضحاياها، فكانت اتفاقية جنيف الدولية (12 اب 1949) المتعلقة بحماية المدنيين في النزاعات الدولية المسلحة، وما تلاها من ملحقات وبروتوكولات إضافية اللبنة الأساسية للقانون الدولي الإنساني، ومنها البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الصادر عام 1977 والذي حدد في بابه الثالث أساليب ووسائل القتال فنص في مادته 35 على الآتي:

1- إن حق أطراف أي نزاع مسلح في اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقاً لا تقيده قيود.

2- يحظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي تحدث إصابات أو آلام لا مبرر لها.

من هم المدنيون المشمولون بالحماية؟

وللتأكيد على الأهمية التي أولاها القانون الدولي الإنساني لحماية المدنيين، خصص البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف بابًا موسعًا (الباب الرابع) بهذا الشأن، فنص بداية على قاعدة أساسية عامة في المادة 48 منه، جاء فيها:

“تعمل أطراف النزاع على التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجه عملياتها ضد الأهداف العسكرية دون غيرها، وذلك من أجل تأمين احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية”.

انطلاقًا مما تقدم، وحتى يكون المعنيون والمقصودون بالحماية محددين وواضحين دون أي لبس أو ترك المجال للاجتهاد والتأويل، عرّف البروتوكول الإضافي الأول لاتفاق جنيف (1977) المدنيين في مادته رقم 50  (الفقرتين الثانية والثالثة) على النحو الآتي:

2- يندرج ضمن السكان المدنيين الأشخاص المدنيون كافة.

3- لا يجرِّد السكانَ المدنيين من صفتهم المدنية وجودُ أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين.

لم يكتف البروتوكول الإضافي الأول للاتفاقية بهذا التحديد، بل ذهب أبعد من ذلك، فاعتبر أنه “إذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أم غير مدني فإن ذلك الشخص يعد مدنياً”.

القانون الدولي يحمي المدنيين.. من أي أخطار؟

وبعد تحديد من هم المدنيين المشمولين بحماية القانون الدولي الانساني وفقًا لاتفاقية جنيف، أتت المادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول للاتفاقية لتحدد أطر حمايتهم:

1- حماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية.

2- لا يجوز أن يكون السكان المدنيون محلاً للهجوم.

3- حظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية إلى بث الذعر بين السكان المدنيين.

4- حظر الهجمات العشوائية.

ولتفسير ما يقصده بالهجمات العشوائية لجأ البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف إلى تحديدها في نفس المادة (51) كالآتي:

أ) تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد.

ب) تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدد.

ج) أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها .. ومن شأنها أن تصيب، الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.

ولتحديد تلك الهجمات العشوائية بشكل أكبر وأكثر دقة أعطى البروتوكول الإضافي الأول أمثلة على سبيل المثال وليس الحصر، منها:

أ) الهجوم قصفاً بالقنابل ــ أياً كانت الطرق والوسائل ــ الذي يعالج عدداً من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتميز بعضها عن بعضها الآخر، والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخرى تضم تركزاً من المدنيين أو الأعيان المدنية، على أنها هدف عسكري واحد.

ب) والهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابات أو أضراراً بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطاً من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.

 

الانتهاكات الجسيمة لاتفاق جنيف؟

بعد تحديد البروتوكول الأول الإضافي للمدنيين وأطر حمايتهم قانونيًا، لجأ في قسمه الثاني إلى ترتيب آثار على أي انتهاك جسيم يطال المدنيين ويتسبب بوفاة أو أذى بالغ بالجسد أو بالصحة، فوفق المادة 85 منه، “تعد الأعمال التالية، بمنزلة انتهاكات جسيمة إذا اقترفت عن عمد:

أ) جعل السكان المدنيين أو الأفراد المدنيين هدفاً للهجوم.

ب) شن هجوم عشوائي، يصيب السكان المدنيين أو الأعيان المدنية عن معرفة بأن مثل هذا الهجوم يسبب خسائر بالغة في الأرواح، أو إصابات بالأشخاص المدنيين أو أضراراً للأعيان المدنية.

بعد كل ما تقدم يتضح أن عدوان تفجير أجهزة الاتصال “البيجر” و”التوكي ووكي” انتهك كل الاتفاقات والمواثيق  الدولية الإنسانية واستهدف المدنيين بشكل متعمد، وهذا ليس بغريب عن عدو همجي بربري لطالما ارتكب المجازر في لبنان وفلسطين والعالم العربي ووصل به الأمر إلى شن حرب إبادة لشعب غزة الأعزل ذهب ضحيتها عشرات الآلاف دون أن يرف جفن العالم الغربي والعربي أو ينبس ببنت شَفة، وليس بغريب عن عدو تعامل طوال التاريخ مع المنظومة الدولية على أنها غطاء دولي لجرائمه بظل “الفيتو” الأميركي والبريطاني الجاهز للإشهار دومًا بوجه أي إدانة دولية بحقه، لكنه استشرش في المقابل ضد أجهزة تلك المنظومة وحرض عليها وهددها كلما حاولت أن تقول كلمة حق بوجهه كما هو حاصل في ملف الدعاوى المرفوعة على قادته من الجنائية الدولية أو الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا بشأن حرب الإبادة في غزة ضد الكيان أمام محكمة العدل الدولية. فإذا كانت “إسرائيل” منذ تأسيسها كغدة سرطانية في المنطقة وهي تمارس عربدتها ولا تلتزم أو تنفذ أي قرار دولي، وتخترق كل القوانين دون ضوابط أو سقوف، يبقى المستغرب كيف للأوركسترا التي شاهدت المجازر في غزة ورأت وحشية العدوان الأخير على المدنيين اللبنانيين كيف لها عين أو أعين أن تعاود اجترار السيمفونية الممجوجة بعنوان “المجتمع الدولي بيحمينا”.

 

 

العهد الاخباري: علي عوباني

 

قد يعجبك ايضا