مميزات وخصائص ثورة 21 سبتمبر

د/ حمود عبدالله الأهنومي

 

تميّـزت ثورة 21 سبتمبر، بمميزات وخصائص ميّزتها عما سواها من ثورات وحركات، وكانت سببا في نجاحها المذهل وقوتها الذاتية المتوثبة والمتصاعدة، وقد توفرت هذه المميزات والخصائص لعدد من الظروف والعوامل والأسباب التي جاءت الثورة في سياقها، ومن الواضح أن كثيرا من المميزات والخصائص أنتجت وساهمت في مميزات وخصائص أخرى، وهذه بعض المميزات والصفات والخصائص الملحوظة في هذه الثورة.

أفضل وأعظم وأصدق ثورة في تاريخ اليمن الحديث

 

يمكن أن ينطبق عليها تعريف الثورة بالمصطلح السياسي بشكل واضح وبيِّن وكامل، وسيتضح من خلال الميزات والخصائص التالية أن هذا الوصف ليس مبالغة، ولا تطبيلا لإنجاز ذاتي يشهد له أصحابه وأتباعه، بقدر ما هو وصف علمي تدل عليه القرائن والشواهد الثابتة، وقد تبين لكل مراقب لثورات ما يسمى بالربيع العربي كيف سيطرت عليها قوى الثورات المضادة، ودخلت جميعها في دوامة انتكاسات خطيرة وفشل ذريع، وعادت حليمة الأنظمة السابقة إلى عادتها القديمة، وآخرها ثورة تونس؛ إذ تعاني من تخبط وفشل وفساد وانحراف وتدخلات أجنبية لعبت في أهدافها، واستحوذت على مسارها وقيادتها.

ومثلها أيضا في اليمن ثورة 21 فبراير التي سقطت بشكل مريع وسريع، عندما سارع جزء من الثوار إلى رهنها في سوق ومزاد الرجعيات العربية العتيقة، فوضعتها تحت سقوفها المنخفضة ومخلفاتها الرديئة، وبالتالي فإن ثورة 21 سبتمبر تكاد تكون الاستثناء الوحيد من جميع ثورات الربيع العربي، التي لم يستحوذ عليها الغرب، ولا قواه الرجعية في المنطقة، فلم تهزمها لا ثورات مضادة، ولا مؤامرات خطيرة، ولا حتى حرب سبع سنوات شنتها أقوى وأغنى وأفظع قوى الاستكبار العالمي.

 ثورة قرآنية

 

تحركت الثورة على أساس المفاهيم والتعليمات والسنن والتوجيهات القرآنية، ويقودها قائد قرآني شهدت له محاضراته وقراراته وتوجيهاته وقيادته بالوقوف عند القرآن الكريم والاهتداء بهديه في جميع محطات هذه الثورة، ويمكن ملاحظة قرآنية الثورة والسلطة المنبثقة عنها في أكبر القرارات والتوجهات والمواقف والمظاهر وأصغرها، طبعا مع قصور وتفريط كبيرين في حالات التطبيق، ولكن المرجعية العليا والمعلنة والتي تحتكم قيادات الثورة إليها بشكل مستمر هي مرجعية القرآن الكريم، ويأتي هذا في ظل تفريط شديد تعيشه الأمة جمعاء فيما يتعلق بعلاقتها بالقرآن الكريم، في وقتٍ كانت ولا زالت الأمة أحوج ما تكون إلى العودة الصادقة إلى القرآن الكريم من خلال سنة الله في الهداية، وهي منهجية الثقلين، كتاب الله وعترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ثورة قرآنية

ويعني بالضرورة أنها ثورة قيمية ذات ضمير وطني إسلامي عربي أخلاقي ملتزم، وهذه القيم والأخلاق هي ضمانات استمرارها، وضمانات الحفاظ على مكتسباتها، وهي التي تجعلنا نوقن أنها ستنجز جميع أهدافها، انطلاقا من سنن الله القرآنية، فعندما تتحرك الثورة في بناء الواقع الداخلي على مختلف الأصعدة، فكريا، وثقافيا، وتربويا، ونفسيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وعسكريا، وإداريا، وفي نفس الوقت، تتحرك بقوة كبيرة وجبارة لمواجهة أشرس الخصوم، وأكثرهم مكرا وطغيانا ومالا وقوة وسلاحا، فإن هذا يعني أنها ثورة تحمل ضمانات استمرارها وبقائها وقوتها وديمومتها داخلها، وهذا ما لم نجده في كثير من الثورات.

بالواقعية في التحرك والتطور والنقلات والأهداف

 

 أي أنها لم تخط لها مسارا يتدفق من وحي الخيال، ومن التنظيرات البعيدة عن الواقع، بل كانت أهدافها واقعية قابلة للتحقق، يتم النظر إليها من خلال الرؤية القرآنية، وكانت ولا زالت القيادة والشعب ينظرون إليها دائما عند كل خطوة ومحطة ثورية، وظلوا ولا زالوا ينظرون مدى تحقق شيء من الأهداف من عدمه، ومما يدل على واقعية الثورة وأهدافها أنها مشتقة من حاجات الناس، وثقافتهم، وفلسفتهم، وتلبي الضرورة والصيرورة التاريخية لهذا الشعب، وهذه ميزة تميزها عن أهداف بعض الثورات الأخرى التي أخذت أهدافها (نسخ لصق) من ثورات أخرى مع بعض التعديلات.

 ثورة أصيلة ذات امتداد شعبي وجماهيري واسع

 

فلم تكن ثورة النخبة التي كانت تستحوذ على مصالح شخصية وتطمع في المزيد، كما لم تكن ثورة العسكر على المدنيين، ولا ثورة المدنيين على العسكر، ولا ثورة الجياع ضد المستحوذين، ولا ثورة طائفة على أخرى، ولا مذهب على آخر، بل هي ثورة الشعب الذي التحم بها، واقتنع بفكرتها، وأهدافها، وقيادتها، وقد جاءته بملامحها القرآنية ومشروعها الجهادي الذي قدم النموذج والشاهد منذ انطلاقتها من مران 2002م، فهي إذن ثورة اشترك فيها الأغنياء والفقراء، والمدنيون والريفيون، والعلماء والأميون ومتوسطو التعليم، والأكاديميون والطلاب، والنساء والرجال، والعسكريون والمدنيون، والإداريون والرعية، وشاركت فيها الأحزاب والمذاهب والفئات والتيارات المختلفة، وهذا هو عنوان أصالتها، ومؤشر تميزها وفرادتها.

لها مشروعها الحضاري النهضوي الشامل

 

للثورة مشروعها الحصاري النهضوي الشامل بشمول وعظمة القرآن الكريم وهدايته الواسعة والشاملة، هذا المشروع هو الذي يبني الأمة في جميع المجالات، ويتحرك على مختلف الأصعدة، ولا أحتاج لتكبد عناء الاستدلال على هذا الادعاء، بل الواقع أكبر شاهد على ذلك، فرغم ما يعانيه شعبنا من عدوان وحصار ومؤامرات ها هو ينحت طريقه في صخور الصعاب وجبال المتاعب نحو إحداث نهضة حضارية شاملة، منطلقا من رؤيته الثورية النهضوية الشاملة، وهي الرؤية التي أفادتها الثورة والثوار أولا من محاضرات الشهيد القائد رضوان الله عليه، ثم من محاضرات وتطبيقات وتوجيهات السيد القائد يحفظه الله، ومن فلسفة وتاريخ وتراث هذا الشعب الحضاري الإيماني، وهذه الخصيصة هي بالذات من أكبر ما يزعج الأعداء، ويغيظهم؛ لأنهم لم ولن ينزعجوا من حركة هنا أو ثورة هناك ووِجهتها وجهة محدودة، كأن تريد أن تغير نظاما سياسيا بآخر، ولكنها لا تبني واقعها على أساس صحيح وفي مختلف المجالات، لكن الذي يزعجهم فعلا ويجعلهم يتحركون بقوة من منطلقاتهم الإفسادية للقضاء على هذه الثورة أنها ثورة تصحيحية نهضوية حضارية شاملة، إنه المشروع الذي أفصح عنه الرئيس الشهيد صالح الصماد بشعار (يد تبني ويد تحمي).

ثورة وطنية داخلية

 

وتتميز الثورة بكونها ثورة داخلية ذاتية بحتة تحركت بجهد ذاتي وتمويل ذاتي، لم يتدخل الأجنبي فيها لا في التخطيط، ولا في التنفيذ، ولا في التمويل، ولا في الحماية والدفاع، وهذا ما لا نجده في الثورات الأخرى، ومنها ثورة 26 سبتمبر التي يحكي التاريخ، ومنه مذكرات الثوار أنفسهم، أن مصر عبدالناصر وقفت بكل قوتها معها في التخطيط، والتنفيذ، والحراسة، والحماية، والتمويل، بينما ثورتنا هذه وضعت أهدافها بنفسها، وتحرك شعبها بذاته، وأسقط النظام السابق بقوة ثورته الذاتية، في وقت كان النظام السابق مدعوما من كل القوى العالمية بلا استثناء ماليا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا، لكن ثورتنا موّلت نفسها بنفسها، من خلال التبرعات الشعبية، والقوافل المتتابعة التي أرسلتها القبائل والمدن والقرى إلى مخيمات الاعتصام والثورة، ثم لما شن الأمريكان وعملاؤهم العدوان على اليمن وأرادوا قتل هذه الثورة ووأدها بقوة السلاح حمت الثورة نفسها بنفسها، وضربت المثل الأعلى في الشموخ والصمود والثبات فريدة وحيدة أمام غطرسة هذا العدو المستكبر بماله وقوته وسلاحه والأعداد الكثيفة من جنوده ومرتزقته.

ولم يكف الثورة أنها حمت نفسها من هذا العدوان، بل ها هي اليوم تحقق الانتصارات العظيمة والخارقة، وهي في طريقها لتحقيق الإنجاز الأكبر، وقف العدوان، ورفع الحصار، وإملاء شروط الانتصار على المعتدين وعملائهم.

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أيضا على خصيصة وميزة أخرى، وهي القوة الذاتية الكبيرة والمؤثرة والفاعلة لهذه الثورة الناتجة عن قوة عواملها ومصادرها وفلسفتها والظروف الصانعة لها، وإذا كانت ثورة 26 سبتمبر قد دُعِمَت بالسلاح والمقاتلين المصريين في أول يومين منها، ولولا ذلك التدخل المصري لسقطت في أسبوعها الأول، فإن ثورة 21 سبتمبر استطاعت – ولمدة سبع سنوات حتى الآن – بقوتها الذاتية الخالصة أن تتصدى لأشرس وأقوى وأخطر وأفظع عدوان عرفه اليمن في تاريخه الحديث، عدوان اجتمع تحت رايته أقوى الدول جيوشا وتسليحا، كأمريكا والغرب الكافر، وأكثرها مكرا، كإسرائيل، وأكثرها مالا كالسعودية والإمارات، وأكثرها مرتزقة محليين وأجانب، لا بل واستطاعت أن تلحق بهم مجتمعين هزيمة نكراء، هذه القوة الذاتية للثورة هي نتاج لعوامل ومؤثرات عديدة تميزت بها الثورة عما سواها، ومنها ما تقدم من الخصائص والمميزات.

القيادة الواحدة

 

ومن مميزات الثورة  أنها على خلافِ كثيرٍ من الثورات الأخرى تميَّزت بقيادة واحدة، وواضحة، وبينة، اجتمعت فيها كل المهارات القيادية الفذة، وهذه القيادة تم اختيارها من قبل الشعب في عدد من المظاهرات، ولم يكن ذلك الاختيار محض صدفة، ولا بإملاء من هذا أو ذاك، وإنما فوض الشعب هذه القيادة من وحي خبرته وتجربته ومعرفته للسيد القائد الذي قاد الحركة الثورية الجهادية، ووصلت إلى الشعب يوما إثر آخر أخبارُه، وسمعوا خطاباته، ورأوا توجيهاته، ولمسوا إخلاص أتباعه وشجاعتهم وأهليتهم لقيادة الثورة، ليس هكذا مصادفة، بينما نجد الاختلاف الواسع والواضح والمحموم حول قيادة ثورة 26 سبتمبر حتى اليوم، هل هو الرئيس عبدالله السلال، أو عبدالله جزيلان، أو علي عبدالمغني، أو الجائفي، أو المصريين والبيضاني، وكل منهم –في مذكراتهم- يدعي أنه القائد الأوحد، وأن الآخرين كانوا تحت تأثيره وضمن نطاق قيادته.

ثم وقف خلف تلك القيادة شعب مؤمن شهد له القرآن والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالإيمان، وبالصلاح عند فساد الناس، وانطلق هذا الشعب في ثورته هذه على أساس هذه الهوية الإيمانية، وبموجب مسيرته القرآنية، وهذه ميزة عظيمة من مميزات الثورة، وأثبت الشعب في جميع مراحله أنه شعب عظيم، وعزيز، وقوي، ويمكنه أن يصنع التغييرات المذهلة والكبيرة، وأن ينجز التحولات الرائدة والقوية، ولم أجد زعيما يمنيا ولا غير يمني يمدح ويثني على شعبه مثلما وجدت السيد عبدالملك الحوثي يثني على هذا الشعب اليمني، فقد طوّل فيه المدائح الصادقة، وأبدع فيه الأوصاف الحقة، على أنه فعلا شعب يستحق تلك الأوصاف، ويستحق ذلك البر والإتحاف.

الاهتمام بقضايا الأمة

 

ومن مميزاتها أنها وازنت في أهدافها ونشاطها واهتماماتها بين التزاماتها المحلية ذات البعد الوطني والتزاماتها العربية والإسلامية، فلم تهمل احتياجات الشعب والوطن وأبنائه في ظل الحالة القطرية التي مزقت الأمة وشتتت شملها، ولم تفرط في الحضور في قضايا الأمة، وعلى رأسها قضية فلسطين، وبات واضحا أن اليمن اليوم حكومة وشعبا وقيادة أكثر الشعوب نصرة للقضية الفلسطينية، إلى مستوى أنها باتت رقما صعبا في المعادلات الإقليمية، وبات العدو الصهيوني يخشى العنصر اليمني مثل خشيته من السوري أو العراقي أو الإيراني، وربما أكثر من كثير من أعداء إسرائيل، لكن كل ذلك مع عدم الإخلال بالحاجة المحلية، ولا التفريط في القضايا الوطنية، بتوازن عجيب، وحكمة بديعة.

-ثم لما انتصرت هذه الثورة، وبعد انتصارها، وفي مختلف حالاتها شدة ورخاء، وأزمة وانفراجا، وعند ضغط الحرب وانبساط السلم، ظلت هذه الثورة بأهدافها الرائعة راقية وسامية تسمو على الجراحات والآلام، وتترفع على الأحقاد والثارات، ولم تكتف بالتسامح والتسامي والعفو عن خصومها، بل وفتحت الباب على مصراعيه أمامهم لمشاركتها في السلطة والحكم والثروة، وظل نهجها الانحياز إلى قضايا الشعب، وليس التتبع لشخصيات الخصوم، هذه الميزة ورثتها الثورة عن أمها الحركة الثورية الجهادية، المسيرة القرآنية، وهذا ما فتح الباب لكثير من المغفلين والمغرر بهم والسذج لأن يراجعوا حساباتهم، وشهدنا أعدادا مهولة من مواطني هذا الشعب كانوا قد حاربوا المسيرة الجهادية في المراحل الأولى، ثم أتيحت لهم الفرصة لأن يكونوا من أنصارها، وتبوأوا مقاعد أمامية، ورفيعة، ومؤثرة، في سلم وظائفها المختلفة، إلى الحد الذي قد يثير حنق بعض السابقين إليها، لكنه وضع شكل جاذبية مهمة جدا في واقع هذه الثورة، ويمكن أن يصدق عليها وصف الله للمؤمنين بأنه (رحماء بينهم).

-لكن ذلك لا يعني ضعفا في الثورة، وأنها بدون موازين، ولا معايير، وأنها يمكن التسلق على ظهرها للوصول إلى أهم المناصب القيادية بشكل طبيعي وعادي والانقلاب عليها، بل إن الثورة بقدر ما تفتح الأبواب أمام أفراد الأمة للتحرك في جميع مراقي السُلَّم الوظيفي والقيادي لهذه الثورة من خلال توفير فرص إثبات الجدارة على أرض الميدان، فإنها أيضا لا تتسامح مع المنقلبين عليها، والأعداء المواجهين لها؛ إذ سرعان ما تضرب خصومها بقوة وشراسة منقطعة النظير، وحال الزعيم عفاش مع هذه الثورة لا يخفى على أحد، لما استغل تسامحها، وترفعها عن المواجع والآلام التي أحدثها في جسد هذه المسيرة، فلما قلب لها المجن، وأظهر الفتنة والمكر، وخان الوطن، وأعلن ضديتها لها، قضت عليه الثورة في فترة قياسية أصابت العالم بالذهول والارتباك.

النقاء

وعلى خلاف كثير من الثورات فإن ثورتنا هذه تتميز ببياضها الناصع، ونقائها الجميل، فكثيرا ما ردَّد المؤرخون والكتاب بأن الثورات تقتل أبناءها، وأن العادة أن يستحوذ فريق من أفرقاء الثورة على سلطتها المنبثقة عنها، وتدور الأيام، وتحدث الاختلافات، وإذا بهذا الفريق من الثوار يقتل فريقا آخر، وإذا ببعض الثوار يفترس البعض الآخر، حدث هذا حتى في الثورة الفرنسية، بل وحتى في ثورة 26 سبتمبر، لكنه لم يحدث شيء من هذا في ثورة 21 سبتمبر.

لها التأثير الكبير

 

ومن مميزاتها أنها ثورة فاعلة ومُنْجِزة وذات تأثير كبير، وأنها أحدثت وتحدث تغييرا كبيرا في الوعي والمفاهيم بالتزامن مع التغيير في الواقع والاتجاهات، وأن كثيرا من أهدافها إما قد تحقق، أو في طريقه للتحقق، أو منعت منه عوامل خارجة عن إرادة الثورة وقيادتها، ولكن الوعي والحالة الروحية والنفسية مستعدة لإنجاز هذه الأهداف وتحقيقها فور ارتفاع الموانع الخارجية منها، بينما نجد مثلا الأهداف الستة التي أعلنتها ثورة 26 سبتمبر لم يتحقق منها شيء، وإلا لما اضطر اليمنيون لأن يعلنوا ثورة 11 فبراير، ولا ثورة 21 سبتمبر.

-وواقع هذه الثورة المبدئي والأولي وبعد تجربة عشر سنوات يشير إلى أنها ثورة أُنْجِزَتْ لكل اليمنيين، وأن الفرص التي تقدمها متكافئة لجميع اليمنيين، صحيح أنها رفعت الظلم عن بعض الشرائح الاجتماعية، وقوّضت التمييز السلبي ضدها، لكنها لم تحرم المواطنين من الشرائح الاجتماعية الأخرى من الوصول إلى حقوقهم ومكتسباتهم، ولديها من الضمانات ما ستحقق هذه الميزة بشكل أكبر وأوسع في حالة الظروف الطبيعية والعادية.

 

امتداد للمسيرة للقرآنية

ومن مميزات الثورة التي أيضا ورثتها عن أمها الحركة الثورية الجهادية (المسيرة القرآنية) أنها من خلال ثقافتها القرآنية التي تعزز في صاحبها المعرفة حق المعرفة لله رب العالمين، وتكسبه الثقة العظيمة به، وبألوهيته، وقدرته، ومعيته، وأنه ملك السماوات والأرض، وبكل ما تقدمه الرؤية المعرفية القرآنية من هدى وخبرات معرفية ووجدانية، صنعت وتصنع رجالا ندر أن يأتي بمثلهم الزمان، واجهوا أعظم الصعاب، وتحدوا أفظع وأخطر وأقوى عدوان عرفه تاريخ اليمن الحديث، من واقع إيماني، ومعرفة قرآنية، وانتماء واع للمسيرة القرآنية.

-وأعظم ذلك دليلا، وأوضحه شاهدا، أن هذه الثورة قدمت ولا تزال من كوادرها وقياداتها الشواهد والنماذج اليمنية العظيمة والمشرِّفة، فظهرت نماذج من المجتمعات تكاد أن تكون من خيال التاريخ الخصب، تضحية وشجاعة وإنفاقا، وقدمت شخصيات كان الجميع قانطا أن يرى مثلهم في هذا الواقع العالمي الرديء، وأبرز هؤلاء الرئيس الشهيد صالح الصماد، وعدد كبير من القيادات الجهادية الثورية، لا يزال الإعلام الحربي يقدمهم واحدا بعد الآخر، كالعزي، والملصي، والقوبري، وغيرهم الكثير، لقد أثبتت هذا الثورة كأرضية فكرية وأخلاقية أنها خلاقة للعظماء والعظيمات من الرجال والنساء والكبار والصغار، الذين يشار إليهم بالبنان، بما قدموه من مواقف وتضحيات، وبما سطروه من إنجازات عميقة وعملاقة، ولا تزال هذه الثورة تشكل الأرضية الصلبة للنهوض والتميز، وتعد بأدبياتها وفكرها وثقافتها وتربيتها النفسيات العظيمة القابلة لتحقيق التطور والنمو والإنجاز والإبداع.

الحصانة من الاختراق

 

ومن مميزات الثورة  أنها ثورة ذات حصانة ذاتية غير قابلة للاختراق والاستحواذ وتحويل المسار بشكل جزئي أو كلي، ولا أعني أن هذه الثورة ذات طبيعة خارقة تستطيع أن تكتشف الانتهازيين والوصوليين المتسللين في أروقة نشاطاتها بوصفة سحرية سريعة وعجيبة، بل هذه الثورة بأدبياتها وتضحياتها وقياداتها وإنجازاتها وأهدافها ومصادرها الفكرية والثقافية تستطيع أن تضع الدوائر الحمراء حول الشخصيات التي قد تتسلل في سلمها الوظيفي والقيادي، وتستطيع أن تحاكمهم شعبيا ونفسيا وفكريا وتربويا وأخلاقيا وتاريخيا من خلال الأدبيات، والبرامج الروحية، والخطابات، والمناسبات، والتضحيات، ومن خلال الوعي الذي تتركه في محيط هؤلاء المفسدين، ومن خلال مسيرة الحركة والجهاد التي تتحرك فيها الثورة وأبناؤها؛ ولهذا مهما تلفّع المفسدون برداء هذه الثورة فإن ما أشرت إليه من الضمانات كفيل بإسقاط هذا التسلل، وتصحيح هذا الخطأ، وتفعيل أدوات الرقابة الحكومية بالشكل الصحيح سيكون الضربة القاضية لكل متسلل وانتهازي وصولي.

أزعجت قوى الاستكبار

ومن مميزات الثورة أنها ثورة أغضبت وأزعجت قوى الاستكبار والإجرام في هذا العالم في واشنطن وتل أبيب وباريس ولندن وغيرها، وفرح بها المستضعفون في اليمن والخليج وفلسطين والعراق والشام والمشرق والمغرب العربيين، وفي العالم الإسلامي، وفي مختلف الأقطار والبلدان، وإن ثورة تفرح المستضعفين، وتقض مضاجع المستكبرين، لهي جديرة بالاحترام والانتصار.

-ثم أخيرا وليس آخرا إنها ثورة أنجزت بعض أهدافها وهي في طريقها لتحقيق الأهداف التي منعت عوامل خارجية من إنجازها، كل ذلك في وقت قياسي، وفي ظل ظروف ضاغطة، ومع ذلك استطاعت أن تنجز أهم أهدافها، وهو أنها حررت الإنسان اليمني وأشعرته بالعزة والكرامة، ولعمري إن تحقق هذا الهدف كفيل بأن يجعل ما لم يتحقق من الأهداف في وارد التحقق، وعلى سبيل الإنجاز، وسنتحدث عن المنجز من الأهداف وما لم يُنْجَز في الحلقة اللاحقة والأخيرة إن شاء الله تعالى.

 

قد يعجبك ايضا