منعُ تصوير الأضرار.. سياسةٌ إسرائيلية تؤكّـد نجاح ضربات حزب الله

موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالحميد شروان

ضاعفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في الآونة الأخيرة، عبر رقابتها العسكرية على المستوطنين ووسائل الإعلام، قيود نشر أَو توثيق عن أماكن ضربات حزب الله والأضرار الناتجة عنها، ما يظهر مدى قلقها من تداعيات هذه الصور على الرأي العام الداخلي والخارجي.

ما يثير التساؤلات هنا هو لماذا تتخذ “إسرائيل” مثل هذا الإجراء؟ وما الذي تحاول إخفاءه عن مواطنيها وعن العالم؟

إن منع التصوير ليس إلا محاولة للتغطية على حجم الدمار الذي تتسبب بها هجمات حزب الله، فعندما يعلن الحزب عن استهداف مواقع استراتيجية، ويرافق ذلك تعتيم إعلامي من جانب الاحتلال، فهذا مؤشر ودليل على أن الهجمات حقّقت نتائج بالغة التأثير تتجاوز ما ترغب “إسرائيل” الاعتراف به دون الإضرار بها داخليًّا وخارجيًّا.

أبرز الأمثلة القريبة على ذلك هو عملية “يوم الأربعين” التي نفذها حزب الله، باستهدافه لقاعدة “غليلوت”، ومقر الوحدة “8200” الشهيرة التي تعتبر إحدى أعمدة التجسس الإسرائيلي.

حَيثُ ضرب الاحتلال بعد العملية طوقًا أمنيًّا مشدّدًا حول القاعدة، بعمق عدة كيلومترات، واستمر هذا الطوق الأمني المشدّد ساعات، ومُنع العسكريين والمدنيين، على حَــدّ سواء، من الاقتراب من القاعدة أَو دخولها، خشية توثيق الأضرار التي نجمت عن العملية.

ورغم التعتيم الإعلامي الكبير من الاحتلال حول حجم الأضرار والإصابات التي لحقت بالوحدة والدفع بوسائل إعلامه (عبرية وعربية) للتقليل من حجم الضربة وتأثيرها، إلا أن مصادر أُورُوبية كشفت لقناة “الميادين” لاحقًا أن العملية حقّقت إصابات بالغة في الوحدة 8200، وسقط منها 22 قتيلاً وَ74 جريحاً، وأكّـد هذه المعلومات أَيْـضاً الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، ما دفع قائد الوحدة -فيما بعد- لتقديم استقالته على خلفية الضربة.

عملية “غليلوت” تعكس نموذجاً لنجاح حزب الله في توجيه ضربات مؤثرة إلى مراكز حساسة في عمق كيان الاحتلال، وهو نجاح أجبره على فرض قيود مشدّدة على التصوير والتغطية الإعلامية؛ لأَنَّ إظهار تلك الأضرار يفتح بابًا لانتقادات داخلية ودولية على سياساتها، ويثبت أن منظوماته الدفاعية ليست منيعة حسب مزاعمه.

هذه ليست المرة الأولى التي تخفي فيها “إسرائيل” نتائج الاستهدافات التي طالتها، فالتاريخ مليء بحوادث مشابهة، لم تظهر حقائقها إلا بعد سنوات من وقوعها؛ ففي حرب تموز عام 2006، كانت تُخفى نتائج استهداف بعض المواقع العسكرية التي استهدفها حزب عن الإعلام لأشهر، بل وحتى سنوات، لتظهر فيما بعد على شكل تقارير وتحقيقات دولية تفيد بحدوث خسائر جسيمة.

تستخدم “إسرائيل” هذه السياسة لتثبيط معنويات المقاومة من جهة، وللحفاظ على ما تبقى من معنويات لدى المستوطنين، خُصُوصاً في مواجهة ضربات دقيقة تستهدف مواقع حساسة، مثلما حدث مع قاعدة “غليلوت” ووحدة “8200”، وما تلاها من ضربات.

في مقابل ذلك، هناك حالة من الانفلات لدى بعض الإخوة المواطنين في لبنان في التعاطي مع هذه المسألة، من خلال تصوير الأضرار التي يخلفها العدوان الإسرائيلي في لبنان وقت القصف وما بعده ونشر هذه المواد على وسائل التواصل دون اكتراث لما قد تحويه من معلومات حساسة لا ينبغي ظهورها للعلن.

فعلى الرغم من أن الهدف (على افتراض حسن النية) من نشر مثل هذه الصور والفيديوهات قد يكون لإظهار وحشية الاحتلال وجرائمه، إلا أنها يمكن أن تخدم العدوّ بشكل مباشر؛ فالصور والمقاطع والمعلومات التي تُنشر قد تكشف تفاصيل حساسة عن مواقع المقاومة وطبيعة الهجمات التي تعرضت لها، ما يسمح للكيان بتحليل البيانات المنشورة في ما يخدمه في توجيه ضرباته في ما بعد.

ومن خلال هذه المواد المنشورة، يستطيع العدوّ رصد البنية التحتية للمقاومة وتحليل أماكن تواجد المجاهدين ومواقعهم وحتى الكشف عن هُــوِيَّاتهم كما حدث في جريمة تفجير أجهزة البيجر واللاسلكي، ما يساعده في تجميع بنك أهداف لضرب المقاومة وكوادرها.

وعليه، يفترض على الإخوة هناك توخي الحذر الشديد، وعدم الانجرار خلف السبق -الذي لا يغني من لايك ولا يسمن من ريتويت- بنشر صور الأضرار الناتجة عن غارات العدوّ؛ لأَنَّ ذلك قد يشكل تهديدًا مباشرًا على أمن المجاهدين وعلى المقاومة بشكل عام، ويفترض الالتزام بما تنشره الجهات المعنية، وهي حريصة كُـلّ الحرص على إظهار معالم وتفاصيل الجريمة دون تخليف أي ضرر عرضي كما هو الحال مع ما ينشره أصحاب السبق.

في زمن الحرب الحديثة، لا تقل المعلومات والاستخبارات أهميّة عن السلاح في ساحات المعارك، ومن هنا تأتي ضرورة الحذر في التعامل مع ما يُنشر على وسائل الإعلام أَو وسائل التواصل الاجتماعي، لضمان حماية المجاهدين واستمرار قوة المقاومة في تحقيق أهدافها.

قد يعجبك ايضا