استشهاد القائد السنوار مقاومًا.. الإخفاق الاستخباري الثاني بعد 7 أكتوبر
|| صحافة ||
تنطوي الرواية “الاسرائيلية” الاحتفالية بارتحال رئيس حركة حماس القائد يحيى السنوار على نقاط ضعف في نسب الإنجاز إليها. وهي في الأساس صمتت للتغطية على أكبر فشل أمني “إسرائيلي” بعد ٧ أكتوبر/تشرين الأول.
النقطة الأولى تتعلق بمفردة الاغتيال أو التصفية. فـــــ”إسرائيل” لم تغتل أو تصفِ القائد يحيى السنوار؛ بل هو استشهد في مواجهة مباشرة مع قوات الاحتلال في رفح. تاليًا؛ ليس صحيحًا الخبر “الإسرائيلي” أو اعلان جيش الاحتلال أنّه قد صفّ السنوار، فتلك تعني عملية معدة مسبقًا، وجرى تنفيذها عن سابق تصور وتصميم. أما الخبر الحقيقي؛ فهو استشهاد يحيى السنوار بملء إرادته ومن دون معرفة العدو من استشهد أمامه.
النقطة الثانية أن استشهاد القائد السنوار بهذه الطريقة هو ثاني أكبر إخفاق استخباراتي لـ”إسرائيل” بعد الفشل في الانتباه إلى عملية “طوفان الاقصى”. وهو فشل لا يمكن تجاوزه أو المرور عليه تحت كثافة نيران إعلامية تحتفي بمقتله. ويتشارك مع “إسرائيل” الولايات المتحدة وكل أجهزة الاستخبارات التي كانت تبحث في قطاع غزة، ليلاً ونهارًا، منذ ٨ أكتوبر/ تشرين الأول للعثور على القائد السنوار. ومع ذلك؛ فشلت في الوصول إليه واغتياله، بل قُتل ولم تتعرّف إليه إلّا في اليوم الثاني على الاشتباك، وهذه وصمة عارٍ استخباراتية لا يمكن محوها عن جبين “إسرائيل” وحلفائها، بمختلف مستوياتهم وانتماءاتهم.
باعتراف “إسرائيل” القائد السنوار قتل في الميدان مع مجموعة من رفاقه، في اشتباك مسلح، ولم يكن في نفق ولم يكن يستخدم الأسرى الصهاينة دروعًا بشرية. وهذا سقوط مريع للادعاءات “الإسرائيلية” بشأن أهم قادة حماس ومكان اختبائه وتواريه، كما كانوا يقولون من أجل تأليب الشعب الفلسطيني عليه.
وعليه؛ يشكّل استشهاد السنوار على سطح الأرض إهانة كبرى لـ”إسرائيل” التي احتلت أغلب قطاع غزة، ولم تتمكّن من الوصول إليه واستمر عامًا كاملاً يتحدّاها ويرواغها، ولم يكن مختبئًا تحت الأرض. والأكثر إساءة لـــــ”إسرائيل” أنه استشهد في مواجهة مع قوة مشاة عادية، وليس قوات نخبة ممن تبحث عنه منذ سنة على الأقل في مناطق غزة. وهذه نقطة ثالثة مهمة جدًا يضاف إليها الصور التي بثها جيش العدو، والتي تشكّل دليل فشل وعجز وإخفاق له، ودليل قوة وثبات لقائد بقي يقاتل حتى الرمق الأخير وحاول إسقاط مسيّرة بعصا، وهي تصوّره ولا تعرف من هو، ما يعطي صورة متكاملة عن شجاعة هذا القائد الاستثنائي الذي ارتقت روحه بعد اشتباك عنيف استمر فيه بإلقاء قنابل يدوية على قوات العدو التي حسمت الاشتباك بقصفه بقذائف الدبابات من دون الجرأة على الاقتراب منه وأسره، وهو جريح وفي منزل بات ساقطًا عسكريًا كما تظهر المشاهد، وكما تؤكد شهادات الجنود الذين شاركوا في المواجهة.
استشهاد القائد السنوار ورفاقه، في اشتباك مباشر، تليق بأحد صناع ٧ أكتوبر/ تشرين الأول ورواد المقاومة في المنطقة الذي قضى وهو يقاتل العدو وجها لوجه ولم يغادر وهو كان يستطيع ذلك، بل شكّل خاتمة لائقة به مضيفًا إذلالاً جديدًا لـــــ”إسرائيل”، لا يمكن أن يغطي عليه احتفاء المستويات “الإسرائيلية” السياسية والأمنية والعسكرية، وكذلك الأميركيين وحلفائهم باستشهاده السنوار في محاولة لصنع انتصار يغطي على فشل استراتيجي لا يليق بقوى عظمى دولية وإقليمية.
النقطة الأخيرة؛ أن العدو يكرر رهانه على مفاعيل استشهاد القادة، وأن اليوم التالي في غزة صار في جيبه وكذلك صفقة الأسرى، وهذا ينمّ عن إخفاق جديد في فهم النتائج الحقيقية لهذه الشهادة التي ستحفز الكثيرين على الانضمام إلى المقاومة، وليس الاستسلام وهم يشاهدون قائدًا كبيرًا بقى يجاهد في الميدان حتى الرمق الأخير بكل ما تختزنه المشاهد التي بثها العدو من محفزات معنوية لأجيال لمحاكاة هذه الشخصية.
هكذا توفر هذه الشهادة أنموذجًا جديدًا من القادة الكبار في محور المقاومة الذين يبقون صامدين مع شعبهم والمقاومين، ولا يغادرون ساحة القتال بالرغم من ضراوة المعركة غير المسبوقة. وهو أمر يستلزم بناء صورة أسطورية حقيقية عن قادة بلغوا هذا المستوى من الاندماج مع الشعب والمجاهدين، فضلاً عن إظهار قوة الحق التي تسترخص فيها الأرواح.
العهد الاخباري: عبد الحسين شبيب