هو البطل الذي أرّق الصهاينة
وديع العبسي
استشهد مهندس الطوفان، القائد يحي السنوار لكن الطوفان باق حتى تحقيق كامل أهدافه، ولن يُخمد العدو جذوة المقاومة كما أكدت على ذلك كتائب عز الدين القسام في بيان النعي.
استشهد القائد العسكري لحماس لكن بصماته الجهادية ستبقى شاهدة على فعله البطولي طوال مسيرته النضالية لتحرير الأرض والمقدسات، ولن ينسى تاريخ المقاومة أن السنوار وباقي رفاقه قد أصدروا بطوفانهم يوم السابع من أكتوبر 2023، بطاقة الموت والزوال، وكبحوا حركة قطار التطبيع وأحالوه إلى كومة خُردة ستظل شاهد على الخذلان العربي لعروبتهم ومقدساتهم ونخوتهم تجاه ما يتعرض له الفلسطينيين.
لن ينسى تاريخ المقاومة فعل السنوار الذي أربك كل معادلات الأعداء وخلط كل الأوراق، فما عاد يجدي شرق أوسط جديد ولا فوضى خلّاقة، وما عاد في وارد المنطق، الحديث عن واقع قابل للحياة داخل الكيان كما كان عليه قبل الطوفان.
لن ينسى التاريخ سمو صنيع السنوار وباقي أحرار المقاومة بطوفانهم الذي ذابت فيه الطائفية والمذهبية وارتفع به صوت العزة والكرامة والجهاد لإعلاء كلمة الله، فتحطمت على صخرته كل اشتغالات الأعداء عقود طويلة لزرع بذور الفتنة الطائفية وعوامل الشقاق بين المسلمين.
كما لن ينسى التاريخ مجيئ الطوفان في وقت وصلت فيه القضية الفلسطينية حالة كبيرة ومشهودة من التآمر والتهميش، فكان هو الرد الطبيعي على سياسات العدو وتواطؤ المجتمع الدولي وخذلان الانظمة العربية والإسلامية.
حطم طوفان السنوار وفصائل المقاومة أحلام الغرب وعلى رأسهم أمريكا بتمرير مشروع الهيمنة بصيغته الجديدة من خلال إعادة رسم العالم انطلاقا من المنطقة والتي كان يفترض اولا القضاء على المقاومة الفلسطينية وتمييع قضيتهم تمهيدا لطيّ ملفها.
كما ان مجيئ الطوفان وهو الامتداد الطبيعي للفعل المقاوم الفلسطيني منذ (75) عاما، بهذا العنفوان وهذا الاقتدار، لا شك بانه صفع وبشكل مؤلم الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا وباقي الدول الاستعمارية، اذ انه كشف عن ان كل جولات الاستهداف الدموية التي شهدت ابشع الجرائم بحق الإنسانية في فلسطين، لم تؤت أُكلها، فلم تنهِ مقاومة، ولم تقتل شعور الفلسطينيين بالانتماء الى الأرض، ولم تنجح في تطبيع حياتهم مع وجود المحتل كأمر واقع، بل على العكس من ذلك، ظلت الاعمال الوحشية تغذي باستمرار حقيقة التمسك بالأرض وعدم القبول بأقل من رحيل المحتل.
وتُعلِمُنا الروح الجهادية والبذل السخي الذي امتلكه قادة المقاومة الشهداء خلال هذه الجولة من المواجهة مع العدو، من السيد نصرالله والسيد شُكر، والقائد هنية والقائد السنوار والقائد العاروري، وباقي القادة في فلسطين ولبنان، ان لا شيء يستحق، اكثر من الجهاد من اجل اعلاء راية الإسلام من خلال الانتصار للمقدسات وتحرير كل الأراضي المغتصبة، وقطع يد الغرب من العبث بمقدرات ومستقبل العرب والمسلمين.
وعبثا لا يزال العدو يُقدم من الأفعال ما يؤكد على غيّه وجهله، فمنذ اغتيال المجاهد احمد ياسين والسيد عباس الموسوي، وطوال مسيرة الاجرام التي خلفّت مئات الالاف من الشهداء، والى اليوم، تتكرر افعاله وتتعاظم وحشيته بنفس التفاصيل مع تغيير في آلة القتل، ولا هدف استراتيجي يمكن الحديث عنه، سوى سلوك الجبناء في الاغتيالات وقتل المدنيين، مع ذلك، وكلما زاد في تجاوزاته، زاد من شحذ الهمم والالتحاق بركب المقاومة لبتر هذا الدخيل عن الأرض العربية.
وليس أدل على ذلك من هذه القدرة العالية في التخطيط لمعركة الطوفان وتنفيذها بتلك الحرفية المتناهية التي نسفت ادعاءات الحائط الدفاعي الذي ليس له نظير، بل وكشفت عن وضع أمني هش وحالة ارتخاء معيبة لجنود يُزعَم بانهم قوام رابع اقوى جيش في العالم واقوى جيش في المنطقة، ولا يتعلم.
وحتما ستبقى حركة المقاومة الفلسطينية حماس على ذات الروحية، انطلاقا كن كونها وباقي الفصائل لم تظهر على الوجود نتيجة لشخص، ولكنها فكرة نشأت بفعل مؤامرة دولية عملت على زرع هذا الكيان في الأرض العربية الإسلامية، ومثل هذه الفكرة لا يمكن ان تموت بموت شخص وان كان في مستوى قائد، لأنه حتى هذا القائد بذاته حمل السلاح ووقف مدافعا عن هذه الفكرة، وكما تجاوزت حماس موقف استشهاد القائد اسماعيل هنية ستتجاوز كذلك اثار استشهاد يحي السنوار، وستقدم من الرجال والقادة ما يؤرقون منام نتنياهو وباقي الصهاينة.
المعركة لم ولن تنتهي عند اغتيال السنوار، وما يظن اليائس نتنياهو ان فيه استعادة لكرامة كيانه الوهمي الذي مرّغه السنوار في التراب يوم الطوفان، انما زاد من وصمه بالعار والخزي، وهو في انتقامه، يفر من الجبهات ليستهدف المدنيين، والاعيان المدنية، ويُقدم نفسه كمسخ رُفع عنه قلم المحاسبة الدولية لتجاوزه كل الأعراف والقوانين وحتى القيم الأخلاقية، في ما يتّبعه من منهجية في المواجهة، وربما لا غرابة في ذلك والمخطط والممول والمشرف هي أمريكا، الدولة الاي قامت على العنف والدماء، والتي يُعري مسارها التاريخي زيف كل ما تدعيه من قيم وإنسانية.