استراتيجيات السيد عبد الملك ورسائله في خطاب آخر أكتوبر

علي ظافر

 

يكتسب الخطاب الأخير للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أهمية قصوى من ناحية التوقيت، في ظل ما تمر به منطقتنا من تصعيد غير مسبوق في أكثر من ساحة وبلد عربي وإسلامي، وبالنظر إلى المساعي الأميركية والإسرائيلية والغربية لفرض معادلة “الاستباحة” بلا حسيب، ومحاولة كسر “وحدة الساحات” القائمة بين اليمن وفلسطين ولبنان والعراق وسوريا وإيران، باعتبارها عائقاً أمام “مشروع الشرق الأوسط الجديد”.

وقد حمل الخطاب في طيّاته تشخيصاً دقيقاً لواقع ساحات المواجهة في منطقتنا، وما أرسته من معادلات بعد أكثر من عام من المنازلة التاريخية بين محور “إسرائيل” بما له من امتدادات غربية وعربية، ومحور فلسطين بما له من امتدادات عربية وإسلامية وأممية، من اليمن إلى فلسطين ولبنان، والعراق وصولاً إلى إيران، سنتطرق إلى بعض منها في هذا المقال، ابتداء من جبهة الإسناد اليمنية.

 

عمليات جبهة اليمن البحرية

من موقعه شريكاً فاعلاً، وركناً أساسياً في محور الجهاد والمقاومة، وفيما تشهد الساحتان السياسية والعسكرية في منطقتنا تصعيداً إسرائيلياً -أميركياً ملحوظاً في غزة ولبنان، أعلن السيد عبد الملك أن القوات المسلحة اليمنية تعتزم “توسيع دائرة الاستهداف لتشمل الطرق البحرية الملتوية في أقاصي المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط” ، وحذّر في الوقت نفسه بعض الدول العربية التي تحاول واشنطن جرجرتها وتوريطها في معركة الدفاع عن “إسرائيل” وحماية ملاحتها من التبعات، مؤكداً أن لا أحد في هذا العالم سيوقف عمليات الإسناد اليمنية ما لم يتوقف العدوان على غزة ولبنان.

هذا الإعلان وما رافقه من تحذيرات، يأتي تتويجاً لعمليات عسكرية يمنية طالت 202 سفينة خلال العمليات البحرية المساندة، وهذه الإنجازات الملموسة والمؤثرة تعكس قدرة جبهة اليمن على استمرار المساندة، ومواجهة أي تصعيد محتمل وتنفيذ استراتيجيات عسكرية معقدة تكفلت مناورة “ليسوؤوا وجوهكم” بإيصال بعض رسائلها.

ومؤخراً، شكّل استهداف أربع سفن شرق أرخبيل “سقطرى”، نقطة تحوّل في الصراع لناحية توسع المعادلة، رغم “أزمة الصيد وندرته”، وإذا فعلت أميركا و”إسرائيل” ما تخططان له فإنهما ومن يتورط معهما، قد حكموا عملياً على مصالحهم البحرية وغير البحرية بالإعدام.

كما أنهم لن يحدّوا من دور اليمن بقدر ما سيسهم ذلك في تعزيز موقفه على الساحتين الإقليمية والدولية، وربما ذلك ما يفسر حالة الانزعاج والقلق المتنامية لدى واشنطن، بعد أن فشلت في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وتضاعف حرجها في المنطقة والعالم، رغم غاراتها الأسبوعية، وضغوطها السياسية والاقتصادية والإنسانية.

ومن جهة أخرى، فإن تحذير السعودية والإمارات من خوض المعركة بالنيابة عن “إسرائيل” يعكس إدراكاً عميقاً لدى السيد عبد الملك بأن الصراع ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو صراع على الهوية والمبادئ، إذ إن السعودية والإمارات وأدواتهما – إن تورطوا – فسيظهرون في مواقع المدافع عن المصالح الإسرائيلية والأميركية، في مقابل جبهة اليمن (صنعاء) التي عززت من موقفها كمدافع عن القضايا العربية والإسلامية، وهذه المفارقة لها تبعاتها في الجانب الأخلاقي والإنساني والسياسي وحتى الديني إلى جانب التبعات العسكرية. وفي ظل الأوضاع المتغيرة، سيظل الصراع بين القوى الكبرى وجبهة اليمن في صميم الأحداث المقبلة في المنطقة.

غزة: الجهاد هو الحل.. لا تنخدعوا بدبلوماسية أميركا

على خط مواز، حذّر السيد عبد الملك ضمنياً من خطورة الانخداع بالمساعي الدبلوماسية الأميركية، وحديثها الدعائي عن اتفاق وشيك في ما يخص غزة، من خلال إشارته إلى أن السائد والمستمر في غزة هو الإبادة والتهجير، بشراكة وتخطيط ودعم مالي وعسكري أميركي مباشر، بل إن واشنطن التي تقدم نفسها وسيطاً تدفع ما نسبته 75% من الإنفاق الحربي الإسرائيلي.

وأمام واقع كهذا، فإن الجهاد وتصعيد الفعل الميداني المقاوم هو الحل من وجهة نظر السيد عبد الملك، ويظهر ذلك من خلال إشادته بصمود المقاومة وحاضنتها من جهة، وتكتيكاتها المتطورة وعملياتها النوعية وقدرتها على استهداف العدو بشكل يظهر “جيشه” عاجزاً عن التعامل معها، وبالتالي هذا هو الرهان الرابح في إفشال أهداف العدو بعد قرابة 400 يوم من المنازلة

وفيما اعتبر السيد عبد الملك أن غزة ولبنان جبهة واحدة، أشاد بدور حزب الله وأدائه العسكري على الحدود وباتجاه العمق، بما يترتب على ذلك من خسائر ميدانية للعدو، وخسائر في الأهداف، وخصوصاً في ما يخص إعادة المستوطنين وتحقيق الأمن في العمق الاستراتيجي للعدو، إن يضطر ملايين اليهود إلى قضاء معظم أوقاتهم داخل الملاجئ، بما يترتب على ذلك من حالة شلل وتعطل المصالح الإسرائيلية.

ولفت السيد عبد الملك إلى أن العدو، غيّر من تكتيكاته في ما يتعلق بالعملية البرية، إذ اعتمد في العام 2006 على الدبابات والمجنزرات، اضطر هذه المرة للدفع بالمشاة خوفاً من تحقيق وعد السيد القائد الشهيد حسن نصر الله بإحراق دبابات العدو على الهواء مباشرة، فإذا بجنوده يقعون في مصيدة وخسائر كبيرة تجاوزت الألف ما بين قتيل وجريح في غضون شهر، فيما نجح مجاهدو المقاومة في منع العدو من تحقيق أهدافه.

وفي الموقف، بارك السيد عبد الملك للشيخ نعيم قاسم توليه منصب الأمين العام، وأشاد بشخصه ودوره التاريخي منذ تأسيس الحزب، مؤكداً وقوف اليمن إلى جانب الإخوة في حزب الله، وأشاد بتصاعد عمليات المقاومة الإسلامية في العراق وفعاليتها وتأثيرها.

 

معادلة “الاستباحة” مرفوضة

وفي سياق التوترات المتزايدة في المنطقة، أطلق السيد القائد تصريحات حادة بشأن العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران، معتبراً أنه محاولة من العدو الإسرائيلي، مدعوماً من الولايات المتحدة، لفرض “معادلة الاستباحة” على الأمة الإسلامية. وهنا، تبرز إدانة السيد القائد القوية ورفضه القاطع للسياسات الغربية، إذ يؤكد أن هذه المعادلة (الاستباحة) تهدف إلى تقويض سيادة الدول الإسلامية وإذلالها، وأن العدوان الإسرائيلي يسعى إلى توسيع نطاق استباحة الدول الإسلامية، حيث لا يُسمح لأي بلد باستهداف العدو أو الدفاع عن سيادته.

هذا التوجه، وفقاً له، يشكل تهديداً مباشراً لكرامة الأمة، ويعدّ قبول أي دولة بهذا الوضع بمنزلة “إهانة لا يمكن قبولها”. فالأهداف العسكرية التي هاجمتها “إسرائيل” في إيران، والتي أسفرت عن ارتقاء شهداء، تؤكد التحديات التي تواجهها الدول الإسلامية في الحفاظ على سيادتها.

واعتبر أن مطالبة أميركا وبعض الدول الغربية إيران بعدم الرد، تعبّر عن استراتيجيتهم في تكريس معادلة الاستباحة، وكأنهم يقولون لكل الدول العربية والإسلامية عليكم أن تقبلوا بأي عدوان إسرائيلي، وأن لا تفكروا بالرد، وهذا الأمر مرفوض لدى اليمن ولدى إيران ولدى كل دول محور المقاومة وحركاته، مشدداً في المقابل، على ضرورة أن يكون للساكتين والنائين بأنفسهم من أبناء أمتنا (دولاً وشعوباً) موقف الرفض لهذه المعادلة وكسرها بكل الوسائل الممكنة.

إذاً، يتضح أن السيد القائد عبد الملك الحوثي يرى بأن الصراع القائم في المنطقة ليس مجرد نزاع إقليمي، بل هو جزء من صراع أوسع من أجل السيادة والكرامة في وجه استبداد العدو الإسرائيلي والداعمين الغربيين له.

وبالتالي، فإن ما طرحه حول مفهوم “الاستباحة” يدق جرس الإنذار للأمة من خطورة تداعيات العدوان الإسرائيلي -الأطلسي على مستقبل الأمة الإسلامية برمتها، ما يحتم الوحدة لمواجهة هذه التحديات.

قد يعجبك ايضا