السياسة الأمريكية وتأثيرها على المواقف العربية تجاه فلسطين!!
أنصار الله. تقرير
ألقى قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، يوم الخميس 12 جمادي الأول 1446هـ، خطاباً تاريخياً تناول فيه الدور الخطير للشراكة الصهيو-أمريكية في تشكيل مواقف الأنظمة العربية المتخاذلة تجاه القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية. وأكد السيد القائد أن التصدي لهذه التحديات يستدعي بداية تحرير الأمة الإسلامية من حالة الارتهان والتبعية، مما سيُمكن من هزيمة العدو الصهيوني وتحرير الأرض والمقدسات.
هذا التقرير يستعرض الجوانب المختلفة التي أشار إليها السيد القائد عبدالملك الحوثي، مع تناول واقع الصراع مع العدو الإسرائيلي. في ظل التحولات الجيوسياسية العميقة في المنطقة، تظل القضية الفلسطينية في صدارة الصراعات الإنسانية، مستندة إلى تحذيرات قرآنية تتعلق بطبيعة هذا الصراع، والدور الذي تلعبه القوى المهيمنة بقيادة الولايات المتحدة في دعم المشروع الصهيوني.
الشراكة الصهيو-أمريكية
تعود العلاقات الأمريكية – الصهيونية إلى ما قبل تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948، أي إلى بداية القرن التاسع عشر حيث لعبت الحركات البروتستانتية البيوريتانية (التطّهرية) دوراً كبيراً في تهيئة الأرضية الملائمة لنشاط الحركة الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة. وكان الرئيس الأمريكي جون آدامز (1767 – 1848) قد دعا إلى ما أسماه باستعادة اليهود وطنهم، في رسالته إلى صديقه الكاتب اليهودي مانويل نوح عام 1818، وقال فيها: “أتمنى أن أرى ثانية أمة يهودية مستقلة في يهودا”.
تعود العلاقات الإسرائيلية الأمريكية العميقة إلى عام 1948، عندما أُعلن عن تأسيس الكيان الإسرائيلي، وكانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي اعترفت بهذا الكيان. بعد ذلك، تطورت الروابط الدبلوماسية بين الكيانين حتى أصبحت شراكة استراتيجية. في العدوان الثلاثي عام 1956 وحرب 1967 وحرب أكتوبر، وقفت الولايات المتحدة بجانب “إسرائيل”، مقدمة لها دعماً مالياً وعسكرياً حاسماً.
تُظهر البيانات أن المساعدات الأمريكية للعدو الإسرائيلي كانت عاملًا رئيسيًا في تعزيز قوة العدو الإسرائيلي، مما زعزع استقرار المنطقة وأدى إلى تهجير ملايين الفلسطينيين. يبرز هنا دور اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، الذي يُنظر إليه على أنه قوة مؤثرة في توجيه السياسة الأمريكية نحو دعم المشروع الاستيطاني الإسرائيلي.
وفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2019، قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 1.3 مليار دولار سنوياً منذ عام 1987، بشروط مرتبطة بأمن “إسرائيل”. على سبيل المثال، سُمح لسفينة إسرائيلية محملة بالأسلحة الأمريكية بالرسو في الموانئ المصرية، مما يعزز الارتباط الوثيق بينهما.
التبادل التجاري بين “إسرائيل” ودول عربية كالإمارات والمغرب، وكذلك دول إسلامية مثل تركيا وماليزيا، يعكس جسورًا تجارية واسعة تمتد على كافة المستويات، مما يزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
في البدء، كان اليهود الأمريكيون يبرّرون مطالبتهم الكونغرس بتأييد “إسرائيل” بالاعتبارات الإنسانية والأخلاقية والأيديولوجية – الثقافية, ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أن هذه الحجة سوف تفقد ولو بعد حين – قوة التأثير, لذلك لجأوا- خلال الفترة (1948 – 1973)- إلى صنع دور استراتيجي لإسرائيل عبر ترويج مقولة الدور الاستراتيجي لإسرائيل كحليف يقف سداً منيعاً في وجه المدّ السوفياتي والأنظمة العربية الراديكالية في “الشرق الأوسط”، ويحمي الخليج وحقول النفط فيه، كما يقدم مصدراً موثوقاً للمعلومات عن كل المنطقة، لأنه إذا تم تصوير “إسرائيل” في نظر الرأي العام الأميركي بأنها تقدم خدمات عسكرية واستراتيجية للولايات المتحدة، فإن المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل تصبح مبرّرة كونها تُحقّق مصلحة ذاتية لأميركا فضلاً عن الاعتبارات الأخلاقية، الأمر الذي يضمن استمرار هذه المساعدات.
بعد العام 1980، تبنّت إدارة ريغان سياسة “التدخّل” وتحوّلت عن السياسة الإقليمية نحو “سياسة عالمية شاملة”، وفضلت اعتبار “إسرائيل” رصيداً أساسياً لها في “الشرق الأوسط” مع المحافظة على علاقات حسنة بدول الخليج العربية. وتم توقيع مذكرة تفاهم أمريكية – إسرائيلية حول التعاون الاستراتيجي في نوفمبر 1981م.
أدى ذلك إلى تعزيز الدور الإسرائيلي عقب تحالفه مع واشنطن، الأمر الذي شجعه على القيام بضرب المفاعل النووي العراقي وضم الجولان السوري المحتل إلى الكيان الإسرائيلي عام 1981م، وغزو لبنان ودخول بيروت عام 1982م، بتأييد من واشنطن التي كانت ترغب في إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وإجبار سوريا على الانسحاب تمهيداً لإقامة نظام لبناني مركزي وقوي موالٍ لها.
شراكة أبدية
ومع مرور الوقت، أصبحت المساعدات الخارجية الأمريكية لإسرائيل بمثابة الأسس الراسخة لعلاقة شراكة أبدية. فمنذ عام 1985م، يتلقى الكيان الإسرائيلي ما يقرب من 3.8 مليارات دولار سنويًا من الخزانة الأمريكية، مما يسهم في رفع حجم وقدرات ترسانته العسكرية ويعزز من قوة حضوره الاقتصادي في المنطقة. هذا الدعم جعل “إسرائيل” على رأس قائمة الدول المتلقية للمساعدات الأمريكية منذ عام 1976م، حيث اجتازت عتبة 121 مليار دولار أمريكي منذ الحرب العالمية الثانية. والأهم من ذلك، أن الحكومة الأمريكية تفرض أن تُخصص 75% من هذه المساعدات لشراء منتجات وخدمات أمريكية فقط، مما يحفز الاقتصاد الأمريكي أيضًا.
في عام 2014م، وحده، حصلت “إسرائيل” على حوالي 8 مليارات دولار كمنح أمريكية، بالإضافة إلى 3.1 مليار دولار كمساعدات عسكرية، مما يعكس التزام الولايات المتحدة الثابت بأمن حليفتها.
وفي القدس المحتلة وفي يوم 14 يوليو 2022م، تم التوقيع بين الولايات المتحدة برئاسة بايدن و”إسرائيل” برئاسة “رئيس وزراء” الكيان لابيد، على إعلان للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” نص على أن الولايات المتحدة تؤكد التزامها الثابت بالحفاظ على قدرة “إسرائيل” على ردع أعدائها وتعزيزها، وذلك تماشيا مع العلاقة الأمنية طويلة الأمد بين الطرفين والالتزام الأمريكي الراسخ بأمن “إسرائيل” ، وبخاصة من ناحية الحفاظ على تفوق “إسرائيل” العسكري النوعي وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد ما تسميه تهديد أو مجموعة من التهديدات. وتعيد الولايات المتحدة التأكيد على أن هذه الالتزامات مدعومة من الحزبين وليست مجرد التزامات أخلاقية، بل أيضا التزامات استراتيجية ذات أهمية حيوية للأمن القومي الأمريكي.
وفي بنود مذكرة التفاهم (الإعلان)، أكدت الولايات المتحدة على الالتزام بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي واعتبار ذلك جزء لا يتجزأ من واجبات الشراكة، كما أعربت عن استعدادها لاستخدام كافة عناصر قوتها الوطنية لضمان هذه النتيجة. وتؤكد الولايات المتحدة أيضًا على التزامها بالعمل مع الشركاء الآخرين لمواجهة ما أسمته بعدوان إيران وأنشطتها المزعزعة للاستقرار.
تشير الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى أن مذكرات التفاهم غير المسبوقة بشأن المساعدة الأمنية التي وقعت عليها الإدارات الأمريكية المتعاقبة على مدى العقود القليلة الماضية هي أصدق تعبير عن دعم الولايات المتحدة الثابت ومن الحزبين لأمن “إسرائيل” ، وتظهر الترتيبات التي تضمنتها تلك المذكرات قولًا وفعلًا أن الولايات المتحدة تعتبر أمن “إسرائيل” ضروريًا للمصالح الأمريكية وركيزة لما أطلقت عليه بالاستقرار الإقليمي.
بنود مذكرة التفاهم، والتي وصفت بالتاريخية، شملت دعم الولايات المتحدة بقوة تنفيذية بقيمة 38 مليار دولار بشكل كامل. وتعهدت الولايات المتحدة، في المذكرة، الالتزام الدائم بأمن “إسرائيل” ، كما أنها مقتنعة بضرورة أن تعالج مذكرة التفاهم المقبلة ما وصفته بـ “التهديدات الناشئة والحقائق الجديدة”. بالإضافة إلى ذلك، تلتزم الولايات المتحدة بالسعي لتأمين مساعدات دفاعية صاروخية إضافية تتجاوز مستويات مذكرة التفاهم في ظروف استثنائية، على غرار الأعمال العدائية التي نفذها العدو الإسرائيلي على حركة حماس لفترة 11 يوما في مايو 2021، وما يجري حاليا من عدوان وعمليات قتل وتجويع وتهجير منذ 7 أكتوبر 2023م.
وحظي الكيان الإسرائيلي بالتزام الولايات المتحدة في مذكرة التفاهم بتقديمها مليار دولار إضافي فوق المبلغ المحدد في المذكرة كتمويل تكميلي للدفاع الصاروخي في أعقاب العدوان على حماس في العام 2021. وأعرب طرفا الاتفاق عن تطلعهما للمضي قدما فيما أطلقا عليه “الشراكة الدفاعية” فيما بينهما من خلال التعاون في مجال تقنيات الدفاع المتطورة مثل أنظمة أسلحة الليزر عالية الطاقة للدفاع عن “إسرائيل”.
هذه العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي، والدعم الأمريكي المستمر للكيان، لم تعكس التآمر الثنائي على القضية الفلسطينية فحسب، وإنما أوضحت أبعاد تطلعاتهما في السيطرة على المنطقة بأكملها. وهو ما أثبتته الأيام فيما أطلقه الطرفان من مشروع توسعي سمي بالشرق الأوسط الجديد/ الكبير وما تلى ذلك من البرتوكولات والاتفاقيات السرية الموقعة بين الطرفين.
الظلال الأمريكية: خيار “كن معنا أو ضدنا”
في سياق توسيع الأطماع الصهيو-أمريكية، يبرز الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن الذي أعلن للحلفاء خيارين حصريين: “إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا”. هذا التصريح لم يكن مجرد كلمات، بل كان بمثابة إعلان مفتوح لحلفاء أمريكا في المنطقة بأن عليهم اختيار المعسكر الصحيح أو مواجهة العواقب. وبالنسبة للدول العربية والإسلامية، كان هذا الخيار يحمل مدلولًا مختلفًا؛ فالقبول بهذا الخيار يعني في جوهره التخلي عن مبادئ السيادة والاستقلال والدفاع عن الحقوق.
على المستوى العربي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، نتطرق لقصة تواجد القوات الأمريكية في السعودية، والتي تعد جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية لتعزيز هيمنتها على المنطقة. وسط تحولات جيوسياسية عميقة في المنطقة، يبقى الجدل حول موقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية محط اهتمام واسع. يصف منتقدون الموقف السعودي الداعي لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية بأنه اعتراف بالكيان الصهيوني ومنحه شرعية على أربعة أخماس فلسطين.
مواجهات حقيقية: العدو تحت المجهر
في ظل التهديدات التي تواجه الأمة، نجد أن المشروع الصهيوني، برعاية أمريكية، يسعى إلى فرض الهيمنة والسيطرة على مقدسات الأمة، ولا سيما المسجد الأقصى أحد رموز هوية الأمة ووجودها فضلاً عن سلب السيادة ونهب الأرض وارتكاب أفظع جرائم التمييز والإبادة الجماعية وتجويع قتل وتهجير سكانها بغرض استبدال أهلها الأصليين بالمستوطنين المحتلين.
قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يعبر عن هذا الواقع بقوله: “ما إليه يسعى الأعداء فيها، أعداء الأمة، أتباع المشروع الصهيوني، وأذرعة المشروع الصهيوني: الأمريكي، والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم، يسعون إلى فرض خيارهم على الأمة، أمتنا الإسلامية، في ظل تَقَبُّلٍ رسميٍ في الواقع العربي، وفي كثيرٍ من البلدان الإسلامية، ما عدا استثناءات محدودة.” يشير السيد القائد في العبارة إلى أن التبعية للقوى المهيمنة تؤدي إلى استسلام الأنظمة العربية وخضوعها للمشروع الصهيوني، مما يجعلها أدوات لخدمة هذا المشروع على حساب حقوق واستقلال شعوبها.
في ظل المواقف العربية المتخاذلة، ظهر الرد الرسمي من العديد من الدول العربية ضعيفًا أو معدومًا. على الرغم من تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، فإن تردد الرياض في اتخاذ موقف صريح ترفض فيه أي اعتراف بالكيان يعكس تراجعًا كبيرًا في اهتمامها بالقضايا العربية مقابل ما يلاحظ عليها من توتر وغضب بشأن برنامج إيران النووي، مما يعزز فكرة التبعية للقوى المهيمنة.
كل هذه أدلة تعزز من الرأي القائل بأن الأنظمة الحاكمة العربية مرتبطة بالقوى المهيمنة، وأن هذا الارتباط هو العامل الخفي والحقيقي المحبط للأمة في مواقفها تجاه القضايا الحيوية، وخاصة القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية، ذلك أن التبعية للقوى المهيمنة تؤدي إلى استسلام الأنظمة العربية وخضوعها للمشروع الصهيوني، مما يجعلها أدوات لخدمة هذا المشروع على حساب حقوق وحريات واستقلال شعوبها.
التحذيرات القرآنية وطبيعة الصراع
أكّد القرآن الكريم على خطورة اتخاذ موقف يعارض الأمة ومصالحها، حيث يقول تعالى: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين.”. اتفاقيات التطبيع الأخيرة بين “إسرائيل” ودول عربية مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين برعاية ودعم أمريكي، وما سبقها من اتفاقيات اعتراف بالكيان تعزز من الارتباط الوثيق بين هذه الدول و”إسرائيل” على حساب التنازل عن كرامة الأمة، كون هذه الاتفاقيات تقدم ضمانات لإسرائيل في جوانب أمنية واقتصادية وسياسية بل ودعم وإسناد للكيان فيما يرتكبه من جرائم في حق أبناء غزة وجنوب لبنان، وتنضح به معالم التداخل العميق للمصالح بين هذه الدول والمشروع الصهيوني.
لذلك، يشدد السيد القائد في محاضرة الخميس 12 جمادي الأول 1446هـ على أن التقبُّل بمثل ذلك ممن ينتمي لهذه الأمة، سواء رسميًا أو شعبيًا، يعني الاستسلام. أن تكون مع عدوك المستهدف لك ولأمتك، والذي يريدك أن تكون مجرد أداة تعينه على تحقيق أهدافه الخبيثة. أن تكون معه يعني أن تقبل بمصادرة حريتك واستقلالك، وأن تكون أداة خانعة مستسلمة، تُسَخِّر نفسك وإمكانات بلدك لخدمة عدو يمتهنك ويسلبك كل شيء.
كما أكّد القرآن الكريم على خطورة اتخاذ موقف يعارض الأمة ومصالحها، حيث يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وفي هذه الآية يأتي التأكيد على أن التخاذل أو الانضمام للعدو يعني التخلي عن الهوية والانتماء، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة على المستويات الفردية والجماعية تندرج ضمن ما حذرنا منه الله عندما حدد مصير من يسارعون إلى الولاء للأعداء، في قوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} وأيضاً {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ}.
هذه الحقائق القرآنية هي تأكيد آت من الله سبحانه وتعالى، عالم الغيب والشهادة، وصاحب المآل الحتمي لمن اختار أن يستجيب للأمريكي يوم قال: “معنا”، بالنسبة لمن ينتمي لهذه الأمة. المعنى لهذا الولاء يختلف عن غيره، يمكن أن يكون لهذا الولاء بالنسبة لمن ينضم مع الأمريكي من الأوروبيين معنى يدل على الشراكة؛ لكن بالنسبة للعرب والمسلمين من عرب وغيرهم، فالمسألة تختلف تمامًا. فالعربي لن يكن أكثر من أداة محققة لتطلعات الاستكبار الصهيو-أمريكي في فرض الهيمنة والسيطرة على مقدسات الأمة، ولا سيما المسجد الأقصى، أحد رموز هوية الأمة ووجودها. وبالتأكيد، عندما تتعرض هذه المقدسات للاعتداء، يتعرض الدين والثقافة والتراث للخطر.
الطريق نحو الاستقلال والكرامة
تظهر الأدلة والشواهد التاريخية والمقولات أن الأنظمة الحاكمة العربية مرتبطة بالقوى المهيمنة، وأن هذا الارتباط يؤثر بشكل مباشر على مواقفها تجاه القضايا الحيوية للأمة، وخاصة القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية. إن التبعية للقوى المهيمنة تؤدي إلى استسلام الأنظمة العربية وخضوعها للمشروع الصهيوني، مما يجعلها أدوات لخدمة هذا المشروع على حساب حقوق واستقلال شعوبها.
هذا الارتباط العميق يمتد عبر العقود منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي كغدة سرطانية في الجسد العربي واعتراف الولايات المتحدة به، حيث قدمت الدعم المالي والعسكري الذي عزز من قدرة “إسرائيل” على التفوق العسكري والسياسي.
تسلط التحذيرات القرآنية الضوء على طبيعة هذا الصراع، حيث يسعى المشروع الصهيوني، برعاية أمريكية، إلى فرض هيمنته على مقدسات الأمة وتراثها. هذه الأماكن ليست مجرد معالم دينية، بل هي رموز لهوية الأمة ووجودها، وعندما تتعرض هذه المقدسات للاعتداء، يتعرض الدين والثقافة والتراث للخطر.
وكما قال جمال أبو الهيل: “الصراع الفلسطيني هو صراع الأمة العربية كلها.”، ما يعني أن الشواهد التاريخية مثل حرب 1948 وحرب 1967، والثورات الفلسطينية، تؤكد أن مقاومة المشروع الصهيوني لم تكن سهلة، وكانت دائمًا تتطلب تضحيات كبيرة. ولعل هذا ما هو حاصل واقعا في حجم ما تقدمه غزة وجنوب لبنان وأبنائهما من تضحيات منذ 7 من أكتوبر 2023م.
في ضوء هذه الحقائق، يجب أن يكون هناك وعي جماعي وإرادة مشتركة لمواجهة التحديات القائمة. إن تعزيز الوحدة والتضامن بين الدول العربية والإسلامية والاتجاه بشكل جماعي للجهاد في سبيل الله بات هو السبيل الوحيد لحماية المقدسات والدفاع عن حقوق الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني والهيمنة الأجنبية.
بهذه الطريقة، يمكن للأمة أن تواجه التحديات بروح متجددة وإرادة صلبة، مستلهمة من التاريخ الدروس والعبر، ومستخدمة التحذيرات القرآنية كمنارة تهديها في ظلمات الصراع. فقط عبر الوحدة والوقوف المشترك يمكن للأمة أن تحافظ على كرامتها وسيادتها وتضمن مستقبلًا مشرقًا لأجيالها القادمة. وسلام الله على شهيد الحق الإمام زيد المحذر لهذه الأمة من مغبة الركون للأعداء: (والله ما كره قوم قط حر السيوف إلا ذلوا).