من عظمة الإسلام أنك عندما تتحرك له تجد كل شيء يخدمك حتى أعداؤك

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

إذاً فإذا كنا نقول في الماضي: أنه لا ينبغي أن نسكت أمام أي جهة تقول لنا أن نسكت يصبح الآن الموضوع أكثر أهمية.

ومن جهة أخرى نطمئن إلى أن عملنا قد كان – إن شاء الله – بتوفيق الله، أن عملنا هو بتوفيق الله، وأن عملنا هو العمل الذي تتطلبه الظروف، ظروف الأمة, وظروف اليمن، ظروفنا كمسلمين, وواقع ديننا, وواقع أمتنا. أليس هذا هو ما يمكن أن نكتشفه؟ فهل اكتشفنا أننا أخطأنا – كما يقول الآخرون – أم اكتشفنا أننا بحمد الله على صواب ونحن نعمل هذا العمل؟.

إذاً هذا هو مما يزيدنا يقيناً، وهذا – فيما أعتقد – هي من البشارات التي قال الله فيها عن أوليائه: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}(يونس: من الآية64) البشارات تأتي – أحياناً – بشكل طمأنة لك في أعمالك أنها أعمال صحيحة، وأنها أعمال مستقيمة، وأنها الأعمال التي تتطلبها المشكلة, ويتطلبها الزمن, ويتطلبها الواقع.

أليس الإنسان يرتاح إذا اكتشف أنه مصيب، إذا اكتشف نفسه أنه محق؟ الإنسان يرتاح، كما يتألم إذا اكتشف نفسه أنه أخطأ، مع أن الأخطاء في مجال الأعمال الدينية أشد خطورة من الأخطاء في مجال أعمال الدنيا، عندما تكتشف نفسك أنك [بذرت الذُرَةَ] قبل وقتها فقدمتها للطير، أليس الإنسان يتألم أنه يخطئ، أو أنك قطفت [قاتك] وليس السوق مربحاً، أليس الإنسان يتأسف؟ فإذا ما صادف أن أحدنا قطف [قاته] وصادف سوقاً مربحاً, وحصل على مبالغ كبيرة أليس يفرح؟.

في أعمال الدين، في الأعمال التي هي لله رضى أنت تنطلق فيها على أساس رضى الله سبحانه وتعالى, أن تحظى برضاه, تفرح كثيراً عندما ترى بأن عملك صواباً, وأن تحركك في موقعه, وفي وقته {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}(يونس: من الآية58) وقال أيضاً: {آلم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ}(الروم: 1- 5) هو يتحدث عن المؤمنين بأنهم يفرحون متى ما حققوا شيئاً فيه لله رضى، ويفرحون متى ما اكتشفوا أنفسهم أنهم يسيرون على طريق هي طريق الله، ويفرحون عندما يكتشفون أنفسهم أنهم استطاعوا أن يضربوا أعداء الله، هكذا المؤمنون يفرحون.

إذا كنت لا تفرح بأي إنجازٍ تعمله من الأعمال الصالحة، وأنت في ميدان المواجهة مع أعداء الله فإن ذلك يعني أن العمل الذي تتحرك فيه ليس ذو أهمية لديك فنتائجه ليست مهمة بالشكل الذي يجعلك تفرح وترتاح {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله} {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}. الشيء السيئ هو أن يكتشف الناس أنفسهم كل فترة أنهم فعلاً قصروا، وأنهم فعلاً فاتتهم الفرصة، وأنهم فعلاً أخطأوا، وأنهم.. وأنهم.

أن يعيش الناس أعمارهم حسرات هذا هو الشيء الذي ينافي الإيمان، هذا هو الشيء الذي هو من نتائج الإهمال والتقصير، هو الشيء الذي يجنيه المقصرون, واللائباليون [آبو هاه, والله إن كان.. لو كان.. لو كان.. لو كان] ألم يعرض الله عبارة: (لو كان) هي عبارة حسرة وندم، يقولها المقصرون؟ {لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ}(البقرة: من الآية167) {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الزمر: من الآية58) لو.. لو.. هي تكررت كثيراً في القرآن، منطق من؟. منطق المقصرين، لكن من يعملون, ويتجهون في سبيل الله بأعمالهم هم حتى ولو افترض الأمر أنهم أخطأوا في موقف معين، أو في يوم معين، أو في حركة معينة فإنهم أيضاً من سيستفيدون من أخطائهم، لكن أولئك المقصرين هم عادة لا يستفيدون من أخطائهم؛ لأن المقصر هو من يضيع الفرص، ((وإضاعة الفرصة غصة)) كما قال الإمام علي (عليه السلام)، ((والفرصة تمر مر السحاب)) كما قال هو أيضاً.

المهملون, المتخاذلون, المقصرون هم عادة يفوتهم أن يتداركوا تقصيرهم في كثير من الحالات، لكن من هم ينطلقون في الأعمال سيكتشفون أنهم أصابوا فيفرحوا، وقد يكتشفون أنهم أخطأوا في موقف معين, أو في قرار معين, هم أيضاً من سيستفيدون من خطأهم، ما هي أسبابه؟ منشأوه؟ نتائجه؟ فيصححون وضعيتهم من جديد، يستفيدون من أخطائهم.. وهكذا المؤمنون يستفيدون حتى أيضاً من أعدائهم.

من عظمة الإسلام أنك عندما تتحرك له تجد كل شيء يخدمك حتى أعداؤك. لماذا؟ لأنك عندما يكون موقفك حق، ومنطقك حق، أوليس موقف الحق, ومنطق الحق هو الذي ينسجم مع فطرة الإنسان وكرامته؟ الطرف الآخر الذي هو عدوك هو بالطبع عدو مبطل، كل ما يأتي من جانبه باطل، وكل ما يقوله ضدك هو بالطبع يكون باطلاً، وكل موقف أو تحرك من جانبه يحصل ضدك هو أيضاً باطل، من كل باطله تستطيع أن تغذي حركتك, تستطيع أن تزيد مَن حولك بصيرةً؛ لتقول لهم: انظروا ماذا يعملون، انظروا ماذا قالوا: وكيف تؤدي أعمالهم، أو تؤدي أقوالهم إلى نتائج هكذا.

منطق القرآن الكريم أليس على هذا النحو؟ أليس هو في سورة [التوبة] مَن أوضحَ لنا باطل أهل الكتاب؛ ليزيدنا بصيرة من خلال فهمنا لواقعهم، وما هم عليه من باطل، وكيف ستكون نتائج باطلهم فيما إذا سادوا في هذه الدنيا، وفيما إذا استحكمت قبضتهم على أي أمة أو مجتمع، فيزداد الناس بصيرة.

وإذا كنت تنطلق في ميادين العمل أنت أيضاً من ستعرف المتغيرات، وتعرف الأحداث، وتعرف الأمور فتلمس فيها كل ما يعتبر فرصة لك لتعمل, لتتحرك, لتقول.. لكن من يتخاذلون لا يستفيدون من عدوٍ، بل لا يستفيدون من هدى الله، وتمر الأحداث, والمتغيرات, وتَدَاوُل الأيام فلا يفهمون شيئاً، لا يعرف أن هذا الحدث كان في صالحه لو كان من العاملين، وأنه لو كان هناك حركة لاستطاعت أن تستغل هذا الحدث فيكون استغلاله هو ما يخدم أهدافها، وما يعزز من قوتها.

لهذا تجد المتخاذل عمره متخاذل، تمر أربعون سنة وهو على وضعية واحدة، والدنيا أمامه مقفلة؛ لأنه ساكت؛ لأنه جامد؛ لأنه معرض بذهنيته، فمتى يمكن أن يعرف أن هذه الحركة أو هذا الحدث أو هذا الأمر الطارئ هو مما سيكون أيضاً من العون لأهل الحق في ضرب أهل الباطل، لا يفهم شيئاً من هذا.

إذاً فأمام كل حدث وهو ما أقول دائماً وأكرر: المؤمنون هم من قال الله عنهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173) زادهم إيماناً، وكلمة: زادهم إيماناً تعني الكثير من صور الحدث التي تعزز الإيمان في نفسك… قد يكون ذلك الحدث الذي يخوفك به الآخرون هو ما زادك إيماناً من جهة أنك اكتشفت أن تحركك, وأن عملك كان في محله، أوليس هذا من زيادة الإيمان؟ فتكون واثقاً من نفسك, وواثقاً من عملك.

تزداد إيماناً أيضاً عندما تعرف أن عدوك تحرك، لماذا تحرك؟ هو أنه أصبح ينظر إليك أنك أصبحت رقماً كبيراً، وأنك أصبحت تشكل خطراً بالغاً عليه، أوليس هذا هو ما يسعد الإنسان المؤمن أن يعلم من نفسه أن عمله له أثره البالغ في نفوس الأعداء؟ فعندما يتحرك الآخرون ضدك فاعرف أن عملك كان أيضاً عملاً له أثره الكبير، وأن تحركك في مواجهة أعداء الله يُحسب له ألف حساب، سيكون ذلك من جانبهم شهادة لك بأن موقفك حق؛ لأن عملك ضدهم هو منطلق من ماذا؟ من حق أليس كذلك؟ أي أن هذا الحق حرك الباطل هناك، فلو كان موقفي باطلاً لكان منسجماً مع ذلك الباطل، أليس كذلك؟ لأن الحق ضد للباطل، والباطل ضد للحق لا ينسجمان.

ولهذا كان يقول الإمام الخميني (رحمة الله عليه): ((نفخر أن يكون أعداؤنا كأمريكا، وهذا مما يزيدنا بصيرة)). وكان يقول – بمعنى عبارته – ((لو أنني رأيت أمريكا تنظر إليّ كصديق لشككت في نفسي)).

إذاً فصحت موقفك – وأنت تتحرك على أساس من الحق – يشهد له تحرك أعدائك ضدك، أليس هذا مما يزيد الإنسان إيماناً؟.

ومن جانب آخر الإنسان وهو في ميدان العمل يكون مطلوب منه أن يزداد ثقة بالله والتجاء إليه، وتوكلاً عليه، واعتماداً عليه، أليس هذا هو ما يوصي الله به أولياءه, والمجاهدين في سبيله في القرآن الكريم؟ {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}(آل عمران: من الآية122). أنت إذا لم تكن في مواجهة عدو يشكل خطورة عليك سيكون التجاؤك إلى الله ضعيفاً أو عادياً، لكن وأنت تُواجَه من هنا، وتواجَه من هنا، وأنت بإيمانك القوي بالله سبحانه وتعالى ماذا سيحصل؟.

ستزداد اعتماداً على الله، وتقوى ثقتك بالله، وتكون أكثر شعوراً بالحاجة الماسة إلى الالتجاء إلى الله، أوليس هذا من زيادة الإيمان؟ حينئذٍ ستكون ممن يؤهل نفسه لأن يكون الله معه؛ ولهذا قال: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} ما هذه عبارة التجاء إلى الله؟ نحن من الله، وفي سبيل الله، وإلى الله، وولينا هو الله إذاً الله سيكفينا، {حَسْبُنَا اللَّهُ} يعني هو كافينا،{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أليست هذه عبارة توحي بعمقٍ في الإيمان؟

{فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}(آل عمران:173- 174).

لاحظوا، قالوا: حسبنا الله وازدادوا إيماناً. وبالطبع الإنسان الذي يزداد إيمانه أليس هو من يزداد ثباتاً واستقامة في مواقفه؟ لا تتصور أن زيادة إيمانك تكون نتيجتها أن يضعف موقفك، وأن تهتز قدماك في الموقع الذي أنت فيه أبداً، لا تضعف نفسية الإنسان، ولا يرتجف فؤاده، ولا تزِّل قدماه، ولا يفقد الاستقامة إلا إذا ضعف إيمانه، فأنت إذا ما ارتبكت أمام الأحداث فإنك أيضاً من تُهيئ نفسك لأن تبتعد عن الله فيبتعد الله عنك.

فأنت حينئذٍ من يساعد عدوه على نفسه؛ لأنه إذا ما ابتعد الناس عن الله فإنهم يضعفون وبالتالي فهم من يهيئون أنفسهم لقمة سائغة لأعدائهم، لكن من يزداد إيمانهم في مواجهة الأحداث هو من يؤهل أنفسهم لأن يكون الله معه، ومتى كان الله معك هو من يجعلك تنقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسك سوء واتبعوا رضوان الله.

هكذا يوجهنا القرآن الكريم.. القرآن الكريم هو كتاب الله سبحانه وتعالى هو الذي وجه التوجيهات العجيبة التي لا مجال للضعف معها، ولا مجال للخوف معها، يسد عليك منافذ الخوف، يسد عليك منافذ الضعف.

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من ملزمة خطر دخول أمريكا اليمن

‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ 3/2/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا