نتنياهو وغالانت “مجرما حرب” في قفص الاتهام الدولي
||صحافة||
لم يكن يوم أمس الخميس بالنسبة إلى الكيان الصهيوني ومؤسساته الأمنية والعسكرية والسياسية والإعلامية كسائر الأيام التي اعتاد عليها هذا الكيان، من إن يكون فوق مبادئ القانون الدولي وأسسه ومنظماته منذ تكريسه في المنطقة في العام 1948 بقرار دولي اتخذ من داخل أحدى هذه المؤسسات، ما شكّل سابقة في تاريخ النظام السياسي الحديث.
لقد شكّل أصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق يوآف غالانت، سابقة هي الأولى من نوعها، في محاولة لتقييد هذا الكيان واخضاعه لمبادئ الشريعة الدولية، ما دفع نتنياهو لوصف هذا اليوم بـ”اليوم الأسود”، ليس فقط داخل هذا الكيان اللقيط والمصطنع، بل في تاريخ شعوب العالم وفقًا لوصفه، فما هي تداعيات هذا القرار، وكيف ستنعكس على صورة الكيان داخليًا ودوليًا؟.
القرار الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية، يوم أمس الخميس، والذي بات تاريخًا مشؤمًا بالنسبة إلى الكيان وقادته، أرجعته لما وصفه نص بيان المحكمة “لأسباب منطقية”؛ بأنّ غالانت ونتنياهو ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، أدت لاستشهاد ما يزيد عن ٤٤ ألف شخص، مضيفة إن جرائم الحرب المنسوبة إليهما تشمل استخدام التجويع سلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية، والمتمثلة بالقتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية.
هذا ما قد يوجد تداعيات سلبية على مختلف الأصعدة، ربما لم تكن في حسابات الكيان بهذا التوقيت السياسي؛ وهي على الشكل الآتي :
- أولًا من الناحية التنفيذية والتطبيقية؛ الكيان “الإسرائيلي” ليس عضوًا في نظام روما المؤسس للمحكمة، والذي دخل حيز التنفيذ في العام 2002م، ويرفض التعاون معها، ويرفض حتى أساس الدعوى التي رفعت ضده. وهو ما يجعل القرار ينصب في مسارين: المسار الأول لن يكون له أي أثر داخل الكيان، ولا يوجد صيغة ملزمة لحكومته لتسليم المتهمين للمحكمة كونها ليست عضوة فيها. أما المسار الثاني؛ الدول الموقعة على المعاهدة هي ملزمة بتطبيق الحكم الصادر على المتهمين في حال الزيارة أو استخدام أجوائها أو مجالها البري أو البحري للتنقل، سيما أن المحكمة عاجزة لكونها لا تمتلك قوة تنفيذية خاصة بها لإلقاء القبض على المتهمين، لذلك هي مضطرة للاعتماد على تعاون ١٢٣ دولة موقعة على ميثاق المحكمة لتوقيفهما. وهذ ما سيخضع للضغوط الأمريكية التي ستمارس على هذه الدول لعدم تطبيق قرار المحكمة أو تجميده أو ممارسة الضغوط فيما بعد للتراجع عن هذا الحكم.
- ثانيًا؛ يشكّل القرار صفعة مؤلمة وموجعة للكيان من الناحية السياسية على مختلف الأصعدة، كونه يوجه اتهامًا لأبرز شخصية ومكانة في نظامه السياسي، ما يعني اتهامًا لكل “إسرائيل” بمؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، المعارضة والموالاة، اليسار واليمين….إلخ.
كما أن هذا الاتهام لنتنياهو سيجعل الدول الإقليمية، والتي دخلت مسار التطبيع أو التي تنتظر ذلك، غير مرتاحة وربما تتراجع عن قرارها في حال بقاء نتنياهو في السلطة، لأن ذلك يعني مشاركة هذه الدول وقبولها العلني بجرائم نتنياهو ما سيؤثر على علاقتها بشعوبها. أما الصعيد الثالث؛ فهو الصعيد الدولي الذي يتمثل في “لي” ذراع واشنطن، لأول مرة، من المنظمات الدولية وعدم خضوعها للضغوط والإملاءات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية لحماية هذا الكيان، والتي كان آخرها تلويح إدارة بايدن، في منتصف نيسان الماضي، بفرض عقوبات شديدة على المحكمة في حال اتخاذها لهذا القرار، والتي ستترجم على ما يبدو في اليوم الأول لتسلم المرشح الجمهوري الفائز بالانتخابات “دونالد ترامب مقاليد الحكم، وفقًا لما توعد به مستشاره للأمن القومي “مايكل والتز” عندما قال: “توقعوا ردًا قويًا في كانون الاول/يناير المقبل على تحيز الجنائية الدولية المعادي للسامية”. وهذا بعد توجيه حملة اتهامات للمدعي العام الأساسي للمحكمة “كريم خان” للانتقام منه.
في السياق ذاته؛ من أبرز تداعيات هذا القرار السياسية ستتمثل في إجبار الكثير من الدول الغربية، ولاسيما الأوروبية منها، لمنع تصدير الأسلحة لهذا الكيان وربما تصل ببعض الدول لوقف التعامل التجاري معه، ما يوسع دائرة العزلة الدولية عليه، ولا سيما بعد مسارعة العديد من الدول الأوروبية ومنظمات حقوقية دولية للترحيب بصدور القرار والدعوة لتطبيقه، في مقدمتهم وزراء خارجية هولندا “كاسبر فيلد كامب” وإيرلندا ” مايكل مارتن” والسويد “ماريا جارد” والنرويج ” إسبن أيدي” والإيطالي “أنطونيو تاياني” و “بيترا دي سوتر” نائبة رئيس الوزراء البلجيكي، إلى جانب منظمة “هيومن رايتس ووتش”، والتي أكدث في بيانها إن: “مذكرات الاعتقال فنّدت التصور بوجود أشخاص فوق القانون”. ولعل ذلك ما دفع نتنياهو لوصف هذا القرار، في مؤتمر صحفي، بأنه “مخزٍ ومعادٍ للسامية” ساعيًا إلى أنه قام بدور المنقذ للكيان والعالم، بينما وصفه غالانت بأنه: “يشكّل سابقة خطيرة، ويشجع الإرهاب القاتل”، وفقًا لزعمه.
ثالثًا؛ من الناحية الإعلامية. إذ التأكيد بعد صدور هذا القرار باتت صورة ومكانة وتأثير هذا الكيان على المحك، ولاسيما أمام الرأي العام الداخلي الذي فشل نتنياهو، بالبرغم من مرور أكثر من عام وشهر على بدء العدوان على غزة وتوسيع دائرة النار باتجاه لبنان، من استمرار توحيد الشارع الاستيطاني والسياسي “الإسرائيلي”. ولعل صدور هذه المذكرات تزامنت مع فشل تحقيق أهداف العدوان “الإسرائيلي” على غزة ولبنان، وتزامنت أيضًا مع قضية تسريب المعلومات من مكتب رئيس الحكومة “الإسرائيلي”. وهذا ما قد يزيد من غضب المستوطنين الذين أصبحوا في موقف الدفاع عن أنفسهم أمام دول العالم عن جدوى كل هذه الاعتداءات، فضلًا عن اتساع مخاوف القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة الحاليين والسابقين من تعرضهم لمحاكمات مشابهة خلال المرحلة المقبلة. بالفعل؛ هذا ما عكسته صحيفة “هآرتس” بقولها: “المحكمة الدولية أصدرت مذكرة اعتقال بحق أقوى شخصية حليفة لواشنطن؛ فما يمنعها من إصدار المزيد من المذكرات”.
أما على المستويين الإقليمي والدولي؛ فهذه المذكرات ستجعل صورة ومكانة هذا الكيان أكثر تراجعًا وخاصة لدى شعوب المنطقة التي سعت “تل أبيب” إلى إقناعهم، خلال العقود السابقة، بجدوى “السلام المذل”. كما أن صدور هذا القرار سيدفع المزيد من الدول لدعم قضية جنوب أفريقيا، ويشجع الكثير من المنظمات الحقوقية لتحريك قضايا وملفات ضد الكيان ومسؤوليه، وربما سيكون هذا القرار بمثابة الفتيل الذي يشعل الشارع الأوروبي والأمريكي مجددًا بعد تبيان مدى الإرهاب والتطرف الذي يمارسه الكيان وقادته.
عمومًا، صحيح أن هذا القرار هو قرار نوعي وسابقة في تاريخ الصراع ضد الكيان، إلا إن هناك مجموعة من المؤشرات التي تؤكد أنه لن يتعدى الإطار الشكلي بسبب الدور الأمريكي المحتمل لعدم قيام الدول بتطبيقه، أو حتى بنقل نتنياهو بوسائل أمريكية، أو لأسباب أخرى. إلا إن حجم التصريحات الصهيونية المنزعجة من صدور مثل هذا القرار تعكس أن الكيان لم يعد فوق القانون، وما تمكّنت المقاومة من إنجازه، سواء في التصدي للمشروع الصهيوني عسكريًا أم من خلال تفنيد ادعاءاته ومزاعمه الإعلامية، أجبرت الفواعل الدولية لتضيق الخناق وتشديد العزلة على هذا الكيان.
العهد الاخباري: محمد نادر العمري