مشروع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة وطوفان الأقصى

موقع أنصار الله . أنس القاضي

تمثل الحرب الراهنة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والغرب من جبهة، وبين المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة من جهة أخرى، نقلة نوعية جديدة، في مسار الصراع بين حركة التحرر الوطنية العربية مع نظام الاستعمار الغربي القديم والاحتلال الصهيوني.

يعتمد الاستعمار الغربي على الكيان الصهيوني في المنطقة للإبقاء على النفوذ الغربي، تسعى دولة الاحتلال اليوم وعلى وقع صعود قوى المقاومة في المنطقة، إلى تجديد وظيفتها الإقليمية كرأس حربة للاستعمار الغربي، وذلك من خلال تعزيز وجودها الأمني والسياسي في المنطقة وتوسيع نطاق السيطرة الجغرافية، خاصة في المواقع الاستراتيجية كالموانئ والممرات البرية والبحرية في البحر الأحمر والخليج الفارسي والبحر المتوسط.

استراتيجية إسرائيل اليوم هي تجديد للاستراتيجية القديمة ذاتها وتتمحور حول لعب دور أمني قوي يخدم المصالح الأمريكية والغربية، وأن تكون “دولة” محورية في المنطقة وقطباً، مدعومة ببرنامج تكنولوجي وعسكري متقدم يجعلها ركيزة غربية في مواجهة قوى التحرر الوطنية العربية والإسلامية، وفي مواجهة القوى الإقليمية والدولية المعارضة للنفوذ الغربي كروسيا والصين وإيران. وترى إسرائيل اليوم ان تحقيق هذا الأمر ممكن، وذلك بعد عقود من الحروب الأمريكية الصهيونية والتدخلات باسم “مكافحة الإرهاب والاستبداد” التي دمرت دول المنطقة وأضعفتها وأشغلتها بحروب أهلية وأزمات اقتصادية داخلية.

في هذا السياق الهادف إلى جعل إسرائيل قطباً في المنطقة، يأتي الدور الإماراتي إذ تسعى الإمارات لتعزيز استثماراتها في موانئ حيفا والمناطق الاقتصادية الاستراتيجية، حيث تسهم في خدمة مشروع “طريق الهند-حيفا”، وتهدف إلى دعم التحالفات الغربية وضمان دورها كشريك إقليمي اقتصادي وسياسي عبر مبادرات “الإبراهيمية” وغيرها، والتي تخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية.

التهديد الصهيوني الناتج عن هذا المشروع الإمبريالي التوسعي يتمثل في محاربة حركة التحرر الوطنية العربية والإفريقية والإيرانية عموماً من انجاز مهامها الملحة وتحقيق الاستقلال الوطني غير المنقوص، وكذلك في منع الدول المحيطة بفلسطين المحتلة من التحول لقوى إقليمية مؤثرة، وهي ما أطلق عليها سابقاً “دول الطوق” وتشمل سوريا ومصر والأردن ولبنان، وباستثناء لبنان وسوريا فإن الأردن ومصر محيده من الصراع. إلا أن دول وقوى مقاومة جديدة كاليمن والعراق وايران اتت جزءً من المعسكر المعادي للصهيونية.

يرتبط المشروع الصهيوني الإسرائيلي بالمشروع الغربي الإمبريالي بروابط وثيقة، لها علاقة في الأطماع المشتركة بثروات المنطقة وموقعها الاستراتيجي، وما يقتضيه ذلك من ضرورة التهجير والإبادة والتخريب لشعوب ودول المنطقة ومحاربة القوى الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية المناهضة للاستعمار والاحتلال.

تقاسم الفوائد

التعاون الوثيق بين إسرائيل والغرب يهدف إلى تعزيز السيطرة الاقتصادية والعسكرية في المنطقة التي أسموها بـ”الشرق الأوسط”، حيث تمثل إسرائيل قطباً رئيسياً في المشاريع التي تخدم الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، مثل الحد من نفوذ روسيا في أوروبا وآسيا الوسطى ومنع صعود الصين الاقتصادي عبر مشاريع الحزام والطريق، ومقاومة التحولات الدولية والميل التاريخي نحو ظهور نظام عالمي جديد قائم على التعدد القطبي.

تتقاسم إسرائيل والغرب الفوائد من حيث الهيمنة على طرق التجارة وممرات الطاقة، والسيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة، ودعم أنظمة سياسية واقتصادية تتبع النموذج الغربي وتخدم الأهداف الأمريكية.

ولهذا تعطي الولايات المتحدة الضوء الأخر للكيان في احتلال الأرض الفلسطينية، والكيان يركز على الضفة الغربية باعتبارها أرض مملكتي يهودا والسامرة المزعومة لدوافع عقائدية أكثر من اهتمامه بغزة التي يأتي الاهتمام بها لدواعي أمنية، لهذا فإن الاستيطان مستمر في الضفة، ومع مجيء ولاية ترامب السابقة يسعى الصهاينة إلى ضم الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة وهي السياسة التي عبر عنها بوضوح وزير الحرب الصهيوني “كاتس”.

طوفان الأقصى والمشروع الصهيوني

العدو الصهيوني وقبل توسعة نفوذه في المنطقة عموماً هو بحاجة إلى تصفية المقاومة، وهي مسألة مهمة، من جل المضي بعملية التطبيع التي هي في جوهرها عملية بسط النفوذ الصهيوني في المنطقة العربي، وتحقيق مشروع “إسرائيل العظمى” المهيمنة في المنطقة.

تقف المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، سداً أمام هذه المخططات، فقد أوقفت بشكل كبير مشاريع الهيمنة الإقليمية التي سعى العدو الإسرائيلي لتحقيقها عبر ما يُعرف بالإبراهيمية السياسية التي بدأت بتطبيع الإمارات والبحرين والمغرب، وكانت آفاقها مفتوحة لتضم إليها السعودية، ودول إسلامية أخرى تنتظر المبادرة السعودية لتلحق بالركب.

عملية طوفان الأقصى البطولية التي وقعت في السابع من أكتوبر المجيد من العام الماضي 2023م وضعت حداً لهذه الاتفاقيات الإبراهيمية، وأثرت بعمق في المنطقة، حيث أصبح قطاع غزة بمثابة قلعة غير خاضعة للسيطرة الغربية تشكل تهديداً استراتيجياً للنظام الإقليمي الذي يسعى الصهاينة والأمريكان إلى تحقيقه.

هذا التمدد السياسي الأمني الاقتصادي عبر اتفاقيات التطبيع، كان سيعزز موقع إسرائيل كقوة إقليمية تدعم المشاريع الغربية الاستراتيجية، التي هندس لها ونظر لها كل من بريجينسكي، و برنارد لويس.

 

قد يعجبك ايضا