إنما قوام الدين العامة من الناس

 

موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |

وأنت تتحرك في هذا الميدان كما يتحرك الآخرون في الميدان الثقافي. لا تربط مشاعرك أبدا بالكبار، لا يكن همك أن يدخل هؤلاء الكبار، ولو بواسطة أن نقدم تنازلات لهم، أن نسلمهم زمام أمورنا، أن نمجدهم، أن نشجعهم، أن نُنَخِطَهُمْ بعباراتنا، نفرح – في هذا الوقت – ونفرح، ونفرح، هذا هو الخلل الكبير؛ لأن من دخل بإملاءات وشروط هو ذلك الذي يريد أن تكون حركة الناس على وفق ما يريد وبالشكل الذي يراعي مشاعره ومصالحه.
أما أولئك الصغار من الناس الذين هم صغار في نظر الآخرين، هم من ينطلقون وليس لديهم قائمة من المصالح المادية والمعنوية، يريدون أن يسخروا هذا العمل الثقافي، أو الاجتماعي، أو الجهادي، لمصالحهم.

الصغار تكون عادة نفوسهم طاهرة أكثر من الكبار، صغار الناس – إن صح التعبير – أي الناس العاديون عوام الناس، وهذه هي كانت نظرة الإمام علي (عليه السلام) كان يقول: ((وإنما قوام الدين العامة من الناس)) كان يقول لـ[مالك الأشتر] – وانظروها في عهد الإمام علي لمالك الأشتر في [نهج البلاغة] – : ((فليكن صغوك إليهم.. وليكن.. كذا)) يوجهه لأن يهتم بالعامة من الناس، لا تشغل نفسك بأولئك الكبار.

لاحظنا أخطاء حصلت في الماضي في عملنا الثقافي، وكم سمعنا من زملائنا من محاولات – بحسن نية – قد توقعنا في أخطاء أيضا، ورأينا الآخرين هم يتحركون باسم الدين يغلطون أيضا وهم يحاولون أن يسكتوا عن هذه من أجل أن نكسب فلاناً، ونتمشى مع هذا من أجل أن نكسبه، ومن أجل نكسب هذا الحزب، ونكسب هذا الشيخ، ونكسب هذا الشخص، هم ما عرفوا أنهم في الأخير إنما سخروا هذا الدين الذي يتحركون باسمه لأولئك الكبار.
تحرك في أوساط الناس الذين لا يريدون منك أن تسخر دينك لهم، ليس لديهم قائمة من المصالح المادية والمعنوية، لا يستجيبون إلا بقدر ما يكون عملك – كيفما كان – في مصالحهم، هؤلاء هم الذين سينصرون الإسلام. الإسلام يريد نوعية من هذه، هؤلاء من سيستجيبون لله استجابة كاملة؛ لأنهم ليس لديهم المشاعر التي يمكن أن تجعلهم مستكبرين.
{وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}(السجدة: من الآية15). ليس لديهم ما يحملهم على الاستكبار، هؤلاء هم القريبون جدا، هؤلاء هم من كانوا أنصار الأنبياء والأئمة، وكل أولياء الله في كل زمان، وراجعوا القرآن الكريم {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}(الأعراف: من الآية75).

تجد أن نوحا في الأخير الذي لبث في قومه تسعمائة وخمسين عاما شكا من أولئك الكبار {وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً}(نوح: من الآية21) كان أولئك الناس مرتبطين بكبارهم، والكبار عادة تكون لديهم قائمة طويلة عريضة من الأشياء في نفوسهم، لا يريدون أن يستجيبوا، وإن عرفوا الحق ولا يدعون الآخرين من أتباعهم أن ينطلقوا في الاستجابة للحق؛ لأنهم كما يقال في زماننا هذا: [سيأخذون أصحابك]، يتواصلون فيما بينهم الملأ هنا والملأ هناك: [انتبه اشتد في مواجهة هذا وإلا سيأخذ عليك أصحابك]. هي من ذلك اليوم قديمة هذه قديمة من ذلك الزمان.
عندما ربط الصغار أنفسهم بالكبار ألم يضلوا؟ وتسعمائة وخمسين سنة لم يهتد فيها إلا القليل القليل {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}(هود: من الآية40)، وسعتهم [سفينة] ووسعت أيضا حيوانات أخرى من كل جنس، بعد تسعمائة وخمسين سنة، إن تلك الآيات تقول لنا: لا تربطوا أنفسكم أبداً بالمستكبرين، أو بمن يتوقع أن يكون لديهم قائمة في نفوسهم طويلة عريضة، وسيستكبرون إذا ما وجدوا أن الاستجابة ستؤثر على مضمون تلك القائمة الطويلة العريضة في نفوسهم من المصالح المادية والمعنوية.

ضلت أمة لأنها ارتبطت بكبار من هذا النوع، لكن كبيراً ينزل معي، وندخل سويا في هذا الدين الذي هو دين للكبير والصغير، والواجب فيه على الكبير والصغير, لنكن فيه كبارا أمام الله جميعا عندما نكون من أوليائه يكرمنا، بل نرى أنفسنا صغارا أمام عظمة الله جميعا. ونرى داخل هذا الدين أيضا عزتنا والحفاظ على كرامة بعضنا بعض، والحفاظ أيضا على المقامات حتى المقامات المعنوية والاجتماعية للبعض الآخر.

متى ما دخلت معنا هنا بدون إملاءات، وسلمت نفسك لله، وانطلقت كانطلاقتنا حينئذ ستحظى باحترام كبير من جانبنا، لكن أما أن يكون كبرك هو الذي يدفعك إلى أن تحول بيننا وبين الاهتداء كما حال أولئك الملأ بين قوم نوح وبين الاهتداء على مدى تسعمائة وخمسين سنة، حتى قيل إنه كان يوصي الرجل منهم أولاده بعد عمر طويل مائتين سنة، أو أربعمائة سنة، يوصي أولاده أن لا يستجيبوا لنوح، يكبر أولاده فيوصوا أولادهم قبيل الموت أن لا يستمعوا لنوح؛ لأنه بقي زمانا طويلا معهم.

لا تربط نفسك بكبار من هؤلاء ولا تربط عملك الثقافي بكبار من هؤلاء، ولا تربط عملك الجهادي بكبار من هذا النوع، ليشترك الكبار والصغار ويدخلوا سويا من هذا الباب، ومتى ما دخلنا سويا من هذا الباب فنحن من سيقدر بعضنا بعضا أكثر تقديراً مما يتطلبه أولئك الكبار منا، وهو التقدير الذي يريدون أن نضحي بديننا في مقابله، نقول ستحظون بتقديرنا وسنحظى جميعا بتقدير بعضنا بعض وإجلال بعضنا بعض إلى درجة الأخوة الإيمانية هل هناك أرقى منها؟.
الأخوة الإيمانية هي أرقى درجات الولاء، احترام متبادل، تقدير متبادل، بذل للمعروف متبادل، نصيحة، تواصي، أخوة تصافي، تآلف للقلوب.

خطير جداً أن يعشعش في ذهنك وأنت تطمع في هذا العمل أن يكبر، أو في ذلك العمل الثقافي أن يكبر، فتحرص على أن يدخل هذا الكبير، وهذا الكبير، وتدخل هذا الحزب وتظم هذا الحزب إليك، أو تنظم إلى هذا الحزب من أجل أن توسع هذا العمل.. خطير جداً.
[سورة عبس] من تأملها سيدرك الخطورة البالغة، ألم تأت آيات عتاباً للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ لأنه بحرصه على الهداية وبحرصه على أن يسلم أكبر عدد ممكن من الناس ليهتدوا ليس ليضمهم إلى مقامه أنه يريد أن يتزعم أو أن هذا هو همه، إنما لينجوا من عذاب الله، ليهتدوا بهذا الدين العظيم فيسعدون في الدنيا والآخرة، حريص على الأمة.

عندما اجتمع مع ملأ من أولئك وتوجه إليهم بكل مشاعره حريص على أن يسلموا، جاء ذلك الأعمى، فكأنه رأى أنه جاء في غير الوقت المناسب، قطع الموضوع، فكأنه حصل لديه نوع ما من التقزز والاستياء أنه جاء في غير الوقت المناسب قطع عليه حديثه، وجعل أولئك يأنفون من مجيئه، وينفرون من أن يروا هذا الأعمى عنده، تأتي هذه الآيات: {عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} (عبس1 – 5).
لأن المهم هو: أن تجد الرجل الذي تنفعه الذكرى، هذا هو المهم. هنا: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}.
فليكن عملك في هذا الوسط مع هذه النوعية، ولو شخصا واحدا، سيكون مكسبا كبيراً من هذه النوعية. {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا} (عبس(:5 – 11) كلا: إنزجر عن هذا الأسلوب، وهو من قال الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4) وهو من انطلق بحرصه الشديد على هداية الناس؛ لأن الخطورة بالغة.

هؤلاء الذين يرون أنفسهم إذا ما دخلوا دخلوا من فوق، وبشروط وإملاءات، هم من سيكونون عقبة دائمة في ميدان العمل، هم من سيجعلونك تصنف كلامك مع الناس، كما نجده لدى الكثير، فخطاب مع الكبار يقدم نسبة من الدين فقط إليهم التي لا تثير مشاعرهم، ويتخاطب مع عامة الناس خطابا شديداً ولهجة قاسية، فينطلق على المنبر يخاطب أولئك المساكين بلهجة قاسية فيحذرهم من جهنم وكلام من هذا، ويخاطب أولئك الكبار الذين قد حرص على أن يضمهم إلى جانبه – كما يتصور – خطاباً لطيفا رقيقا لا يثير مشاعرهم، فسيكون خطابك للناس منوعا ومشكلا، والدين هو واحد، وليكن منطقه واحدا أمام الناس جميعا.

وهكذا كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ينطلق في مسجده ويتحدث مع الناس سويا بعبارات واحدة وكلاما واحدا يوجه للجميع، لكن انظر إلى علماء آخرين ممن يؤمنون بشرعية هذا، حكم هذا ممن يؤمنون بضرورة أن يتمشى مع هذا، كيف تجد خطابه هنا يختلف عن خطابه مع الآخرين، كيف يقدم الدين مشكل ومنوع على حسب أمزجة هؤلاء الكبار، وعندما نسمع في هذه الآية: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} كأنها تقول لنا: ليكن اتجاهكم إلى أولئك الناس الذين أنتم لا تتوقعون أن في أنفسهم ما يدفعهم إلى الاستكبار، فهم من سيبنون صرح الأمة لبنات، كل شخص منهم قابل أن يكون لبنة في هذا الصرح.
لكن ذلك هو لا يقبل إلا أن يكون اللبنة العليا، قبل أن يكون هناك لبنات تريد أن تضعه لا يرضى، لا يقبل، لا يقبل، لا يقبل أن يكون ضمن اللبنات الأولى، دعه هناك لبنة بمفرده، ليبتني صرح الأمة من اللبنات التي تقبل.

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده الدرس الثالث عشر
‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ 5/2/2002 م
اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا