تأمينُ الكيان الصهيوني وإمدادات النفط واحتلال الجُزُر اليمنية وباب المندب (1:2)
موقع أنصار الله ||مقالات ||بقلم / عبدالله بن عامر
أَدَّى دخولُ الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية لترجيح كفة الحلفاء في الوقت الذي كانت نتائجُ هذه الحرب الكَونية تقاسم للنفوذ والثروات بين القوى المنتصرة، فكان نصيب الأسد للولايات المتحدة الأميركية التي أَصْبَـحت الوريث لأي انحسارٍ للإمبراطورية البريطانية، سيما في الشرق الأوسط، حيث تقاسمت الدولتان ثروات المنطقة، بحيث أَصْبَـح النفط السعودي والكويتي لواشنطن والإيراني والعراقي لبريطانيا وتم تقاسُمُ المصالح والنفوذ في بقية الدول والمناطق.
وبدأت الولايات المتحدة بصياغة اسْتراتيجيات لها تهدفُ إلى بسط النفوذ والهيمنة على مناطقَ متفرقةٍ من العالم وأبرز هذه المناطق الشرق الأوسط وتحديداً الخليج والبحر الأحمر.
واسْتراتيجية الولايات المتحدة تجاه منطقة البحر الأحمر تتمثل بكونها مناطقَ وجزراً اسْتراتيجية ممتدة بين شرق البحر المتوسط وغرب المحيط الهادي وحتى الخليج العربي وأن بلدانه تمتد بين قارات ثلاث وتحوي على 56% من مخزون النفط العالمي وكون البحر الأحمر يمثّلُ أقصرَ الطرق للمواصلات التجارية والعسكرية.
وأمام الانْسحَاب البريطاني من بعض المناطق كانت الولايات المتحدة هي البديلَ المتفق عليه، ولأسباب متعددة فقد اتجهت البحرية الأميركية إلى تعزيز قوتها العسكرية ومضاعَفة حضورها في مختلف البحار والمحيطات تحت مبرراتٍ مختلفة أغلبها اقْتصَادية، حيث تنظر واشنطن إلى أهمية البحر الأحمر والدول المطلة عليه؛ كونه شريان التجارة العالمي ومنه تعبر السفن العملاقة حاملة مختلف المواد أبرزها البترولية؛ ولهذا كانت منطقة باب المندب وجزر البحر الأحمر واليمنية منها تحديداً ضمن الاسْتراتيجية الأميركية.
وعملت واشنطن على تطبيق أساليب وطرائق مختلفة في تنفيذ سياسة الاحتواء، وكان أبرز السياسات الأميركية لكسب واحتواء الدول عقد الاتِّفَاقيات وإقامة علاقات مع الدول المطلة على البحر الأحمر، وكانت واشنطن ترى إلى أن المنطقة غنية بالنفط، ونقصد هنا شبه الجزيرة العربية والخليج والبحر الأحمر، حيث بدأت واشنطن بالتواصل مع اليمن وعقْد اتِّفَاق تجاري في يوليو 1946م.
الاسْتراتيجيةُ الأميركيةُ في باب المندب:
تتمثل الاسْتراتيجية الأميركية التي وضعتها رئاسة الأركان للجيش الأميركي في أغسطس 1948م بشأن منطقة شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر بجُزُره ومضائقه في عدم السماح لأية دولة أَوْ قوة معادية بأن توجد لها موطئ قدم في هذه المناطق مع تعزيز العلاقات الودية مع دول المنطقة من خلال المساعدات الاقْتصَادية والاجْتمَاعية والعسكرية لضمان التعاون معها في الدفاع عن المنطقة عن طريق حرية وصول القوات الأمريكية في وقت الحرب.
وقد أعلن وزير الدفاع الأميركي حينئذ عن تحسين الوضع الاسْتراتيجي للولايات المتحدة في حالة الحرب في الجزر اليمنية وغيرها، إذ أمكن تطوير الوسائل التي يمكن بواسطتها الدفاع عن مصالحها بإدارة العمليات الجوية من قاعدة الظهران.
مما سبق يتأكد للجميع أن الاهتمامَ الأميركي بالمنطقة ليس وليد اللحظة بل يعود إلى مرحلة تعاظم النفوذ الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية وهي الفترة التي شهدت انْسحَاب بريطانيا، غير أن واشنطن ومن منطلق اقْتصَادي بحت رأت ضرورة إبقاء المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية وهو ما يتضح مِن خلال ما وضعته الإدارات الأمريكية المتعاقبة من اسْتراتيجيات بشأن المنطقة.
ومن خلال قراءة تلك الاحداث فإن اليمن -ونقصد هنا الجزء الشمالي منه- كان ضمن الأَهْدَاف الأمريكية، حيث عقدت عدد من الشركات الأمريكية عقوداً للتنقيب عن النفط في الساحل الغربي والبحر الأحمر وكذلك في مناطق متعددة في اليمن.
شركاتٌ أميركيةٌ للتنقيب عن النفط في الساحل اليمني:
على ما يبدو أن الأمريكيين كانت لديهم معلومات عن وجود ثروات نفطية كبيرة في اليمن، الأمر الذي دفع بشركاتهم إلى التسابق للحصول على امتيازات للتنقيب في أَكْثَـر من منطقة منها المياه الإقْليْمية اليمنية في البحر الأحمر، غير أن المثيرَ أن أغلبَ الشركات الأميركية لم تفصح عن نتائج تنقيبها عن النفط في أغلب المناطق اليمنية.
وقد حصلت شركة جون ميكوم الأميركية 1961م على ترخيص والبحث عن النفط اليمني مدة خمس سنوات يتحول بعدها إلى عقد اتِّفَاقية استثمارية مدتها ثلاثون سنه قابلة للتجديد لفترة مماثلة، وذلك إذا اكتشف النفط بكميات تجارية ويغطي هذا الامتياز مساحة 10 آلاف كم مربع من السهل الساحلي ويمتد من أقصى الشمال حتى مدينة المخاء جنوباً وبعرض قدره 60ميلاً وذلك في اليابسة و12ميلاً في المنطقة المائية، وقد باشرت الشركة أعمالها الجيولوجية والجيوفيزيائية وحفر 5 آبار استكشافية.
وكان الاهتمام الأميركي باليمن ينبع من مرتكزين أساسيين: الأول الموقع الجغرافي المهم لليمن، سيما البحري كمضيق باب المندب والجزر في البحر الأحمر المشرفة على ممرات الملاحة الدولية وكذلك قرب اليمن من أكبر منابع النفط في العالم.. والثاني يتمثل في المعلومات التي لدى الأمريكيين بشأن الثروات في اليمن.
وكان الرئيسُ الأميركي نيكسون يوليو 1969م قد أعلن عن مبدأه في التمسك بالمراكز التي حصلت عليها الولايات المتحدة في منطقة البحر الأحمر ومن ضمنها الجزر اليمنية وباب المندب.
وكان من ضمن أَهْدَاف واشنطن في التواجد بالمنطقة توفير سلامة الملاحة الدولية ووضعها تحت نفوذها خشية وصول الاتحاد السوفياتي إليها، حيث ترى واشنطن أن إغلاق الملاحة الدولية سيكلفها أثماناً باهظة في قيمة النقل البحري، كما ستتحمل جزءً كبيراً من عبء تلك التكاليف دول صديقة لها في أوروبا وآسيا وأفريقيا، الأمر الذي لا ترتضيه لنفسها؛ لأنه سيدفع معظمَ تلك الدول لمشاركتها في التحكم في شؤون الملاحة البحرية الدولية لتلك الجزر من جهة وسيؤدي إلى المطالبة بأحقية الاتِّفَاق مع دولها للتنقيب ن النفط والمعادن في الجزر من جهة أُخْـرَى…يتبع.