غزة تنتصر والعدو ينتظر التداعيات الكارثية لهزيمته
|| صحافة ||
ليست المرة الأولى التي تجري فيها صفقة تبادل بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، وليست المرة الأولى التي تذهب فيها الحرب بين الطرفين إلى تسوية سياسية وأمنية، فمسار المواجهة ضد الاحتلال طويل ومفتوح وقديم، قِدَم احتلال الكيان الصهيوني للأرض وللمقدسات العربية، ولكنْ لطوفان الأقصى بُعد آخر مختلف بكامل المقاييس، وتداعيات هذه المواجهة الاستثنائية سوف تبقى للتاريخ، علامة ساطعة في سجل المقاومة، ونقطة سوداء في تاريخ الاحتلال.
الكثير من المآسي والجرائم عاشتها غزة وشعبها خلال العدوان الأخير عليها، والذي امتد ثقيلاً، ظالمًا، قاتلاً ومدمرًا لسنة وثلاثة أشهر، ولكن يبقى للمشهد الأخير بالأمس عند تسليم حماس ثلاث أسيرات “إسرائيليات” للعدو عبر الصليب الأحمر الدولي، مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق التبادل وإنهاء العدوان بين المقاومة الفلسطينية وبين هذا العدو، معنى آخر، فيه من العنفوان والنصر والثقة والثبات والقوة، ما يمكن أن يختصر مسار المواجهة حتى الانتصار ضد حرب الإبادة.
أولاً: من الناحية العسكرية، يمكن فهم وتقييم نتائج العدوان على غزة انتصارًا ساطعًا لأبنائها على حرب الإبادة التي شنها العدو “الإسرائيلي” ضدهم، حيث الثبات سنة وثلاثة أشهر بمواجهة حصار خانق، وأمام آلة حربية “إسرائيلية” – غربية ضخمة ومتطورة، جمعت اكثر تقنيات أسلحة الجو والاستعلام والذكاء الاصطناعي، بأيدٍ قاتلة ومجرمة، لم تقِم أي اعتبار للقوانين الدولية والإنسانية وقوانين الحرب، فصبت حقدها على الأطفال والنساء والشيوخ، ولاحقتهم في الجوامع ودور العبادة وفي المدارس ومراكز الإيواء وفي المستشفيات والأعيان الإنسانية والصحية، والنتيجة، ثبات وصمود وانتصار للمقاومة بوجه هذه الآلة الجهنمية، دون تحقيق أي هدف عسكري من أهداف العدوان.
ثانيًا: في هذا الانتصار التاريخي للمقاومة، كان هناك دور أساسي وفاصل لجبهات الإسناد اليمنية والعراقية واللبنانية، يمكن الإضاءة عليه تحت عناوين ثلاثة، معنوية، وعسكرية، وإستراتيجية وفق النحو الآتي:
معنوياً: لم يكن الفلسطينيون في هذه المواجهة وحدهم، فقد دعمتهم أطراف ودول قوية، قدمت التضحيات الضخمة في سبيل إسنادهم حتى الرمق الأخير وانتصار المقاومة في غزة، رغم الضغوط والتهديدات والاستهدافات التي تعرضوا لها دون تراجع.
عسكرياً: كان لدخول جبهات الإسناد في الحرب مباشرة ضد العدو “الإسرائيلي”، دور مهم وفاصل في إضعاف قدرات هذا العدو وإشغالها عن التركيز بكامل إمكانياتها على غزة، في الدفاع الجوي وفي الوحدات البرية التي أصابت منها الخسائر الضخمة مقتلاً، وفي الاستعلام الذي أعطى نسبة كبيرة من طاقاته لمتابعة ومراقبة جبهات الإسناد، وفي التأثيرات السلبية الضخمة في جبهة الكيان الداخلية، والتي شكلت ضغطاً كبيراً على قيادتيه العسكرية والسياسية، لمصلحة ثبات وتوازن المقاومة في غزة.
إستراتيجياً: شكلت تأثيرات جبهات الإسناد ضغطاً عالميًا واسعًا على الكيان، سبب أحد أهم دوافع قبوله بالتسوية التي جاءت بمنزلة هزيمة، وباعتراف أغلب مكونات الكيان وخاصة المتشددين، والذين انسحبوا من حكومة نتنياهو، معلنين بذلك دق أول إسفين على طريق انهيار منظومة الحكم الحالي داخل الكيان، كما كان ضغط جبهات الإسناد حافزًا مهمًا ومحركًا فاصلًا لاتخاذ الإدارة الأميركية، الحالية والمرتقبة، قراراً حاسماً في إجبار نتنياهو على إكمال الصفقة رغمًا عنه.
وأخيرًا، ومع إمكانية أن يحمل الاتفاق بعض الثغرات التي قد تدفع بالكيان إلى التملص منه، وخاصة بعد تحرير الأخير لجميع أسراه وقبل تنفيذ الالتزامات المتعلقة بإعمار غزة وبإغاثة أبنائها كما يجب، يبقى الحذر واجباً تجاه الغدر “الإسرائيلي” والذي لا يمكن استبعاده نظرًا للكثير من السوابق في تاريخ الاحتلال.
العهد الاخباري: شارل أبي نادر