كيف يكون الشكل الحقيقي للدولة
يعيش اليمن ردحاً من الزمن خارج الشكل الحقيقي للدولة بمفهومها الحقيقي ولو في أبسط اشكاله , فمفهوم الدولة الصلبة أو الحقيقية تختلف كثيراً عن الشكل النمطي المرسوم في ذهنية البسطاء من الناس , ذلك ليس لعيب فيهم أو غباء ولكن نتيجة لسياسات متعاقبة مارستها قيادات إلكنتونات المتلبسة في شكل الدولة , لتصور للكثير بأن الدولة هي عبارة عن قصر كبير وفاره للرئيس , وجموع هائلة من الجند للدفاع عن ذلك القصر من الاعداء(الفقراء) , وإعلام يتحدث عن منجزات صاحب الفخامة أو صاحب السمو ويختتم بثه الرسمي بأغنية وطنية لا تخلو من مشاهد لجنود مكافحة الشغب وهراواتهم السوداء المفتولة , و"أعلام" ملونة ترفع على جثث الضحايا أو أنقاض الأكواخ القديمة المدمرة , ومجموعة من السجون الموزعة على كل أجزاء التراب الوطني كرمزية على سيادة الدولة الممتدة على كل شبر في الوطن , ودليل على اللامركزية في الحكم , ومجموعة من السجانين للقيام بأعمال التعذيب الأولية والمستعجلة لكل المواطنين «الخونة» قبل ارسالهم إلى الزنازن المركزية التي تمثل رأس همر الدولة ومنتهى عنفوانها , ليبدع السجانون في تعليمهم دروس الوطنية الممزوجة برائحة الدماء.
هذه صورة جانبية ذات بُعدٍ واحد لصورة الدولة التي طبعها الحاكم وإعلامه في ذهنية المواطن المسكين ولو بالقوة ومن أجل هذا الشكل الخادع للدولة يطلب منه أن يسبح بحمد صاحب النهضة وباني الدولة ومحقق المنجزات ليلاً ونهاراً على كل هذه المنجزات وفي مقدمتها هذه الدولة القوية , والتي في واقعها ليست إلا مجسم كرتوني كاذب تحاول العصابة الاختفاء خلفه دون جدوى .
لن نتحدث عن شكل الدولة الحقيقية التي لم يعد اليمن قريب عهدٍ بها , فمن خلال معرفتنا بأن كل ما تقدم ليس إلا صورة خادعةً للدولة , وليس له أي علاقة بالشكل الحقيقي لها , نعرف أن الدولة الحقيقية مغايرة تماماً لهذا الشكل المقزز والمحزن في نفس الوقت , وأن الواقع الذي نعيشه ليس إلا واقع صنعته العصابة , تلك العصابة التي تضم مجموعة من قطاع الطرق , وتجار الأوطان , ومحترفي الفيد , وسفهاء الرأي , وأصحاب العاهات والعقد المستديمة , والمنحلين الذين يملكون آلة قمعية لقتل وسلب الناس يسمونها كذباً جيش وآمن للدولة , وماكنة ضخمة يديرها مجموعة من المسوخ الذين يحترفون الكذب ويعيشون عليه كمهنة ومصدر للاسترزاق ويسمونه كذباً إعلام الدولة, وأموال طائلة يجمعونها من عرق وأملاك الكادحين والمستضعفين ومن ثمن بيع الأرض والعرض .
والخلاصة أن نفي النفي اثبات وبما أن هذا ليس شكل الدولة الحقيقي , فإن شكل الدولة الحقيقية بكل تأكيد هو شكل مشرق لا يتسع هذا المقال لوصفه .