أطفال غزة المبتورون: الوجه الفظيع لجريمة حرب الإبادة

موقع أنصار الله . تقرير | يحيى الشامي

 

في غزة، وإن اختفى صوت الانفجارات إلا أن أصوات المذابح وصيحات ضحايا المجازر باقية، وسيسمع صراخها الأجيال، من بينها أصوات الأطفال مبتوري الأطراف. صراخ صامت هذه المرة، يتردد صداه في الأجساد الغضة المبتورة، في الأطراف الصغيرة التي اقتُلعت من جذورها بوحشيةٍ القنابل الأمريكية بأنواعها، المُمطرَة على غزة لخمسة عشر شهراً، في واحدة من أفظع حروب الإبادة الجماعية التي شهدها التاريخ الحديث، والأطفال فيها أكثر شريحة حُمِّلت عنوة وعن عمدٍ أبهظ أثمانها.

تكشفُ وزارةُ الصحةُ في غزة عن هولٍ جديد من أهوال الخمسة عشر شهراً بعد أن دققت في الكشوفات وفي أسرّةِ المشافي وبقايا المراكز الصحية والكراسي المتحرّكة، تكشفُ -حتى نهاية العام الماضي- عن 800 طفلٍ على الأقل بُترت أطرافهم، هؤلاء الأطفال يمثلون 18% من إجمالي حالات البتر المسجلة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي نسبةٌ صادمة ومهولة وتنذر بجراح مستقبلية ينوءُ بها جيل كامل في غزة، ويحملها أوسمة لا تُنسى يستحيل على حامليها التغاضي عنها، لتذكرهم بواجب الثأر ومظلومية الشعب الفلسطيني المخذول، سيما أن غالبية المصابين من الأطفال فقدوا أهاليهم أو بعضاً منهم.

أطفال بلا أطراف

يجد هذا العدد الكبير والصادم من أطفال غزة أنفسهم بعد 15 شهرًا من العدوان أسرى الكراسي المتحركة، أو متكئين على عكازاتٍ أثقل من أعمارهم. لعلها أبرز صور الإبادة القاتمة وأفظع تجلياتها، والتي لا تشمل لعناتها الحلف الصهيوني وحسب، بل تشمل ما يُسمى المجتمع الدولي، بما يجعلها فعلاً وصمة عارٍ على جبين الإنسانية.

في تفاصيل المشهد المؤلم شهادات الأطباء الذين تطوعوا في العمل بغزة، يتحدثون عن نظامٍ صحيٍّ مُنهار، عن مستشفياتٍ تحولت إلى مقابر جماعية، عن نقصٍ حادٍ في الأدوية والمعدات الطبية، وانعدام لكثير من المستلزمات الأولية والمعدّات الأساسية، وعن أطفالٍ يموتون ببطءٍ أمام أعينهم. الدكتور فيروز سيدهوا، الذي شهد بأم عينه معاناة أطفال غزة، يُطلق صرخة استغاثةٍ للعالم: “2500 طفلٍ يواجهون خطر الموت الوشيك… بعضهم يموت الآن…”. يروي قصة طفلٍ صغيرٍ أصيب بحروقٍ في ذراعه، ورغم شفائه من الحروق، إلا أن النسيج المتندب يُعيق تدفق الدم، مُهددًا ببتر ذراعه.

الدكتورة عائشة خان، طبيبة الطوارئ، تروي قصصًا أخرى تفطر القلب. تتحدث عن طفلتين صغيرتين مبتورتي الأطراف، تتقاسمان كرسيًا متحركًا واحدًا، بعد أن فقدتا والدهما في نفس الهجوم الذي بتر أطرافهما، خالتهما، التي ترضع طفلها، هي الآن مُقدمة الرعاية الوحيدة لهما، وتُواجه خيارًا مستحيلاً: إما أن تُنقذ ابنتي أختها، أو أن تبقى مع طفلها الرضيع وتتركهما وحدهما تواجهان مصيرًا مجهولاً.

 

 الإجلاء الطبي حبل نجاةٍ مُقيّد

 

الإجلاء الطبي هو الأمل الوحيد لهؤلاء الأطفال، لكنه أملٌ مُقيّدٌ بقيودٍ أمنيةٍ يحيكها يومياً الإسرائيلي، ويمددها لتشمل شروطاً ومعايير مميتة وتزيد من إمكانات واحتمالات الوفاة، وفق إجراءاتٍ بيروقراطيةٍ معقدة، رغم مطالبة السلطات في غزة ومعهم المنظمات والأطباء بعمليةٍ مركزيةٍ واضحةٍ للإجلاء، لكن نداءاتهم تضيع في صدى التجاهل الدولي. الدكتور ثائر أحمد يُؤكد أن اتفاقية وقف إطلاق النار كان يجب أن تتضمن آليةً واضحةً للإجلاء الطبي، لكن هذه الآلية لم ترَ النور بعد، رغم مرور أكثر من شهر عليها.

تتعقد الأمور أكثر فأكثر بسبب القيود المفروضة على سفر الأطفال مع أكثر من مُقدّم رعاية واحد، وبسبب الخوف من عدم السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، وهو خوف مبرر وتزيد أسبابه مع كثافة الحديث عن تهجير غزة ومخططات إفراغ القطاع من أهله، هذه القيود تُحوّل الإجلاء الطبي من حقٍ أساسيٍّ إلى امتيازٍ يُمنح بشق الأنفس، ووفقاً لمعايير “إسرائيلية” لا إنسانية!.

نداءات لا تُسمع واستغاثات لا تصل

بين وحشية  الإسرائيلي وصمت المجتمع الدولي وتواطؤه، تتفاقم مأساة أطفال غزة، وتنذر بالأسوأ. قبل حوالي شهر أطلق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، نداءً عاجلاً ودعا إلى الإجلاء الفوري للأطفال، وأعرب عن صدمته وألمه البالغ بعد اجتماعه وسماعه لعدد من الأطباء الأمريكيين الذين تطوعوا في العمل بغزة، كما طالب بإجلاء 2500 طفل من قطاع غزة على الفور لتلقي العلاج، وهو رقم لحالات مؤكدة عبر تقارير طبية حذرت من إمكانية وفاتهم خلال أسابيع إن لم يتمكنوا من السفر والعلاج خارج قطاع غزة. ومع أن الرقم كبير إلا أنه في الواقع يعد جزءاً من أصل 25 ألف مريض يتوجب علاجهم في الخارج وفق التقارير الرسمية.

ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الذي مضى عليه أكثر من شهر، إلا أن  الإسرائيلي يمنع إدخال مساعدات طبية قد تسهم في التخفيف عن المصابين، كما يفرض قيودا وتعقيدات على إخراج المصابين، والأخطر هنا هو خشية الغزيين، ممن يُسمح لهم بالسفر، من عدم السماح لهم بالعودة.

قد يعجبك ايضا