رمضان .. شهر عظيم البركات وفيه ليلة القدر ببركتها الكبيرة
موقع انصار الله | القول السديد |
سنقوم بالتأمل في هذا الخطاب، الذي رواه الإمام عليٌّ “عليه السلام”، ونقف مع بعضٍ من فقراته؛ للحديث على ضوئها:
عن أمير المؤمنين عليٍّ “عليه السلام” قال: خطب رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” في آخر جمعةٍ من شهر شعبان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أيُّها الناس: إنَّه قد أظلكم شهرٌ، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر).
نجد أنَّ رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” افتتح خطابه في الحديث عن شهر رمضان المبارك بالحديث عن ليلة القدر، شهر رمضان بكله: من أول لحظةٍ فيه، إلى آخر لحظة، شهرٌ عظيم البركات، وفيه من الله تأتي الكثير من الخيرات، ولكن فيه أيضاً ليلةٌ- في داخل شهر رمضان المبارك، من لياليه المباركة- ليلةٌ لها هذه الخصوصية، ولها هذه الأهمية، ولها هذه البركة الكبيرة جداً، ليلة وصفها الله بأنها مباركة، ليلةٌ {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: من الآية3]، ليلةٌ عظيمة البركة، وكبيرة الأهمية، إلى هذه الدرجة: فهي {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، هذا يفيد على مضاعفة الأجر الكبير فيها، يضاعف الأجر على الأعمال في تلك الليلة، إلى هذا المستوى من الأضعاف الكثيرة: إذا قمت في تلك الليلة، فكأنك قمت ألف شهر، كأنك قمت ليالي ألف شهر.
بركة ليلة القدر
أيضاً بركتها فيما يكتب الله فيها، وليلة القدر هي ليلة تقدير الأمور، ليلة يكتب الله فيها لعباده ويكتب عليهم ما يتعلق بتدبير شؤون حياتهم على مدى العام الكامل، ما بعد ذلك على مدى عام، سنة كاملة، فسميت بليلة القدر؛ لأنها ليلة يقدِّر الله فيها الأمور لعباده، يدبِّر فيها شؤون عباده، على مستوى التفاصيل المتعلقة بشؤون حياتهم، على مستوى أرزاقهم، وآجالهم، ومختلف شؤون حياتهم وفق التدبير الإلهي.
فإذا كان الإنسان مقبلاً في هذا الشهر المبارك، وأتت تلك الليلة، والإنسان في حالة إقبالٍ إلى الله “سبحانه وتعالى”، والتجاءٍ إلى الله “سبحانه وتعالى”، وفي حالة طاعةٍ واستقامةٍ وتقوى؛ هذا يعطي الإنسان الفرصة أن يكتب الله له الخير العظيم في دينه ودنياه؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” فيما يكتبه لعباده، وفيما يكتبه عليهم، لأعمالهم، لتصرفاتهم دورٌ كبيرٌ في ذلك: في طبيعة ما يكتب إما لهم، وإما عليهم، فإذا كانوا في حالةٍ من الاستقامة، في حالةٍ من الصلاح، من الطاعة لله “سبحانه وتعالى”، من الاستجابة لله “جلَّ شأنه”، من التقوى، فالوعود في القرآن الكريم وعود واضحة لعباد الله المؤمنين، المتقين، المنيبين، التوَّابين، المستقيمين، وعود عظيمة، وعود بالبركة، وعود بالخير، في شؤون دينهم ودنياهم، في أنفسهم، وفي واقع حياتهم، وعود مفصَّلة في القرآن في آيات كثيرة.
عندما تأتي إلى الحديث عن المتقين، وعن ثمرة التقوى، الله “جلَّ شأنه” يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: 2-3]، يقول “جلَّ شأنه”: {مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}[الطلاق: من الآية4]، ألا نريد من الله اليسر في حياتنا في مواجهة كل الصعوبات؟ كم يعاني الكثير منا من صعوبات كثيرة في حياته؟ كم يعاني الإنسان من تحديات، من ظروف، من مؤثرات… من أشياء كثيرة؟ كم نحن بحاجةٍ إلى الله “سبحانه وتعالى”، فيما نحتاج إليه في واقع أنفسنا، في داخل أنفسنا: من هداية، من تزكية، من توفيق، من شرحٍ للصدر، من عونٍ حتى في الواقع المعنوي والنفسي، احتياجنا كبير إلى الله “سبحانه وتعالى” في الجوانب المعنوية، وفي الجوانب المادية، وفي طبيعة وظروف هذه الحياة فيما نواجهه فيها.
فالإقبال إلى الله “سبحانه وتعالى” في هذا الشهر القادم المبارك (في شهر رمضان المبارك)، يهيِّئ الإنسان عندما تأتي ليلة القدر أن يكون محط رعايةٍ من الله وقبول وتوفيق، وأن يحظى بأن يكتب الله له، فيما يكتبه، وفيما يقدِّره، وفيما يدبِّره، الخير الكثير من فضله الواسع، ومن كرمه العظيم، وهذه مسألة مهمة لكلٍّ منا، كلٌّ منا بحاجة إلى ذلك، كلٌّ منا بحاجة إلى ذلك.
ليلة تتصل بتدبير الله
هذا جانب من جوانب ليلة القدر: في مضاعفة الأجر، فيما يُكتَب ويُقدَّر ويُدبَّر، قال الله عنها: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: الآية4]، ضمن التدبير الإلهي، وهذا على المستوى الشخصي للإنسان كشخص، أنت فيما يتعلق بك شخصياً، أو حتى على المستوى الجماعي: للأمة كأمة، لشعبٍ كشعب، لكل من يجمعهم توجهٌ واحد، موقفٌ واحد، قضيةٌ واحدة، مسيرةٌ واحدة، يشملهم ذلك، عندما يكونوا أمةً تتعاون على البر والتقوى، تجتمع كلمتها على الاعتصام بحبل الله جميعاً، تتحرك فيما يرضي الله “سبحانه وتعالى”، تسعى للاستقامة على منهج الله العظيم، تسعى للتقوى، ولتحقيق التقوى، ولترسيخ التقوى؛ فهي كأمة يكتب الله لها النصر، والظفر، والخير، والسعة في الأرزاق، واليسر في الأحوال، إلى غير ذلك مما يكتبه الله “سبحانه وتعالى”.
نزل فيها القرآن
ليلة القدر، من عظمة هذه الليلة، ومن أهم ما يتعلق بهذه الليلة المباركة: أنها ليلة نزول القرآن الكريم، هذه النعمة العظيمة جداً، التي لم يعرف الناس قدرها، نعمةٌ عظيمة، هي مفتاح كل النعم، نعمةٌ أنعم الله بها علينا، القرآن الكريم ذكر الله في عدة آيات: منها في سورة القدر، قال “جلَّ شأنه”: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[القدر: الآية1]، {أَنْزَلْنَاهُ}، القرآن الكريم أنزله الله “سبحانه وتعالى” من عنده، هو هديه، هو نوره، هو وحيه، هو كلماته، آياته، هديه لعباده، أنزله في ليلة القدر.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}[القدر: الآية2]، هذا تعظيمٌ من شأنها، أنها ليلةٌ عظيمةٌ جداً، لدرجة أنَّ عظمتها تفوق كل تقديرك، أنت لا تقدِّر، لا تستطيع أن يكون في حسبانك وفي تخيلك مستوى عظمة هذه الليلة، عظيمةٌ جداً فوق تخيلك، فوق تقديرك، فهي عظيمةٌ عظيمةٌ عظيمةٌ، وعظمتها تشمل أشياء كثيرة جداً، مثلما قلنا: فيما يكتب الله فيها، وفيما ينزِّله من البركات، وفي مضاعفة الأعمال… وفي أشياء كثيرة.
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}[القدر: 4-5]، فهي ليلة تتصل بالتدبير الإلهي، بتدبير الله “سبحانه وتعالى”، فيما يدبِّره، فيما يقدِّره، فيما “جلَّ شأنه” يقرره في شؤون عباده وفي تدبير أمورهم، {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ}.
ونلحظ أيضاً في آيةٍ أخرى عندما قال “سبحانه وتعالى”: {إِنَّا}، يعني: الله “سبحانه وتعالى” ذو العظمة والجلال والإكرام، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان: 3-4].
لا يمكن التحايل على الله
قال أيضاً عن شهر رمضان؛ لأن ليلة القدر هي في شهر رمضان، كما سمعنا في الحديث، ونجد التأكيد على النزول في ليلة القدر، ثم نجد قول الله “سبحانه وتعالى” في كتابه الكريم: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}[البقرة: من الآية185]، فإذاً شهر رمضان فيه هذه الليلة المباركة العظيمة، ولا يمكن للإنسان أن يبني على التحيل، ويقدِّر إنه شاطر وذكي، يقول: [أنا باأهمل كل شهر رمضان، وبا أحاول ارجع اصطاد تيه الليلة وبس]، إذا أردت أن تظفر بليلة القدر، لا بدَّ لك من الاهتمام بهذا الشهر، هذه مسألة مهمة جداً، لا بدَّ لك من الاهتمام بهذا الشهر من بدايته إلى نهايته، لو اتجهت إلى أن تتحيل، وأن تهمل، يدخل شهر رمضان وأنت ذلك المهمل، المقصِّر، المفرِّط، اللاهي، الساهي، الغافل، ثم يمر الكثير منه، تأتي العشر الأواخر وتظن في نفسك أنك ستهتم فيها فحسب، أو في بعض الليالي منها، التي عادةً ما يأتي التركيز عليها، فقد لا تتوفق، قد لا تهتم بالشكل المطلوب، قد لا تكون على المستوى الذهني والنفسي والإيماني قد ارتقيت وتهيأت، لأن تكون محط هذه العناية الإلهية الكبيرة جداً.
كلمة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي في لقاء موسع تهيئة لشهر رمضان المبارك 1442هـ