صِنْاعَةُ المَجْدِ فِي زَمَنِ الوَهْنِ
عبد الإله عبد القادر الجنيد
ما مِنْ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ فِي هَذِهِ الأَرْضِ إِلَّا وَتَسْعَى لِأَنْ تَكُونَ مِنْ خَيْرِ الأُمَمِ وَأَفْضَلِهَا، وَأَشَدِّ قُوَّةً وَبَأْسًا وَمَجْدًا وَعِزًّا.
وَلَا تَفْتُؤُ تَبْحَثُ عَنِ العَوَامِلِ وَالوَسَائِلِ وَالأَسْبَابِ الَّتِي تُبَلِّغُهَا إِلَى العُلْيَاءِ؛ لِتَكُونَ مَهَابَةَ الجَانِبِ، يُخْشَى مِنْ بَطْشِهَا وَغَضَبِهَا إِذَا مَا تَعَرَّضَ لَهَا الآخَرُونَ بِأَذًى، فَتُحَقِّقُ الرِّيَادَةَ بَيْنَ الأُمَمِ، وَتَنْعَمُ بِالحُرِّيَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالِاحْتِرَامِ.
وَبَيْنَمَا تُنَاضِلُ سَائِرُ الأُمَمِ لِبُلُوغِ ذَلِكَ، فَإِنَّ أُمَّتَنَا العَرَبِيَّةَ الإِسْلَامِيَّةَ حَظِيَتْ بِهَذَا الفَضْلِ العَظِيمِ مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ابْتِدَاءً؛ بِمَا اخْتَصَّهَا بِدِينِ الإِسْلَامِ، وَجَعَلَهَا أُمَّةً وَسَطًا لِيَكُونَ أَبْنَاؤُهَا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ الخَاتَمَ وَرَسُولَ اللهِ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ- عَلَيْهَا شَهِيدًا.
فَهِيَ بِهَذَا الِاخْتِصَاصِ الرَّبَّانِيِّ العَظِيمِ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ؛ لِتَأْمُرَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ، وَتُقِيمَ الحَقَّ وَالعَدْلَ فِي الأَرْضِ، بما آتَاهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنَ الإِمْكَانَاتِ وَالوَسَائِلِ الكَثِيرَةِ لِتَكُونَ المُتَحَكِّمَ وَالمُسَيْطِرَ وَالمُهَيْمِنَ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ فِي الأَرْضِ كُلِّهَا.
بَيد أنها مَعَ كُلِّ هَذَا العَطَاءِ الرَّبَّانِيِّ العَظِيمِ كَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ، وَانْحَرَفَتْ عَنْ مَسَارِهَا القُرْآنِيِّ الإِسْلَامِيِّ الصَّحِيحِ، وَتَخَلَّتْ عَنِ السِّلَاحِ الأَقْوَى وَكُلِّ أَسْبَابِ وَعَوَامِلِ القُوَّةِ وَالتَّمْكِينِ وَالغَلَبَةِ عَلَى أَعْدَائِهَا؛ لِتَتَحَوَّلَ بِإِرَادَتِهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالهَوَانِ وَالذِّلَّةِ وَالخُنُوعِ وَالِانْبِطَاحِ لِأَعْدَائِهَا، الَّذِينَ حَذَّرَ اللهُ الأُمَّةَ مِنْهُمْ، فَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، الضَّلَالِ البَعِيدِ.
وَلَقَدْ كَانَ مُقَرَّرًا وَطَبِيعِيًّا بِهَذِهِ الأُمَّةِ الِاسْتِفَادَةُ مِنْ أَنْعُمِ اللهِ عَلَيْهَا: مِنْ دِينِ الإِسْلَامِ، وَالثَّرَوَاتِ الهَائِلَةِ الَّتِي اسْتَوْدَعَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي بَاطِنِ الأَرْضِ لِصَالِحِ عِبَادِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، نَاهِيكَ عَنِ المَوْقِعِ الجُغْرَافِيِّ المُتَحَكِّمِ فِي الشَّرْقِ وَالغَرْبِ، وَالمُسَيْطِرِ عَلَى أَهَمِّ المَمَرَّاتِ البَحْرِيَّةِ وَالمَضَائِقِ الأَهَمِّ فِي العَالَمِ، الَّتِي يُعَدُّ المُتَحَكِّمُ فِيهَا هُوَ مَنْ يَمْتَلِكُ أَدَوَاتِ القُوَّةِ فِي مُوَاجَهَةِ الأَعْدَاءِ، وَفَرْضِ سِيَاسَاتِهِ عَلَيْهِمْ؛ لِإِجْبَارِهِمْ عَلَى التَّسْلِيمِ لِإِرَادَةِ الأُمَّةِ وَالِانْتِصَارِ لِقَضَايَاهَا.
وَلَمَّا لَمْ تَسْتَفِدِ الأُمَّةُ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ، تَمَكَّنَ الغَرْبُ الكَافِرُ وَالعَدُوُّ اللَّدُودُ اليَهُودِيُّ الصُّهْيُونِيُّ لِلأُمَّةِ مِنْ بَسْطِ هَيْمَنَتِهِ وَنُفُوذِهِ، وَاغْتِصَابِ الأَرْضِ، وَنَهْبِ ثَرَوَاتِ الأُمَّةِ وَمَقْدِرَاتِهَا، وَتَسْخِيرِهَا لِمُوَاجَهَةِ وَإِذْلَالِ الأُمَّةِ، وَبَسْطِ نُفُوذِهِ عَلَى المَمَرَّاتِ وَالمَضَائِقِ البَحْرِيَّةِ وَالتَّحَكُّمِ فِيهَا؛ لِخِدْمَةِ مَشَارِيعِهِ الِاسْتِعْمَارِيَّةِ لِبُلْدَانِ الأُمَّةِ وَالعَالَمِ، رَغْمَ أَنْفِ الزَّعَامَاتِ العَرَبِيَّةِ الَّتِي أَنْتَجَهَا وَأَعَدَّهَا وَأَوْصَلَهَا الغَرْبُ الكَافِرُ وَالمَاسُونِيَّةُ الصُّهْيُونِيَّةُ إِلَى سُدَّةِ الحُكْمِ؛ لِلتَّآمُرِ عَلَى الأُمَّةِ، بَدَلًا مِنَ الِانْتِصَارِ لِقَضَايَا أُمَّتِهِمْ! فَهُمُ الَّذِينَ مَا زَالُوا يُسَارِعُونَ فِيهِمْ لِنَيْلِ رِضَاهُمْ، وَجَلْبِ سَخَطِ اللهِ وَغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ.
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَيَّأَ لِلأُمَّةِ عِبَادًا لَهُ شُرَفَاءَ أَحْرَارًا، يَأْبَوْنَ الضَّيْمَ، مَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا لِعَدُوِّ اللهِ وَعَدُوِّهِمْ، فَأَعْلَنُوهَا مُقَاوَمَةً لِلعَدُوِّ الغَاصِبِ، وَجِهَادًا فِي سَبِيلِ اللهِ؛ لِتَحْرِيرِ الأَرْضِ وَالمَقْدَسَاتِ، وَاجْتِثَاثِ الغُدَّةِ السَّرْطَانِيَّةِ الَّتِي زَرَعَهَا الغَرْبُ الكَافِرُ، وَالوُقُوفِ فِي وَجْهِ الغَطْرَسَةِ الأَمْرِيكِيَّةِ.
فَأَعَزَّهُمُ اللهُ وَسَدَّدَ رَمْيَهُمْ، وَأَمَدَّهُمْ بِالنَّاصِرِ الَّذِي مَا فَتِئَ يُقَدِّمُ العَوْنَ وَالمُسَاعَدَةَ لِكُلِّ أَحْرَارِ الأُمَّةِ، وَحَرَكَاتِ المُقَاوَمَةِ وَالجِهَادِ المُقَدَّسِ فِي أَرْضِ الرِّبَاطِ فِلَسْطِينُ، قَضِيَّةِ الأُمَّةِ المَرْكَزِيَّةِ.
وَبَدَلًا مِنَ اسْتِفَادَةِ هَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءِ مِنْ حَرَكَاتِ المُقَاوَمَةِ فِي مُمَارَسَةِ الضَّغُوطِ القَوِيَّةِ عَلَى الغَرْبِ الكَافِرِ وَالكِيَانِ الغَاصِبِ، مِنْ خِلَالِ التَّلْوِيحِ بِدَعْمِ المُقَاوَمَةِ؛ لِتَحْقِيقِ تَوَازُنٍ يَخْدِمُ القَضِيَّةَ، وَيُحَسِّنُ شُرُوطَ التَّفَاوُضِ، وَيُجْبِرُ الأَعْدَاءَ عَلَى الخُضُوعِ لِإِرَادَةِ المُفَاوِضِ الفِلَسْطِينِيِّ وَالعَرَبِيِّ فِي كُلِّ القَضَايَا، وَخُصُوصًا بَعْدَ المُتَغَيِّرَاتِ الَّتِي نَجَمَتْ عَنْ طُوفَانِ الأَقْصَى الَّذِي أَرْعَبَ الأَعْدَاءَ وَأَرْهَبَهُمْ. بَيْدَ أَنَّ الزُّعَمَاءَ الحَمْقَى بِغَبَائِهِمْ وَحَمَاقَتِهِمْ وَعُبُودِيَّتِهِمْ وَتَبَعِيَّتِهِمُ العَمْيَاءَ لِلأَعْدَاءِ، وَالِانْحِيَازِ لِتَحْقِيقِ مَصْلَحَةِ الأَعْدَاءِ عَلَى حِسَابِ كَرَامَتِهِمْ وَعِزَّتِهِمْ وَمَجْدِ وَشَرَفِ أَبْنَاءِ أُمَّتِهِمْ، تَوَجَّهُوا بِعَدَائِهِمُ المُفْرِطِ لِمِحْوَرِ الجِهَادِ وَالمُقَاوَمَةِ، وَتَصْنِيفِ الأَحْرَارِ الشُّرَفَاءِ إِرْهَابِيِّينَ، فَضْلًا عَنِ اسْتِعْدَاءِ الجُمهُورِيَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ فِي إِيرَانَ، الَّتِي كَانَتِ العَوْنَ وَالسَّنَدَ وَالدَّعْمَ بِالسِّلَاحِ وَالعُتَادِ وَالتَّدْرِيبِ لِأَبْطَالِ المُقَاوَمَةِ؛ خِدْمَةً لِلعَدُوِّ المُتَرَبِّصِ بِكُلِّ أَبْنَاءِ وَبُلْدَانِ الأُمَّةِ، بِمَنْ فِيهِمْ هَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءُ الَّذِينَ سَيَتَخَلَّصُ مِنْهُمُ العَدُوُّ بَعْدَ أَنْ يُحَقِّقَ مَرَادَهُ وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُ مِنْهُمْ!
وَكَانَ الأَحْرَى بِهَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءِ الأَغْبِيَاءِ تَقْدِيمُ الدَّعْمِ وَالإِسْنَادِ لِكُلِّ حَرَكَاتِ المُقَاوَمَةِ، وَتَشْكِيلُ تَحَالُفٍ قَوِيٍّ مَعَ مِحْوَرِ المُقَاوَمَةِ وَالجِهَادِ، وَفِي مُقَدِّمَتِهِمُ الجُمهُورِيَّةُ الإِسْلَامِيَّةُ فِي إِيرَانَ، ضِدَّ أَعْدَاءِ الأُمَّةِ؛ لِتَحْقِيقِ مَصَالِحِهِمْ أَوَّلًا، وَمَصْلَحَةِ أَبْنَاءِ الأُمَّةِ، وَالِانْتِصَارِ لِمَظْلُومِيَّةِ الشَّعْبِ الفِلَسْطِينِيِّ؛ لِتَحْرِيرِ مَقْدَسَاتِ الأُمَّةِ مِنَ الِاحْتِلَالِ الصُّهْيُونِيِّ الغَاصِبِ اللَّقِيطِ.
وَاليَوْمَ، وَبَعْدَ أَنْ عَقَدَ الزُّعَمَاءُ العَرَبُ قِمَّتَهُمُ الَّتِي اتَّخَذُوا فِيهَا قَرَارَاتٍ وَتَمَنِّيَّاتٍ، يَقِفُونَ عَاجِزِينَ كُلِّيًّا عَنْ إِنْفَاذِهَا عَلَى العَدُوِّ، فَأَقْبَلُوا يَسْتَجِدُونَ العَدُوَّ لِلمُوَافَقَةِ عَلَيْهَا، فِي الوَقْتِ الَّذِي أَعْلَنَ فِيهِ العَدُوُّ الصُّهْيُونِيُّ وَمَعَهُ الأَمْرِيكِيُّ رَفْضَهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا! فَكَذَلِكَ حَالُ مَنْ يَهُنْ، يُسْهَلِ الهَوَانُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ.
وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءَ اسْتَقَوْا بِحَرَكَاتِ المُقَاوَمَةِ وَمِحْوَرِ الجِهَادِ وَالمُقَاوَمَةِ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَمَا كَانَ لِيَقِفَ الأَمْرِيكِيُّ وَمَعَهُ الغَرْبُ الكَافِرُ وَالصُّهْيُونِيُّ عَائِقًا أَمَامَ تَنْفِيذِ مُخْرَجَاتِ القِمَّةِ العَرَبِيَّةِ الَّتِي انْعَقَدَتْ مُؤَخَّرًا فِي القَاهِرَةِ، عَاصِمَةِ جُمهُورِيَّةِ مِصْرَ العَرَبِيَّةِ.
وَلَرَضَخَ الأَمْرِيكِيُّ رَغْمًا عَنْ أَنْفِهِ، خَشْيَةَ إِطْلَاقِ العِنَانِ لِحَرَكَاتِ المُقَاوَمَةِ وَالجِهَادِ، وَدَعْمِهَا وَإِسْنَادِهَا؛ لِمُوَاجَهَةِ العَدُوِّ الغَاصِبِ، وَطَرْدِهِ مُكْرَهًا مِنَ الأَرَاضِي المُغْتَصَبَةِ، وَإِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ.
فَهَلْ يُدْرِكُ الزُّعَمَاءُ العَرَبُ وَلَوْ مُؤَخَّرًا أَنَّهُمُ الْيَوْمَ بَاتُوا أَشَدَّ حَاجَةٍ لِدَعْمِ وَإِسْنَادِ مِحْوَرِ الْمُقَاوَمَةِ وَالْجِهَادِ وَحَرَكَاتِ الْمُقَاوَمَةِ؛ لِتَنْتَصِرَ الإِرَادَةُ الإِسْلَامِيَّةُ العَرَبِيَّةُ عَلَى الإِرَادَةِ الصِّهْيَوْنِيَّةِ الأَمْرِيكِيَّةِ، وَتَنْقَلِبَ الْمَعَادَلَاتُ لِصَالِحِ الأُمَّةِ؟ أَمْ أَنَّهُمْ سَيُدْسُونَ رُؤُوسَهُمْ فِي التُّرَابِ وَيَسْتَسْلِمُونَ لِلأَعْدَاءِ كَعَادَتِهِمْ، وَتَذْهَبُ الأُمَّةُ وَمُقَدَّسَاتُهَا وَقَضَايَاهَا إِلَى الجحيم؟!
وَلَوْ لَمْ ينصر الله الأمة بعلم من أعلام الهدى ويعزها به ويُحَقِّقِ مَعَادِلَةَ تَوَازُنِ الرَّدْعِ والحصار بالحصار، فيَتَصَدَّرْ —السَّيِّدُ القَائِدُ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ بَدْرِ الدِّينِ الحُوثِيُّ نَصَرَهُ اللهُ وَأَعَزَّ بِهِ الأُمَّةَ وَالدِّينَ— المَوْقِفَ العَظِيمَ وَالمُشَرِّفَ بِإِمْهَالِ العَدُوِّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لِلْعَوْدَةِ عَنْ غَيِّهِ، وَإِدْخَالِ المُسَاعَدَاتِ وَالبَضَائِعِ إِلَى غَزَّةَ، وَوَقْفِ العَدُوِّ لِجَرَائِمِهِ وَالِانسِحَابِ مِنْ غَزَّةَ، لَأَقْدَمَ العَدُوُّ عَلَى التَّهْجِيرِ القَسْرِيِّ لِأَبْنَاءِ غَزَّةَ، وَإِبَادَةِ الفِلَسْطِينِيِّينَ جِهَارًا نَهَارًا بِلا رَادِعٍ يُوقِفُهُ عِنْدَ حَدِّهِ.