الضلال والمضلون هم من ينحرفون بالناس ويهيئونهم لتقبل الباطل
موقع أنصار الله | من هدي القرآن الكريم |
حالة الضلال هي التي تهيئ الإنسان لتقبّل الباطل، لتقبّل السخافات، لتقبّل أي شيء مهما كان سيئًا جدًا؛ ولهـذا يأتي في القرآن الكريم التحذير الواسع من الضلال والمضلين، الذين ينحرفون بالناس، ويجعلونهم يتقبلون أفكاراً خاطئة، تصورات خاطئة، مفاهيم خاطئة وسخيفة، وتتحول إلى دين يتدينون به، ولهـذا عندما نتأمل في هذه المسألة، وهي مسألة مهمة؛ لأن تأثيرها في واقع البشر كبيرٌ جدًّا، فهناك فئة المضلين، الذين لهم الدور.
يعني مثلاً: الصنم الحجري، ليس هو الذي بنفسه، مثلاً بشكله قام ينطق ويتحدث، ويقنع الناس أنه إله؛ المُضِل الآخر، هناك إنسان مُضِل، هو الذي وصل بهم إلى أن يعتقدوا أن تلك القطعة من الحجر التي نحتوها، أو من الخشب، أو من الذهب، أو من أي معدنٍ آخر، أو من العجين والكعك… أو من أي شكلٍ آخر، أنها هي الإله، وأنهم عبيدٌ لها، وأن عليهم أن يتقربوا لها بكل شيء، وأن يطلبوا منها كل شيء، المُضِل، المُضِلون خطيرون جدًّا على الناس، والفئة المضلة هي فئة محدودة من الناس، لكنها تخدع الكثير، ينخدع لها الكثير من الناس، مُضل قد يضل أُمَّةً بأسرها، مُضِل واحد، فالمسألة خطيرة جدًّا.
مثلاً: في قصة الأصنام، ما الذي كان يحدث؟
- في مجتمع نبي الله إبراهيم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، كان هناك سلطة ظالمة، على رأسها طاغٍ متكبر، وصل به الطغيان إلى أن يدَّعي لنفسه الربوبية، هذه واحدة.
- ثم هناك أيضاً معه فئة نافذة في المجتمع، أصبح لها تأثير في المجتمع، وأصبح المجتمع مرتبطاً بها، وبناء على هذه الروابط تريد أن تحافظ على ذلك الوضع؛ لأنها تستغله هو في التأثير على البقية.
- هناك فئة مستفيدة على المستوى المعنوي والمادي، مثل: منتجي الأصنام، الذين يصنعونها، ويبيعونها بأثمان غالية، سعر الإله حقهم سعر غالي يعني، وإذا كان بشكل معيَّن يرفعون السعر! فئة مستفيدة.
- كهنة المعابد أيضاً، كهنة المعابد الذين هم من يستفيد مما يقدَّم من نذورات، وقرابين، ومأكولات، لتلك التي يسمونها بالآلهة… وهكذا.
تلك الفئة لأنها مستفيدة؛ تُصِرّ على ترسيخ ذلك، ثم في واقع الناس يرسخون هالة من الأساطير المعينة عنها، أنها: [فعلاً فلان قدَّم لها قرابين وشفي مريضه، وفلان قدَّم قرابين وعاد قريبه الذي كان مسافراً بسلام، وفلان كذا…]، أساطير تُحاك حولها، [وفلان لم يُقدِّم لها القرابين الجيدة فحصل له مصيبة…]، ومن هذه الأساطير، وتعُمّ الحالة، ثم تستمر- أحياناً- لأجيال، حتى تتحول من المُسَلَّمَات الراسخة، وتحاط بحساسية شديدة، تجاه مسألة الانتقاد لها، أو التشكيك بها، أو طرح تساؤل عنها، يتحول هذا إلى أمر خطير جدًّا، ومحظور للغاية، بحيث قد يتعرض الإنسان للاستهداف بشكلٍ مباشر، وهكذا تتحول الحالة العامة إلى حالة يحكمها ذلك الضلال، وذلك الباطل.
ولهذا يقول نبي الله إبراهيم: {وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[عنكبوت:25]، هذه العلاقات، والروابط، والنفوذ، والصداقات، التي تُجَذِّر مثل ذلك الباطل، وتحمي ذلك الباطل، وتقدمه محمياً.
ثم من أخطر أنواع الضلال: ما يُقدَّم ديناً، يعني: الضلال واسع: ضلال في أفكار الناس، في تصوراتهم، في مفاهيمهم، التي هي بعيدة عن الهدى، وعن قنوات الهداية ومصدر الهداية، ولكن عندما يكون هناك- مثلاً- ما هو باسم معتقدات دينية، ما هو باسم دين، وهو من الضلال، ليس من دين الله الحق، فالمسألة خطيرة جدًّا، أكثر خطورة؛ لأن الناس في مسألة التدين والالتزام الديني، ولاسيَّما البعض منهم، يعني: التدين عندهم قويٌ جدًّا، إن تدين بالباطل، كان شديداً؛ وإن تدين بالحق، كان قوي الالتزام ومتمسكاً، ما يتحول إلى معتقدات دينية، وهو من الضلال، يصبح الكثير من الذين يؤمنون به، يعتنقونه، يتقبّلونه، يقتنعون به، أكثر التزاماً وتمسكاً، وأشد تشبثاً به، ويصعب إقناعهم عن تركه، ويتعصبون له بشدة.
وهذا ما حصل في معتقدات المشركين، كانوا يتعصبون جدًّا لأصنامهم، إلى درجة أن يقاتلوا من أجلها، وأن يعادوا من يعترض على عبادتهم لها، أو ينتقد ذلك، أو يطرح علامات الاستفهام، وكانوا يخلصون إخلاصاً كبيراً فيما يقدمونه لها، يعني: إلى درجة أن البعض منهم- من شدة الإخلاص- كان يُقدِّم ابنه وفلذة كبده قرباناً لها، ويذبح ابنه عند الصنم، قرباناً إلى الصنم، ابنه، وهو عزيزٌ عليه.
المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “يحفظه الله ”
4 رمضان 1446هـ