تقليص اللاتوازن.. أفقد ’إسرائيل’ الجاهزية في مواجهة حزب الله
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || جهاد حيدر / العهد الاخباري
رفض رئيس معهد أبحاث الأمن القومي، اللواء عاموس يادلين، مقولة أن حزب الله استطاع أن يكسر التوازن مع “إسرائيل” من خلال امتلاك أنواع محددة من الصواريخ.. وشدد على أن الجيش الإسرائيلي أقوى بكثير من حزب الله، وأي شيء لن يكسر التوازن، لأنه لا يوجد توازن..
بداية ينبغي التأكيد على حقيقة أن ما أدلى به يادلين، الذي كان يتولى رئاسة الاستخبارات العسكرية، امان، وبالتالي كان عضواً في هيئة أركان الجيش (2006-2010)، صحيح. فلا أحد ينكر أو يتجاهل حقيقة تفوق جيش العدو الإسرائيلي، لجهة ما يملكه من قدرات عسكرية وتكنولوجية بالقياس إلى ما يملكه حزب الله. والموقف نفسه ينسحب أيضا على مقولة عدم وجود توازن مع حزب الله وأنه قد كسره.
بل إن من عوامل تألق انتصار حزب الله، أنه تحقق في مواجهة جيش دولة عظمى اقليمية، تحظى بدعم الدولة العظمى الاقوى في العالم على المستوى التكنولوجي والعسكري.
الحقيقة الأخرى الموازية، التي لا يستطيع يادلين إنكارها أن حزب الله راكم من القدرات النوعية والكمية، والخبرات العسكرية، ما دفع “إسرائيل” حتى الآن إلى التردد والإنكفاء عن المبادرة إلى شنّ هجمات وحروب واسعة ضد لبنان. بل نتيجة قوة الردع الإقليمية التي أرساها حزب الله، امتنعت “إسرائيل” أيضا عن المبادرة إلى اعتداءات إقليمية واسعة كانت تخطط لأن تغير من خلالها خارطة التوازنات في الشرق الأوسط.
عدم وجود توازن، وكون “إسرائيل” متفوقة على حزب الله تكنولوجيا وعسكريا، أمر مفهوم ونتيجة طبيعية لعدة اعتبارات. ولكن ذلك لا يعني أن حزب الله لم يحقق قفزات هائلة على مستوى تطور قدراته، بما يقلص من هوة الفجوة بين تفوق “إسرائيل” النوعي والكمي على المستوى الهجومي، وبين قدرات حزب الله الدفاعية والردعية.
فمقاتلو حزب الله كانوا بضعة آلاف خلال حرب العام 2006، وغدوا عشرات الالاف. وتسلّحهم العادي نسبيا، قبل الحرب، تحول إلى تجهيز يضاهي ما تمتلكه الجيوش الحديثة من اختصاصات على اختلاف أنواعها. وآلاف الصواريخ غدت فوق الـ 100 الف صاروخ بحسب تقارير العدو. ويعني ذلك، أنها تضاعفت عدة مرات. وعلى مستوى المدى، باتت المقاومة قادرة على استهداف كل نقطة في “إسرائيل”.
والانجاز النوعي في هذا التطور أنه حصل وعين تل ابيب كانت ترقب المسار التصاعدي من بعيد، ويدها مغلولة بقوة ردع المقاومة، إلى أن استفاقت وبات التداول بمصطلح حصول المقاومة على أسلحة “كاسرة للتوازن”. وفي الحقيقة هي أسلحة تقلص من فجوة اللاتوازن لمصلحة العدو.
نتج عن هذا التقليص في الهوة الفاصلة إقرار مفهوم عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي لدى صناع القرار في تل ابيب، لخوض حرب واسعة، حتى الآن، ضد حزب الله، بما يمكِّنه من تحقيق حسم وانتصار.. اللذين باتا أبعد من أي وقت مضى. وما كان هذا المفهوم ليتبلور لدى صناع القرار السياسي والعسكري لولا تسليمهم بعجز جيشهم عن استئصال قدرات حزب الله.
وهكذا يتضح أن ما رفض تسميته يادلين، بأنه كسر للتوازن هو صحيح، ولكنه أدى إلى فقدان “إسرائيل” للجاهزية على عدة مستويات. عدم جاهزية الجبهة الداخلية.. الذي يكشف بالضرورة عن إقرار بعدم امتلاك الجاهزية الاعتراضية لصواريخ حزب الله، وعن عدم الثقة بالقدرة على ردعه عن استهداف العمق الإسرائيلي (في أي مواجهة واسعة).. ويستتبع أيضاً، الإقرار بعدم امتلاك الجاهزية الكاملة على مستوى القدرات الهجومية لاستئصال قدرات حزب الله الاستراتيجية. ولو كان العنصر الأخير متوافراً، لاستغنت “إسرائيل” عن الحاجة إلى تطوير منظوماتها الاعتراضية ما دامت القدرات الهجومية ستزيل التهديد الصاروخي المفترض.
وعلى أهمية ما تمتلكه المقاومة من قدرات، وما يمكن أن تمتلكه من عناصر القوة المادية والعسكرية، إلا أن أكثر ما يثير قلق “إسرائيل” هو الإرادة الصلبة التي تتميز بها المقاومة والتي تجعل “إسرائيل” تدرك يقيناً أنها تملك الشجاعة الكاملة لاستخدام أي سلاح تمتلكه إذا تطلبت أي مواجهة ذلك، وهذا ما قد يميز المقاومة في لبنان عن كثير من سواها.
ملاحظة أخيرة، ينبغي أن تبقى حاضرة. وهي أن عدم جاهزية العدو في مواجهة حزب الله، يعني عدم جاهزية لتحقيق أهداف محدَّدة. فـ”إسرائيل” تملك فائضاً من القوة التدميرية والجاهزية للكثير من السيناريوات العسكرية. ولكنها تسلّم حتى الآن بأنها لا تملك الجاهزية لحرب تهدف إلى الانتصار الحاسم.
إلى ذلك، إن عدم توافر جاهزية بالمواصفات المؤمَّلة لا يعني، بالضرورة، عدم نشوب مواجهة واسعة. ويبدو من خلال مواقف قادة حزب الله وأدائه أنه يأخذ في الحسبان إمكانية أن يخطئ قادة العدو التقدير والحسابات، بما يؤدي إلى أن تستدرج “إسرائيل” نفسها لسيناريو مواجهة واسعة لم تكن تريدها. في المقابل، فإن تسليم صناع القرار السياسي والأمني في تل أبيب بمحدودية فعالية فائض القوة الإسرائيلية، في مواجهة حزب الله، وفّر للبنان طوال العقد الماضي مظلة حماية وردع، وأنتج وكرّس معادلات إقليمية لها مفاعيلها السياسية والردعية.