صحيفة “ذا ناشيونال إنترست”: “الولايات المتحدة لا تملك استراتيجية بحرية بالمعنى الحقيقي للكلمة”
تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة ترميم نفوذها البحري المتآكل، عبر مبادرة جديدة أطلقتها إدارة الرئيس دونالد ترامب تحت شعار “استعادة الهيمنة البحرية”. يأتي هذا التوجه في وقت تواجه فيه واشنطن تراجعًا واضحًا في قدراتها الصناعية البحرية، وتآكلًا في أسطولها التجاري، إضافة إلى ضعف في التنسيق بين مؤسساتها الحكومية. الخطوة التي وصفت بأنها عودة إلى نهج الهيمنة القديمة، تكشف عن محاولة لإحياء مشروع استراتيجي كانت الولايات المتحدة قد تبنته في فترات سابقة لتكريس حضورها العسكري والاقتصادي في البحار والمحيطات.
إلا أن المراقبين يرون أن هذا المسار يواجه صعوبات جمة، من بينها الانقسام الداخلي، والتحديات الاقتصادية، والاعتماد الكبير على الحلفاء وحتى الخصوم في مجال بناء السفن وتأمين الإمدادات.
في هذا السياق نشرت صحيفة “ذا ناشيونال إنترست” مقالا للكاتب جيمس هولمز، رئيس كرسي جيه سي وايلي للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية، يكشف فيه عن سلسلة من التحديات والتعقيدات التي تواجه القوة البحرية الأمريكية، في سياق مناقشته للأمر التنفيذي الجديد الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب لاستعادة الهيمنة البحرية.
يسلط هولمز الضوء على غياب استراتيجية بحرية متماسكة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة “لا تملك استراتيجية بحرية بالمعنى الحقيقي للكلمة”. ويوضح أن القطاع البحري يعاني من التشتت بسبب تورط العديد من الوزارات والهيئات الحكومية، مثل الدفاع والتجارة والنقل والأمن الداخلي، دون وجود سلطة مركزية لتنسيق جهودها. هذا الوضع يخلق خللًا بيروقراطيًا يعيق صياغة سياسة بحرية موحدة، وهو ما قد يثير استياء منظر القوة البحرية ألفريد ثاير ماهان.
من بين السلبيات الكبرى التي يبرزها هولمز، تراجع القدرات المادية والبشرية في القطاع البحري الأمريكي. ويؤكد أن إعادة بناء هذه القدرات أصعب من البناء من الصفر، كما كان الحال في عصر ماهان، حيث تآكلت الصناعات البحرية المحلية والقوى العاملة المتخصصة. ويحذر من أن استعادة ما فُقد تتطلب جهودًا هائلة مقارنة ببدء مشروع بحري جديد.
يُعد تراجع الأسطول التجاري الأمريكي من أبرز التحديات التي يناقشها المقال. يصف هولمز هذا الوضع بأنه “مثير للرعب”، مشيرًا إلى أن البضائع الأمريكية تُنقل الآن بشكل رئيسي على سفن أجنبية، مما يُضعف السيطرة الوطنية على التجارة البحرية. هذا الاعتماد على سفن أجنبية يهدد الأمن القومي، حيث يُقلل من القدرة على توفير الدعم اللوجستي في أوقات الحرب. ويحذر من أن “خسارة الأسطول التجاري تعني خسارة الحرب”، مما يعكس خطورة الوضع.
كما يتناول المقال تحديات تنظيمية تتعلق بحشد القطاع الخاص والتعاون الدولي. يوضح هولمز أن الحكومة الفيدرالية تفتقر إلى السلطة المباشرة على شركات بناء السفن ومصنعي المعدات الدفاعية، مما يُعقد جهود دمج القطاع الخاص في المشروع البحري. وعلى الصعيد الدولي، يشير إلى صعوبة تنسيق الجهود مع دول حليفة لتعزيز قدرات بناء السفن الأمريكية، خاصة أن هذا يتطلب دبلوماسية معقدة لضمان المنفعة المتبادلة.
ويختتم هولمز بالتأكيد على أن هذه التعقيدات تشكل “تجارب تاريخية” أمام طموح ترامب لتجديد القوة البحرية. ويحث المعنيين بالقطاع البحري على التفكير بعقلانية لمواجهة هذه التحديات، مشددًا على ضرورة معالجة الخلل البيروقراطي، وإحياء الأسطول التجاري، وإعادة بناء ثقافة بحرية وطنية لضمان نجاح المشروع.