تهـويد القدس واستهداف المسجد الأقصى.. ماذا بعـد؟
عبدالله علي صبري
تصاعدت الانتهاكات اليهودية بحق المسجد الأقصى، وبلغت ذروتها بالتزامن مع عيد الفصح الأسبوع الماضي، حيث أقدم الآلاف من المستوطنين الصهاينة على اقتحام المسجد وتدنيس حرمته تحت حماية جيش الكيان وأجهزته الأمنية.
وحققت انتهاكات هذا العام أرقامًا قياسيةً مقارنةً بأعداد اليهود الذين كانوا ينخرطون فيها خلال الأعوام السابقة. ومن حيث النوع، اتخذت مظاهر الاقتحام منحًى خطيرًا ومتصاعدًا مع قيام المئات بأداء طقوسهم الدينية في الوقت نفسه، دون خوف من ردود الفعل الداخلية أو الخارجية.
كما تُعد هذه الانتهاكات امتدادًا لتاريخ طويل يقترب من 60 عامًا على تهويد القدس و”أسرلة” الحياة في الضفة الغربية أو مناطق “يهودا” و”السامرى” حسب التسمية التلمودية. وكانت نكسة 1967، التي أدت إلى احتلال الضفة الغربية بما فيها القسم الشرقي لمدينة القدس، مفتتحًا لمشروع التهويد وفرض سياسة الأمر الواقع؛ حيث قام الجنرال “مردخاي جور” برفقة العشرات من جنوده باقتحام المسجد الأقصى، ورفع علم “إسرائيل” فوق قبة الصخرة، ومنع المسلمين من الصلاة في المسجد لمدة أسبوع.
وشهد العام 1990 تطورًا خطيرًا حين أقدم متطرفون يهود على وضع حجر الأساس لما يُسمى بـ”الهيكل الثالث” داخل ساحات المسجد الأقصى.
والأخطر من ذلك أن هذه الانتهاكات، التي لم تتوقف على مدى العقود الماضية، استندت وما تزال إلى سياسة ممنهجة اضطلعت بها العديد من المؤسسات اليهودية، مثل “صندوق تراث الحائط الغربي (البراق)” و”صندوق تراث جبل الهيكل”، الذي تأسس ردًّا على القرار الصادر عن منظمة اليونسكو في أكتوبر 2017 بخصوص نفي صلة “الشعب اليهودي” بالمسجد الأقصى.
خلال هذه الفترة، عملت عشرات المؤسسات المدعومة من الحكومات المتعاقبة للكيان الصهيوني على التهويد الديني والثقافي والعمراني لمدينة القدس، التي تزخر بالعديد من المعالم الدينية والثقافية القديمة، من خلال طمس هذه المعالم وتشويهها، مع استمرار الحفريات حول المسجد الأقصى بحثًا عن “الهيكل” المزعوم، إضافةً إلى تغيير أسماء الشوارع، وفرض مناهج دراسية تستهدف الهوية الدينية للمسلمين والمسيحيين، وتشويه تاريخ فلسطين ودورها الحضاري الإسلامي والعروبي.
وعمدت حكومات الكيان المتعاقبة إلى تنفيذ مشاريع استيطانية في إطار التهويد الديموغرافي، بالتوازي مع مصادرة أراضي المقدسيين وممتلكاتهم وتهجيرهم، حتى أصبح عدد المستوطنين في القدس الشرقية يقترب من عددهم في القدس الغربية، التي استولى عليها اليهود منذ عام 1948.
كما يتعمَّد الصهاينة اليهود تنفيذ مخطط التهجير القسري للفلسطينيين عبر حرب الإبادة الجماعية ومئات المجازر الدموية التي لم تتوقف منذ 7 أكتوبر 2023، والتي امتدت من غزة إلى الضفة الغربية، وما يرافقها من حصارٍ مميتٍ وتدميرٍ للمباني السكنية.
والمُحزن والمُخزي أن هذه السياسة العدوانية باتت لا تُحرك نُخوةَ الأمة وضميرَها، وهو ما يشجع الكيان الصهيوني على التمادي. وقد يكون عام 2025 هو العام الذي يستكمل فيه اليهود ضم الضفة الغربية وإعادة احتلالها من جديد، كما توعد ما يسمى وزير المالية اليهودي المتطرف “سموتريش”.
لقد تمكنت الصهيونية من كيِّ الوعي العربي والإسلامي، بل والفلسطيني أيضا، بدليل أن اقتحام من يسمى رئيس الوزراء الأسبق “أرييل شارون” للمسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000 قد فجَّر “انتفاضة الأقصى” التي شهدتها أراضي فلسطين المحتلة قبل ربع قرن. بينما نجد اليوم أن المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة وخارجها، وكل مخططات التهويد، أصبحت قيد التنفيذ، ولا يحدُّ منها سوى صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، وقلةٍ من أحرار العالم المتضامنين مع القضية الفلسطينية.