ما بعد استهداف «رأس عيسى»… التجويع أداةَ حرب أمريكية معلَنة

|| صحافة ||

ليس استخدام الولايات المتحدة وحلفائها سياسة التجويع والحصار وقصف المنشآت المدنية والخدمية كأداة من أدوات الصراع، جديداً، وهو ما يتكرّر اليوم في اليمن، حيث يشابه الأسلوب الأميركي في العدوان، من حيث شموله المدنيين والبنى التحتية الضرورية للحياة، خصوصاً عقب استهداف ميناء رأس عيسى النفطي، نهج إسرائيل في خنق قطاع غزة بشكل معلن. على أن استهداف المنشآت الصناعية والاقتصادية المدنية في اليمن لم يبدأ مع الجولة الثانية من العدوان، بل يعود إلى الجولات السابقة بالاشتراك مع بريطانيا والكيان الإسرائيلي، في حين أن الفارق حالياً يتمثّل في أن إدارة دونالد ترامب تتّبع إستراتيجية أكثر دموية وعنفاً في ضرب تلك المنشآت، ومن بينها «رأس عيسى»، والذي يمثّل شرياناً حيوياً للبلد.

وطوال الحرب التي شُنّت على اليمن منذ أكثر من عشر سنوات من قِبل «التحالف العربي» بقيادة السعودية والإمارات، استُخدم الحصار كأداة من أدوات الحرب لفرض الاستسلام على البلد الأفقر في الضفة الجنوبية للجزيرة العربية. ووفقاً لعدد من تقارير المنظمات الدولية والإنسانية، توفي عشرات آلاف الأطفال نتيجة الفقر والجوع، الناجمَين عن الحصار وفرض الإغلاق التام على المنافذ الجوية والبحرية والبرية. وذكر أحد تلك التقارير، في أيلول 2019، أن الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ربما شاركت في جرائم حرب في اليمن، عبر تقديم العتاد والمعلومات والدعم اللوجستي للتحالف السعودي – الإماراتي، موصياً بأن تفرض كلّ الدول حظراً على نقل الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة هناك، للحيلولة دون استخدامها في ارتكاب انتهاكات جسيمة.

على أنها في استهدافها ميناء رأس عيسى، لم تتذرع واشنطن، كعادتها، بأنها لم تكن تعلم بوجود عمّال مدنيين في الميناء المذكور؛ لا بل أعلنت «القيادة المركزية الأميركية»، بصراحة، أن غاراتها استهدفت المنشأة التي تمثّل هدفاً مدنياً غير متحرك، ويمكن قصفه بعد تحذير العاملين فيه. وبذلك، ارتكبت واشنطن جريمة حرب معلَنة، غير عابئة بالقانون الدولي الإنساني، وممعنةً في القتل والعقاب الجماعي بذريعة قطع الإمداد عن حركة «أنصار الله»، ووقف استخدام «رأس عيسى» كمصدر للأرباح «غير المشروعة»، وفقاً لزعم «القيادة المركزية» التي استخفّت، كذلك، بأنباء قتل المدنيين عمداً، قائلة إنه ليس لديها ما تضيفه إلى الإعلان الأوّلي في شأنهم.

وفي هذا الإطار، أفادت وكالة «أسوشيتد برس» بأنها وجّهت أسئلة إلى «القيادة» حول سقوط ضحايا في صفوف المدنيين، وأن الأخيرة رفضت الإجابة عن هذه الأسئلة، مضيفة أن صور أقمار صناعية لميناء رأس عيسى، تظهر خزانات نفط مدمّرة ومركبات محترقة، وما يبدو أنه تسرب نفطي إلى البحر الأحمر، علماً أن الميناء عبارة عن مجموعة من خزانات النفط ومعدّات التكرير الواقعة بالقرب من جزيرة كمران – التي تعرّضت، هي الأخرى، في الأيام الماضية لسلسلة من الغارات الأميركية الكثيفة -؛ وهو يستقبل البنزين والديزل وغاز البترول المسال لمصلحة المحافظات الشمالية.

ولاقت الجريمة الأميركية في ميناء رأس عيسى إدانات محلية وعالمية؛ إذ أكد «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان» أن «الهجوم الأميركي هو استخدام غير مشروع للقوّة يستدعي تحقيقاً ومساءلة فورية»، مشيراً إلى أن «طبيعة الموقع المستهدف والخسائر البشرية الجسيمة الناتجة من الهجوم تثير شبهات خطرة بوقوع جريمة حرب وفقاً لأحكام القانون الدولي». ولفت إلى أن «القوات الأميركية لم تتخذ أيّ تدابير لحماية المدنيين ولم تُخطر إدارة الميناء أو العاملين فيه أو أيّ جهة ذات صلة قبل تنفيذ الهجوم».

وطالب المرصد الكيانات الدولية المختصّة بـ«فتح تحقيق فوري ومستقل في الهجوم على ميناء رأس عيسى، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الجُناة وضمان إنصاف الضحايا وعائلاتهم». يُذكر أنه في العام الماضي، استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منشآت النفط في ميناء الحديدة المجاور لميناء رأس عيسى، إضافة إلى محطة توليد الكهرباء في المحافظة، لكن تلك الاعتداءات لم تمنع اليمن من الخروج من الجولة الأولى من العدوان عليه، منتصراً وأقوى عوداً من أي وقت مضى.

 

الاخبار اللبنانية: لقمان عبد الله

قد يعجبك ايضا