غزة بلا سيولة نقدية.. الأورومتوسطي: “إسرائيل تستخدم الحصار المالي لتعميق معاناة السكان وإهلاكهم”
أعرب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن بالغ قلقه إزاء تفاقم أزمة السيولة النقدية في قطاع غزة كنتيجة مباشرة لجرائم العدو الإسرائيلي، التي تستهدف تفكيك مقومات الحياة للسكان المدنيين، وعلى رأسها البنية المصرفية، من خلال التدمير المتعمد والحصار الشامل.
وحذّر المرصد الأورومتوسطي في بيان له، الخميس، من أنّ هذه الممارسات تفرض عمدًا ظروفًا معيشية قسرية تؤدي إلى تدمير بطيء ومنهجي للسكان، وتشكل فعلًا من أفعال الإبادة الجماعية المحظورة بموجب القانون الدولي، وانتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني، ومساسًا مباشرًا بالحقوق الأساسية للفلسطينيين، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والكرامة الإنسانية، والمستوى المعيشي اللائق، والغذاء، والصحة، والسكن، والعمل.
وقال المرصد الأورومتوسطي إنّ “إسرائيل، منذ شروعها في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تمنع البنوك والمؤسسات المصرفية من إدخال أي كمية أو نوع من السيولة النقدية إلى القطاع، بالتزامن مع استهداف مباشر لمقارّ تلك البنوك وأجهزة الصرّاف الآلي وتدميرها، ما أجبر الغالبية الساحقة منها على الإغلاق الكامل أمام السكان، وأفرز أزمة إنسانية واقتصادية خانقة تتصاعد حدّتها يومًا بعد يوم، في سياق منهجي للقضاء على أي قدرة للبقاء في قطاع غزة”.
وذكر المرصد الأورومتوسطي أنّ “العواقب الناجمة عن الشحّ الحاد في السيولة النقدية تجاوزت حدود الاحتمال بعد أكثر من 18 شهرًا على بدء جريمة الإبادة الجماعية، إذ اضطر السكان، في ظل شلل شبه كامل في الخدمات المصرفية بما يشمل السحب والإيداع، إلى اللجوء إلى السوق السوداء للحصول على النقد، مقابل عمولات مرتفعة تستنزف ما تبقى من قدراتهم المعيشية”.
وأوضح المرصد الأورومتوسطي أنّ هذه الظروف فاقمت الأعباء المالية والاقتصادية والنفسية، لا سيما على الفئات الأكثر هشاشة، وفي مقدمتها الأسر الفقيرة، التي باتت تُشكّل الغالبية الساحقة من السكان، نتيجة فقدان مصادر الرزق وتدميرها المتعمد ضمن سياسة إسرائيل المنهجية للتجويع والإفقار.
وبيّن أنّ “الموظفين، وأصحاب الأعمال، وحتى الأسر التي تعتمد على التحويلات المالية من الخارج، لم تعد تجد وسيلة للحصول على النقد سوى عبر قنوات غير رسمية يديرها عدد من التجار وأصحاب محالّ الصرافة ممّن يحتكرون السيولة النقدية ويستغلون حاجة السكان باقتطاع نسب تصل إلى 35% من قيمة المبلغ، في ظل غياب تام لأي رقابة أو مساءلة، نتيجة تقويض إسرائيل النظام العام وتفكيك منظومتي الأمن والعدالة في قطاع غزة على نحو منهجي”.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ الغالبية الساحقة من سكان قطاع غزة فقدوا مصادر أرزاقهم بفعل جرائم القتل والإصابة التي طالت معيلي العائلات، وجرائم التدمير الشامل التي تنتهجها “إسرائيل” ضمن جريمة الإبادة الجماعية، فيما يُحرم من تبقى منهم ممن يتقاضون رواتب من الوصول إليها نقدًا، ما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية، إذ يعجز السكان عن تأمين احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء، والدواء، وتسديد الإيجارات، وتحمّل تكاليف النزوح والتنقّل الناتجة عن عمليات التهجير القسري.
ونبه إلى أنّ الأزمة تتصاعد يومًا بعد يوم في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار، نتيجة النقص الكبير في المواد الأساسية بفعل الحصار غير القانوني الذي تفرضه “إسرائيل” على قطاع غزة، والذي تمنع بموجبه دخول المساعدات الإنسانية والبضائع بشكل كامل منذ أكثر من 50 يومًا، إلى جانب ندرة المساكن نتيجة التدمير الواسع والمنهجي، ما يضاعف من معاناة السكان ويقوّض قدرتهم على البقاء.
وفي إفادة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال “مالك حامد” (36 عامًا) من سكان مدينة غزة: “أعمل في إحدى الجامعات المحليّة ولا يُصرف لي سوى جزء من راتبي بقيمة (300$) منذ بدء الحرب. وبسبب إغلاق البنوك وتعذر سحب الراتب منها، ألجأ إلى أحد التجار للحصول على السيولة النقدية، لكنّه يقتطع أكثر من ثلث المبلغ مقابل هذه الخدمة”.
وأضاف أنّه “رغم تعدد الالتزامات وجنون الأسعار، فإنّ أكثر ما يؤرقني في شح السيولة النقدية هو الصعوبة البالغة التي أُواجهها في تأمين السيولة اللازمة لشراء الأدوية المخصصة لطفلي “أنس” (3 سنوات) الذي يعاني من مرض عصبي خطير يسمى “متلازمة درفيت”، إذ يجب أن تتوفر أدوية بقيمة نحو (110$) شهريًا للسيطرة على الحالة، وهو ما يعادل أكثر من نصف راتبي الفعلي، ومع ذلك فلا سبيل سوى تأمين المبلغ نقدًا لإنقاذ حياة طفلي”.