ماذا بين أوباما ونتنياهو؟ – ناصر قنديل
ناصر قنديل – صحيفة “البناء”
– المستمع لكلام بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس، وكذلك قبل خطابه في الكونغرس، والمتابع للعلاقة الأميركية «الإسرائيلية»، إذا أراد ألا يغرق بالصورة والمشهدية، والتعابير التفصيلية، يستطيع أن يقول إن القضية ليست قضية الرئيس الأميركي باراك أوباما وخلافه مع أحد قادة «إسرائيل» بنيامين نتنياهو.
– لقد أختصر نتنياهو في كلمته أمام الآيباك، مجموع اللوبيات الصهيونية في أميركا، القضية بالقول، «القادة الأميركيون قلقون في شأن أمنهم، الإسرائيليون قلقون في شأن بقائهم على قيد الحياة»، لكن نتنياهو لم يحترم هذا التفسير، بافتراضه إمكانية أن تسلك أميركا طريقاً آخر، أو بافتراضه أن ثمة ما يمكن أن يطمئن «إسرائيل» إلى حياتها.
– الذي قاله نتنياهو، هو أن بديل الاتفاق ليس الحرب، وهو ما يكذبه بكل سلوكه السابق حيث لم يكن يسعى إلا إلى الحرب كبديل، وكان يدعي أنه جاهز لها وأن واشنطن تمنعه، حتى فضحه أوباما أثناء زيارته لتل أبيب، بقوله إن قرار «إسرائيل» مستقل وهي تستطيع أن تفعل ما تراه ضرورياً لأمنها، لينكشف أن ما تريده «إسرائيل» ككيان كسيح هو أن تخوض أميركا الحرب نيابة عنها، متجاهلاً صوغه لمعادلة تفسر الخلاف وهي، أن أميركا تبحث عن أمنها و«إسرائيل» قلقة على حياتها.
– يعرف نتنياهو أن ما قاله عن أن بديل الاتفاق السيئ هو اتفاق جيد، هو بالتحديد ما تفعله خلال سنوات، من زاوية مصلحتها إدارة أوباما، مقتنعة أنها تذهب للاتفاق لأنها لا تملك وصفة الحرب، ويعرف نتنياهو أن مشكلته ليست مع هذا الاتفاق، بل مع مبدأ الاتفاق، أي اتفاق، يكرس شرعية إيران نووية، وقوية ونافذة وفاعلة ومؤثرة، وهي لم تتغير في موقفها من «إسرائيل» ومن دعمها للمقاومة، ولذلك هو كان صادقاً حين قال من قبل ولم يجرؤ على تكرار القول أمام الكونغرس على رغم نطقه بالحقيقة، إنّ أميركا تذهب للاتفاق مع دولة كانت تريد ولا تزال تريد الدمار والفناء لـ«إسرائيل»، وإن واشنطن لم تضع تغيير هذه السياسة شرطاً لأي اتفاق، وعلى رغم إدراك نتنياهو أن هذه هي الحقيقة، لم يكررها أمام الكونغرس لأنه يعلم أن من معه سينقلب ضدّه إن قالها، لأنها تلزم أي قيادة أميركية بسقف تفاوضي يعرف الجميع أنه يعني لا اتفاق مع إيران، لأنهم حاولوا وجربوا وبات معلوماً من هي وما هي إيران.
– يعرف نتنياهو أن بديل الاتفاق إن لم يكن حرباً فهو الانتظار، هو ما جربته أميركا بإداراتها المتعاقبة خلال ثلاثة عقود، وكانت تكتشف أنها تعود للتفاوض وقد فرضت إيران أمراً واقعاً جديداً، سواء في النفوذ الإقليمي أو في الملف النووي، وعلى التفاوض أن يبدأ من سقف أدنى من الذي كان يمكن أن يشكل أساساً لاتفاق تملّصت واشنطن من التوصل إليه وإبرامه، فلم يكن هناك تخصيب، ولا ترسانة صاروخية باليستية، ولا مفاعلات ماء ثقيل، ولا تصنيع أجهزة طرد مركزي، وكله أنجزته إيران في فترات توقف التفاوض، وواشنطن تنتظر رهاناً على تغيير في الموازين، وأغلب الرهان كان على «إسرائيل» وما ستفعله، مرة في لبنان ومرة في غزة ومرة في سورية، وفي كل هزيمة «إسرائيلية» جديدة كان على أميركا أن ترتضي التسليم بسقف جديد للتفاوض، تحقق فيه إيران المزيد من المكاسب.
– يعرف نتنياهو أن هزائمه هي التي رفعت سقوف التفاوض الإيرانية، وأنه ليس في الموقع الذي يتيح له الاعتراض على سقوف تورطت واشنطن بالقبول بها لأنها اتبعت وصفة نتنياهو، تأجيل الاتفاق بانتظار المتغيرات، وتورطت واشنطن بهذا الرهان وخسرت، لأن المنتظر منه إنجاز المتغيرات كانت «إسرائيل» وغالباً كان نتنياهو.
– يعرف نتنياهو أيضاً، أن إتباع واشنطن بإدارة أوباما أو أي إدارة أخرى، لذات الوصفة اليوم، يعني العودة لمفاوضة إيران جديدة بعد عام، إيران بملف نووي سلمي، لكنها تحديداً تملك من اليورانيوم والبلوتونيوم المخصبين بدرجة وكمية، تكفي لإنتاج عشر قنابل، ومعهما صواريخ باليستية تكفي لنقل رؤوس نووية بالعشرات إلى أي مكان في العالم.
– يعرف نتنياهو، أن التصفيق الذي لقيه في الكونغرس، ومقابله المقاطعة، أمران انتخابيان أميركياً، لأنه لن يحمل معه التصفيق ليشكل له قدرة الردع التي تلاشت في عملية مزارع شبعا، وها هو يرى حزام الأمن الذي بناه للجولان ينهار أمام عينيه ولا يستطيع تحريك ساكن، ليس لأن أوباما يمنعه بل لأنه عاجز عن فعل شيء، ولأنه يعرف أن البديل هو الانزلاق لحرب يعرف أن نتيجتها تتصل بما جاء يندبه أمام الكونغرس، قدرة «إسرائيل» على البقاء على قيد الحياة.
– لا يملك أوباما وصفة لبقاء «إسرائيل» على قيد الحياة، ولا بوليصة تأمين، فالسلام الذي تقترحه واشنطن على تل أبيب في ظل تلاشي قدرة الردع لا تمنح مصلاً للبقاء على قيد الحياة، بل هي مجرد غرفة إنعاش وعناية فائقة، وبالمقابل لا يملك نتنياهو وصفة لأمن ومستقبل أميركا تجاه العلاقة مع إيران، ووصفاته مجربة ومختبرة، ونتائجها كانت الوصول لاتفاق كان السبب وقفة نتنياهو يندب حظ «إسرائيل» أمام الكونغرس.
– إنها لحظة افتراق تاريخية في المصالح، بين كيانين متشابهين في الولادة عبر اجتثاث سكان البلاد الأصليين، وعبر بناء دولة للمستوطنين على أنقاض البلاد التي دخلوها واستجلبوا إليها، وهما الكيانان اللذان كان أحدهما يتداخل بالآخر بما يتعدى حدود الأصيل والوكيل، فخلال أكثر من نصف قرن كانت أميركا و«إسرائيل» أقرب إلى توأمين سياميين من كونهما حليفين إستراتيجيين، ولم يكونا يوماً دولة مركز وكيان تابع، كما هي حال علاقة واشنطن بسائر التابعين لها.
– هرمت «إسرائيل» وشاخت وفقدت قدرتها على البقاء على قيد الحياة، ووصلت واشنطن إلى لحظة الحقيقة، أن مصالحها تتفوق وتتقدم وعليها أن تتخذ القرار الذي يحقق أمنها الإستراتيجي، بعدما تهربت من هذه الكأس المرة طويلاً كرمى لعيون «إسرائيل»، وخاضت حروباً لتفادي هذه الكأس أيضاً كرمى لعيون «إسرائيل»، وبعدما دار الزمن دورته الكاملة، من هزيمة «إسرائيل» في جنوب لبنان عام 2000، إلى غزو أميركا للعراق وأفغانستان وتطويق إيران وسورية والفشل، وحرب لبنان وغزة بالتتابع والتتالي، 2006 و2008 و2012 و2014، وصولاً إلى غارة القنيطرة، وما بين كل ذلك من محاولة لإسقاط إيران من الداخل، إلى محاولة تسليم المنطقة لحلف الإخوان المسلمين، وانتهاء بالحرب المفتوحة لإسقاط سورية وفي خدمتها حرب أوكرانيا ضمناً، والتعاون العلني مع القاعدة بمنوعاتها، واللجوء لكل المحرمات، والوقت ينفد بعدما حدد الجيش الأميركي موعداً لا فكاك منه للانسحاب من البر الآسيوي نهاية عام 2014، وسيتواصل معه الإيرانيون والروس والصينيون عبر الجغرافيا الأفغانية، ومصالح الدولة العظمى أن تنجز اتفاقاً لجغرافيا سياسية آسيوية بالتراضي والتفاهم، وعلى نتنياهو أن يواجه ساعة الحقيقة المقابلة، لا وصفة لبقاء «إسرائيل» على قيد الحياة.