ماذا يعني “يوم الأرض” بعد 41 عاما
موقع أنصار الله ||مقالات ||بقلم / راغدة عسيران / وكالة القدس للانباء
لا شك أن “يوم الأرض” (30 آذار 1976) شكّل محطة نضالية مهمة في تاريخ مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، لأسباب عديدة، أولها أنه كان تتويجاً لمعركة خاضها فلسطينيو الـ 48 ضد العدو منذ نشأة الكيان الصهيوني، معركة صامتة أحيانا وصاخبة أحيانا أخرى، للتخلص من نفوذ العملاء والضعفاء من “عرب الداخل”، الذين استسلموا أمام قوة العدو والهيئات الدولية ورفضوا الدعوة إلى الإضراب العام وحاولوا إفشاله حتى آخر لحظة. لأول مرة بعد نكبة 1948، استطاع فلسطينيو الـ 48، ليس فقط من رفع الصوت عاليا رفضا للنهب وسيطرة الأجهزة الصهيونية الأمنية على حياتهم، بل التحرك ضدها عبر حشد الجماهير الواسعة التي شاركت بكل فئاتها العمرية والاجتماعية والسياسية الوطنية. واجهت الحركة الوطنية المتمثلة برئيس بلدية الناصرة، الراحل توفيق زياد هذه “الفئة الضالة” واستنجد بالجماهير الحاضرة في اجتماع روساء البلديات العربية التي هبّت وقالت كلمتها. فانتصر التيار الوطني بعد إزالة الخوف والتردد من قلب المجتمع، وخاصة من قلب الجيل الصاعد الذي ولد بعد النكبة، والمؤسس لجيل “منتصب القامة” الذي سيشارك في انتفاضة الأقصى و”هبة اكتوبر” في العام 2000. فنجح “يوم الأرض” بإزلة شبح مصادرة الأراضي الجليلية لفترة طويلة من الزمن.
ثانيا، رغم محدودية المساحة الجغرافية التي كانت مهددة من قبل الصهاينة، في الجليل وفي فلسطين المحتلة عام 1948، ورغم انطلاقته من الجزء المحتل عام 1948، فقد شكّل “يوم الأرض” عنوانا لمواجهة سرقة الأرض والاستيطان والتهويد في كافة أنحاء فلسطين وفي اللجوء، حيث يعيش أولى ضحاياها، إضافة الى التشريد. أصبح “يوم الأرض” محطة تعبّر عن الهوية الفلسطينية المكافحة، كون فلسطين كلها ضحية الاستعمار والاستيطان والتهويد الصهيوني، بمساعدة المجتمع الدولي ومؤسساته، وبتواطؤ أنظمة عربية تخلّت عن مسؤولياتها.
ثالثا، لم يلتفت منتفضو “يوم الأرض” الى المجتمع الدولي ولم ينتظروا منه أي قرار دولي ينصرهم ويدعم تطلعاتهم ونضالهم، بل وقفوا صفا واحدا يتحدّون الاحتلال ويطالبون بإنهاء سرقة أرضهم. أدركوا أنهم سيجبرون الاحتلال على التراجع بنضالهم ووحدتهم وثباتهم، وليس بالنداءات الى الأمم المتحدة ومؤسساتها لينتزعوا قرارات أو تصريحات فارغة ومملّة. لقد آمن منتفضو “يوم الأرض” بقوة وصلابة شعبهم قبل كل شيء، مستندين الى تاريخه الجهادي المشرف قبل النكبة، عندما واجه الاحتلال البريطاني والاستيطان الصهيوني، دون أي دعم يذكر إلا من المتطوّعين العرب.
بعد 41 عاما على “يوم الأرض” المجيد، المغتصبات الصهيونية منتشرة في كل أنحاء فلسطين (باستثناء قطاع غزة الذي تحرّر منها بفضل إنتفاضة الأقصى)، تفصل بين المدن والمناطق الفلسطينية وتعزلها عن بعضها البعض بطرقات وحواجز وجدر، بحيث أصبحت كل منطقة وكل قرية تقف معزولة في وجه الغول الاستيطاني. يشير الإعلام الفلسطيني الى العديد من المواجهات البطولية، المعزولة والمحدودة ضد المستوطنين وأجهزة الاحتلال، في مناطق متفرقة من فلسطين، في الجليل والنقب والمثلث، حيث تنشط الدوائر الصهيونية لتبتلع المزيد من الأرض، كما في مناطق الأغوار والخليل والقدس ونابلس، حيث يواجه أهالي قرى وأحياء معزولة مؤسسة المستوطنين، يعرقلون أحيانا تقدمها بجهدهم الذاتي، دون دعم مؤسساتي أو فصائلي واضح.
نقف اليوم أمام فئة مدعومة دوليا ترفض التصعيد الجماهيري ضد الاستيطان والاحتلال، وتلاحق المقاومين والمجاهدين، بعد تحريرهم من سجون الاحتلال، خشية من إذكاء روح المواجهة والإشتباك مع العدو. رغم عدم جدوى انتظار قرارات وتصريحات المؤسسات الدولية، كما تبيّن بعد عقود من الزمن، ما زالت بعض القيادات الفلسطينية تطالب بتدخل المجتمع الدولي وتقترح اللجوء الى مؤسساته بدلا من اللجوء الى شعبها المناضل وتنظيمه وإفساح مجال المواجهة الشعبية للدفاع عن الأرض، من جهتي “الخط الأخضر”، هذا الخط الذي نسفه الاستيطان والحواجز، قبل أن تنسفه المناهج المدرسية الصهيونية، ولم يحترمه إلا من يعوّل على المؤسسات الدولية لإنقاذه، في حين كان “يوم الأرض” المجيد ثمرة إزاحة المتخاذلين عن الطريق والإعتماد على الجماهير وقواها الحيّة.
رغم سرقة ما يقارب 85% من الأرض الفلسطينية، لم تستطع القوى المقاومة من وضع خطة شاملة واستراتيجية واضحة للكل الفلسطيني لمواجهة توغل الاستيطان وربط نقاط المواجهة المحلية بعضها ببعض، لتشكل معركة جامعة يلتف حولها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. صحيح أن “يوم الأرض” وحّد الشعب الفلسطيني وأكّد على هويته المكافحة، وهيّأ للأجواء النضالية في “انتفاضة الحجارة” عام 1987، ولكن بعد عقود من الزمن، وبعد اتفاقيات أوسلو التي شرعنت الوجود الصهيوني وأقامت سلطة تابعة للمجتمع الدولي على جزء من فلسطين، ترسخت فكرة اللجوء الى المؤسسات الدولية لإنقاذ الشعب الفلسطيني، وانتظار التسوية الموعودة منذ السبعينات من القرن الماضي.
في هذا الوقت، في اليوم الذي أحيا الشعب الفلسطيني ذكرى “يوم الأرض”، أعلنت المؤسسة الاستيطانية عن نيتها إقامة مغتصبة جديدة في الضفة الغربية للتعويض عن “عمونة”. انتظرت قيادة السلطة والأحزاب المرتبطة بها ماذا سيكون موقف المؤسسات الدولية والإدارة الاميركية من هذا الإعلان. فشجبت القرار الصهيوني وطالبت باللجوء الى المحكمة الدولية، وعلّقت آمالها على موقف من سلّم أرض فلسطين للصهاينة، وحظرت على نفسها التواصل مع فلسطينيي الداخل وقياداتهم الوطنية لتفعيل خطة مشتركة للدفاع عن الأرض المتبقية، مفضّلة التواصل مع المجموعات الصهيونية التي تزور رام الله بين الحين والآخر، وكأن الشعب غير موجود أو أنه فقد كل مكونات الصمود الفعلي، بالرغم من الأمثلة اليومية لبطولاته وشجاعته وطاقاته وصبره.
ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من “يوم الأرض” ؟ أولا، الاعتماد على الشعب لمواجهة العدو وليس على الهيئات الدولية. ثانيا، وضع خطة شاملة للدفاع عن كل الأرض الفلسطينية، المسروقة عام 1948 و1967، وتوحيد الشعب الفلسطيني حول هذه الخطة، لتشمل اللاجئين الذين فقدوا أرضهم وأملاكهم، وفلسطينيي 48 وباقي المناطق المحتلة. ثالثا، عزل من يقف أمام التحرك الجماهيري الشامل ورابعا، التخلص من وهم وجود سلطة مستقلة وسيادية ومن وهم “الخط الأخضر” الفاصل للأرض الواحدة والشعب الواحد. كما أكّد بيان حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بمناسبة يوم الأرض : “لا مكان لأنصاف الحلول، ففلسطين أرض واحدة من شمالها حتى جنوبها ومن بحرها إلى نهرها، وطن واحد لا يقبل القسمة ولا التجزئة”.