“بلطجىٌ” في البيت الأبيض !!

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||رفعت سيد أحمد / الميادين نت

تعني كلمة البلطجي فى القاموس: الشخص الذي يعتدي على الآخرين قهراً ومن دون وجه حقّ مرتكباً أعمالاً منافية للقانون والعرف، وأيضاً هو في قاموس لغوي آخر، “المُنحرف”.. الذي يمارس أعمالاً غير قانونية في الأماكن النائية ضدّ الآخرين. ترى بماذا نوصف عدوان ترامب وجنرالاته على مطار الشعيرات في سوريا فجر الجمعة (7/4/2017)، بغير هذا الوصف الدقيق لغة والصحيح معنى: بلطجي !! .

أحسب أن الألفاظ الناعمة، والدبلوماسية لم تعد تجدي فى توصيف ما جرى من تدمير وقتل للأبرياء، ومن افتعال لواقعة الغاز السام في خان شيخون، إذ يبدو أن الأمر كله كان صناعة أميركية / خليجية / إسرائيلية، بلا مُبالغة أو تنميق لغوي !! صناعة أو مؤامرة لإعادة خلط الأوراق في سوريا بعد أن كانت قد اقتربت مع حلفائها من الانتصار شبه الكامل على  “الإرهابيين” ومُشغلّيهم في المنطقة والعالم !! .إنه ” بلطجي ” .. في ما مضى من عدوان لدولته على هذه المنطقة من العالم طيلة 70 عاماً من عمرها، وعمر إنشاء الكيان الكيماوي والنووي الوحيد في المنطقة، الكيان الصهيوني، وهو بلطجي وهذا هو الأخطر في ما سيكون؛ ولنفصل قليلاً متأمّلين دلالات العدوان، وسيناريوهات ما بعده.

 

أولاً: نعتقد، الآن، وبعد أن هدأت عاصفة ما بعد العدوان الأميركي على مطار الشعيرات أننا كنا إزاء عدوان سافر مُعّد له سلفاً، عدوان قرأ جيّداً الأوضاع في سوريا، وغطى نفسه بزيارات قادة عرب أتوا من قمّة عربية باهِتة، حُكّامها في أغلبهم شبه موتى لا يملكون قرارهم، مجرّد دُمى تحرّكهم واشنطن وتل أبيب، وهم لا ينكرون ذلك، بل يتفاخرون به (أنظر حال عاهل السعودية كنموذج والذي كان كلامه في القمّة يحتاج إلى مُترجم الا في ما يخصّ العلاقات مع إسرائيل وأميركا .. فلقد كان فصيحاً)، لقد أدرك (ترامب) أن الدولة والجيش السوري، قاب قوسين أو أدنى من الإجهاز على مشروع التقسيم الذي تقوده واشنطن وحلفاؤها ” الصِغار جداً ” في الخليج؛ فأعدّت سيناريو السلاح الكيماوي في خان شيخون الذي قال عنه نصاً “الصحافي الشهير (سيمور هيرش) أن المخابرات القطرية والإرهابي عبدالحكم بلحاج وميليشيا الفاروق في مصراتة في ليبيا هم من قاموا بالتنسيق مع المخابرات الأميركية بنقل الأسلحة الكيميائية وغاز “السارين” من مخابرات الجيش الليبي السابق في جنوب سرت إلى سوريا (مقابل 900 مليون دولار) وتسليح جبهة النصرة والتي اُستخدمت ضدّ المدنيين وخزّنت في خان شيخون وتم ضربها وتسرّب الغاز ليقتل المدنيين حتى يتّهم الجيش السورى كما جرى وكما صنعوا في حادث الغوطة الشرقية عام 2013، وقتل يومها قرابة الـ 900 مدنى وتم اتهام النظام السورى وقتها بالحادث وهو منه براء واستخدمت الجريمة لتجريد سوريا من الأسلحة الكيميائية، ونفس الأمر تم اليوم مع جريمة خان شيخون، ليبرّر العدوان على سوريا أميركياً وبشكل متواصل وخارج نطاق القانون الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة !! .

 

هذا هو ما قاله سيمور هيرش وما يقوله الكُتّاب والخبراء الاستراتيجيين المُحترمين في الغرب، أما فى إعلامنا العربي – والخليجي تحديداً – المُدّجن، فإنه يقول ما يقوله الإسرائيلي، لا فرق !! إنه يتّهم النظام والجيش السوري من دون دليل، ومُستبقاً التحقيق الشفّاف والأمين وليبرّر ومن دون حياء العدوان الأخير على مطار الشعيرات !! .

 

ثانياً: والسؤال .. هل سيكون هذا العدوان هو الأخير أما أننا أمام سيناريو للعدوان المستمر ؟ إذا سلمنا بأننا أمام ” بلطجي ” يحكم البيت الأيض، وتتّصف شخصيته ومن ثم قراراته، وعلاقته بأجهزته النافذة (تحديداً البنتاغون والـ C.I.A والكونغرس) بالتقلّب والاندفاع والحماقة، فإننا سنكون أمام سلسلة من الاعتداءات القادمة والدامية على سوريا، وربما على إيران، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن (ترامب) الذي يتّصف بعقلية التاجر والمُغامر فإنه يريد لصناعة السلاح في بلاده أن تتحرّك من جديد ولو على جثث ودماء العرب والمسلمين، فهو منذ البداية يصنّفهم كإرهابيين يستحقّون الموت، فإذا جاء هذا الموت بمقابل، ووفق صفقات مع دولة كالسعودية أو قطر أو تركيا، فلا بأس، حتى لو أدّى ذلك إلى غضب الروس واحتمالات حرب عالمية مباشرة على الأرض السورية.

 

إن ( ترامب ) يريد أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، هو هنا حجر التدخّل العسكري المباشر والتصعيدي في سوريا بدءاً من مطار الشعيرات وربما غداً مطار دمشق أو القصر الجمهوري ، إنه من ناحية يريد أن يقول لعملائه الصغار الذين زرعهم وصنعهم في سوريا من  (داعش إلى النصرة ) أنكم لستم وحدكم وأنه لن يسمح بهزيمتهم، وأنه سيستمر في دعمهم وسيكشف عن وجه أميركا الحقيقي في كل ما جرى في سوريا منذ 2011، ومن قبلها في العراق وليبيا والآن في سيناء ومصر ( حتى لو غضّ حُكّامها النظر عن الحقائق المرّة على الأرض بحُكم الحاجة الاقتصادية المُذلّة والتي جعلت في الفم المصرى الرسمي ، ماء .. وربـما نفطاً فلم ينطق ولـم يتحرّك بما يوازي منزلة ومصلحة مصر الـقومية للأسف !! ) .

 

إن أميركا هي من صنعت كل هذا الإرهاب في بلاد الشام، وهي لن تسمح بهزيمته ولذلك ستستمر في العدوان والبلطجة، ومن ناحية أخرى هي تريد إرسال رسالة إلى روسيا وإيران وسوريا الدولة، أن هذا (الحلف المقاوِم) لن تترك له الساحة وستظل تشاغله وتطارده، وأخيراً هي ترسل لإسرائيل وشقيقاتها من مشيخيات الخليج ألا يقلقوا خاصة بعد بدء ملامح انتصار سوريا وحزب الله على وكلائهم من الإرهابيين، وأنها ستتدخّل وتخلط الأوراق لإطالة أمد الصراع على هذه الأرض المُبتلاة ! .

 

ثالثاً: ولكن .. هل كل ما يتمنّاه (بلطجي) البيت الأبيض سيتحقّق، هل سيناريوهات العدوان القادمة يمكن أن تمرّ من دون ردّ سوري أو روسي أو إيراني ؟ ومن دون ثمن تدفعه واشنطن ويكون مؤلماً ؟ نحسب أن الأمر في سوريا وبعد هذه السنوات الست الدامية، ليس بهذه البساطة التي يتصوّرها (بلطجي البيت الأبيض)، إن النار المشتعلة هناك، إذا ما زاد – هو- وقودها اشتعالاً فستمتد إليه، وستحرق يده، وربما أجزاء أخرى حسّاسة من جسد دولته ومصالحها في المنطقة !! إن كل احتمالات الردّ واردة سواء فوق الأرض السورية أو في أماكن أخرى، وستتّسع رقعة المواجهة من نفط الخليج ومياهه إلى رمال غزّة وجنوب لبنان، إلى كهوف جبل الحلال في سيناء والعصابات الأميركية والسعودية الوهّابية المُسلّحة هناك (والتي لا تختلف عن تلك الموجودة في سوريا .. فلماذا لا ينطق الحُكّام في مصر وينسّقوا مع الدولة السورية  .. لا أفهم؟!) بل إن المعركة قد تصل إلى داخل الجغرافيا الأميركية والغربية ذاتها.

 

إن خلط الأوراق والتصعيد وإعلاء قِيَم البلطجة على قِيَم القانون، والحوار قد يفيد واشنطن مرحلياً، لكنه لن يفيدها استراتيجياً – قد يفيد إدارة ترامب في الاستثمار السياسي في مفاوضات جنيف، وما بعدها، إلا أن الحرب فوق الأرض السورية شديدة التعقيد، ولن يسهل لأميركا ضبط الإيقاع مع هذا الفلتان العقلي والسياسي والأمني في سوريا والمنطقة، لن يكون هناك مَن هو قادر على وقفه أو استثماره استراتيجياً وسينقلب السحر على الساحر كما يقول المثل !! .

 

إن ما قام، وما قد يقوم به (بلطجي البيت الأبيض) ترامب وأجهزته في سوريا، قد ينقلب عليه، وتلك سُنن السياسة والتاريخ، وأحد أهم دروس الحرب الدائرة في سوريا ..لكن يبدو أن حاكم البيت الأبيض يحتاج بعض الوقت لتعلّمه فلنترك الأيام  تعلّمه .. وإن غداً لناظره قريب !! .

قد يعجبك ايضا