الأسرى يوحدون فلسطين

موقع أنصار الله  ||مقالات ||بقلم / صادق الشافعي*/ وكالة القدس للأنباء

 

مرة جديدة، ينجح إضراب الأسرى في توحيد الفلسطينيين على قلب رجل واحد، في كل أرض الوطن الفلسطيني ومناطقه، وفي كل التجمعات والمنافي ومناطق الشتات.

 

حققوا التوحيد في وقت تحترق فيه القلوب والأرواح من نار الفرقة التي يصنعها الانقسام اللعين، وتكرسها أنانيات تغلّب التنظيمي والنفعي والمصلحي المفرّق، على الوطني والموحد.

 

منذ الأحداث الكبرى مثل الانتفاضات وأزمان التصدي لاعتداءات دولة الاحتلال العسكرية لم نشهد مثل هذا المستوى من التوحد الشعبي، ولم نشهد هذا الكم والتنوع والشمولية من الفعاليات المحتضنة للإضراب والمساندة له.

 

والجميل أن هذه النشاطات والفعاليات المساندة والتضامنية، تتم بشكل مخطط له ومنسق من قبل هيئات مجتمع مدني عديدة، في مقدمتها هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير في الضفة والقطاع، ولجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في مناطق 1948.

 

الحقيقة الراسخة التي يعيد الإضراب تأكيدها، أن الأسرى وقضيتهم ونضالهم تشكل مكوناً أساسياً من مكونات وجدان المجتمع الفلسطيني ومسار حياته اليومية. رسّخ هذه الحقيقة أن سلطات الاحتلال ومنذ عام 1967 أسرت واعتقلت حوالي مليون فلسطيني من مختلف الأعمار، من الجنسين، ومن كل المدن والبلدات والمخيمات والمناطق حتى أصبح هناك، قضية أسير/‏أسيرة وأسرى في كل بيت وكل عائلة.

 

الحقيقة الراسخة الموازية، أن حركة الأسرى شكلت مكوناً أساسياً من مكونات النظام السياسي والنضالي الفلسطيني بشكل عام، فرض ذلك نفسه عن طريق تنظيم الأسرى لأنفسهم ولمطالبهم ونضالهم، ثم الدور المشارك والمؤثر، والمبادر في معظم الحالات، الذي قاموا به في الحركة السياسية والنضالية الفلسطينية الجامعة وأيضاً، في الحياة الداخلية لتنظيماتهم ومواقفها.

 

أبرز الأمثلة على ذلك، الوثيقة المعروفة ب «وثيقة الأسرى» والتي أصبحت تعرف فيما بعد ب«وثيقة الوفاق الوطني» التي وضعتها الحركة الأسيرة وعالجت فيها بدايات الانقسام بوطنية ومسؤولية وموضوعية، وبعمق فكري وسياسي، وقدمت اقتراحات عملية وواقعية لتجاوز الانقسام. ولا تزال هذه الوثيقة، حتى الآن، الأنضج والأعمق، ومقترحاتها هي الأفضل لمعالجة الانقسام. مكّن الحركة الأسيرة من القيام بهذا الدور، إنها نجحت منذ البدايات الأولى في تنظيم نفسها في مواجهة الاحتلال وسلطات اعتقاله على قواعد: وحدة القيادة ووحدة التخطيط والتنفيذ ووحدة المطالب، وأصبحت قولاً وفعلاً «الحركة الأسيرة». ونجحت بذلك في انتزاع الكثير من حقوقها التي يكفلها لها المجتمع الدولي وهيئاته ولوائحه وأعرافه عبر نضالات متنوعة صعبة ومكلفة، منها الإضراب عن الطعام. على الرغم من أن سلطات الاحتلال غالباً ما كانت ترتد عن هذه المكاسب وتلغيها. ومكنها من القيام بهذا الدور أيضا، أنه كان في صفوفها دائماً، وكما الآن، قيادات مناضلة وذات تجربة من الصف الأول من مختلف التنظيمات. فقد ظل في صفوفها: الأمين العام وعضو المكتب السياسي واللجنة المركزية والقائد العسكري والكادر المجرب، إضافة إلى أعضاء من المجلسين الوطني والتشريعي.

 

إضراب الأسرى الحالي عن الطعام يأتي بعد أكثر من 20 إضراباً مشابهاً. يشارك فيه حتى الآن 1500 أسير، وينضم إليه أسرى جدد بشكل مبرمج ومتتابع.

 

تشارك في الإضراب كل التنظيمات رغم ما بينها، خارج أسوار السجون، من خلافات. ويقوم على نفس القواعد المترسخة، القيادة الموحدة والتخطيط والتنفيذ الموحد والمطالب الموحدة.

 

ويرفع الأسرى المضربون مطالب موضوعية، إنسانية محقة، وتنسجم بدرجة تامة مع حقوق الأسرى التي يكفلها المجتمع الدولي وهيئاته ومواثيقه وأعرافه. ومن أهم المطالب: استعادة الحق بزيارة ثانية وزيارة أقارب من الدرجة الثانية، الحق في الدراسة الثانوية والجامعية، الحق في العلاج الطبي الصحيح، إلغاء عقاب العزل اللا إنساني، إلغاء إجراء الاعتقال الإداري من دون تهمة محددة وبدون حكم قضائي. ولا يوجد أدنى شك بل ثقة عميقة، إن الإضراب سينجح، وسينتزع مطالبه من بين أنياب دولة الاحتلال مهما كانت قسوته وتضحياته.

 

إضراب الأسرى الحالي بقدر ما يسلط الضوء على قضية الأسرى وحقوقهم ومطالبهم، فإنه في الوقت نفسه يسلط ضوءاً ساطعاً على قضية الاحتلال المستمر دونما أضعف مؤشر إلى إمكانية انتهائه. وعلى سياسات الاحتلال وممارساته العنصرية والفاشية ضد المواطنين تحت الاحتلال، وعلى إنكاره التام لأي حق من حقوقهم الوطنية المشروعة كما يقرها المجتمع الدولي وهيئاته.

 

لذلك فإن مجابهة دولة الاحتلال وأجهزتها تحكمها قواعد وخلفيات أبعد من مجرد التصدي لتحدي الأسرى وإضرابهم عن الطعام. مجابهة دولة الاحتلال تصل إلى التعامل مع الأسئلة الأكثر إقلاقاً مثل دوام الاحتلال والسياسات العنصرية المتبعة والاستيطان، ومع أسئلة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

 

لذلك جاء رد فعل سلطات الاعتقال بالوسائل التي تتقنها: النقل والعزل ومنع الزيارة والتهديد ومصادرة الأغراض الشخصية… أما على المستوى السياسي فقد وصل ردها إلى حد النازية بالدعوة إلى إعدام الأسرى كما اقترح الوزير كاتس، أو تركهم حتى يموتوا جوعاً كما نادى الوزير ليبرمان.

 

الإضراب الحالي يدغدغ آمال الفلسطينيين بأن تمتد مفاعيله ومفاعيل الحالة الجماهيرية العارمة الملتفة حوله، إضافة إلى قدرة وبصيرة قيادته، لتفرض تأثيرها ودورها الإيجابيين في معالجة الوضع الخلافي المتأزم بين أطراف النظام السياسي. باتجاه إنهاء الانقسام الذي طال وتعمق بشكل شديد الأذى على القضية التحررية الوطنية الفلسطينية.

 

يعزز هذا الأمل، ان الدعوة إلى وحدة الصف الوطني الشعبي والرسمي تشكل لازمة من لوازم كل خطاب أو نداء أو تصريح تعلنه قيادة الإضراب، ويعززه أيضا أن كل الفعاليات المجتمعية لمساندة الإضراب تتم بشكل موحد تشارك فيه كل التنظيمات، ترفع نفس النداء، نداء الوحدة وإنهاء الانقسام.

 

والإضراب الحالي يطرح سؤالاً حول تحول الحركة الجماهيرية المساندة له إلى انتفاضة شعبية شاملة.

 

يعزز هذه الإمكانية اتساع الحركة الجماهيرية وشموليتها الشعبية المجتمعية والتنظيمية والجغرافية، ووحدة وتنوع وقوة فعالياتها. ويعززها ترابط وتكامل مطالب الإضراب مع أهداف النضال الوطني العام، ثم توقع إطالة زمن الإضراب واحتمالات مضاعفاته وما قد يفرضه ذلك من تطوير أشكال المواجهة ووسائل الدعم والإسناد الشعبية.

 

*كاتب فلسطيني

قد يعجبك ايضا