تفشي الكوليرا في اليمن.. من المتورط هذه المرة؟!
موقع أنصار الله || صحافة محلية || إبراهيم الوادعي/ المسيرة نت
التعبير عن الأسف والأسف العميق هو كل ما جنته هاييتي بعد أن أفضت تحقيقات لجنة مستقلة عينها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون إلى مسئولية الأمم المتحدة في تفشي وباء الكوليرا في هاييتي العام 2010م، توفي جراءه ما يربو عن 9 آلاف شخص وأصيب نحو 800 ألف شخص.
ما يزيد عن ألفي شخص مصاب بهذا الوباء في اليمن – حتى لحظة كتابة التقرير – وأعداد المصابين في ارتفاع مستمر، وفقا لبيانات رسمية تتغير على رأس الساعة، وتقول وزارة الصحة اليمنية إن محافظات يمنية دخلت دائرة المرض للمرة الأولى كمحافظة المحويت في موجة الانتشار الثانية للمرض الأشد فتكا والذي قد يصيب جميع المحافظات كما صرح بذلك مدير برنامج صحة الطفل بوزارة الصحة الدكتور نجيب القباطي، وقد يعجز القطاع الصحي وهو المثقل أصلا بتبعات الحرب والحصار عن مواجهة الوباء.
تستقبل المستشفيات اليمنية عشرات الحالات المصابة بوباء الكوليرا على مدار الساعة، وزارة الصحة اليمنية والسلطات المحلية ووسائل الإعلام أطلقت جميعها نداءات استغاثة، ولا تبدو الأمم المتحدة مكترثة بشكل ملحوظ.
ثمة حادثتان لافتتان تجعلان من قلق الأوساط اليمنية حول ما إذا كانت الأمم المتحدة قد تورطت بشكل أعمق في مجاراة العدوان على اليمن واستغلت اليافطة الإنسانية لزيادة معاناة اليمنيين، وإرغامهم على الاستسلام للرياض التي تدفع المال لقاء الخدمات من أي نوع مشروعا كان أو غير مشروع.
إذ ضبطت السلطات الأمنية والصحية في محافظة تعز في الثاني من مايو شاحنات تتبع لمنظمة الصحة العالمية وهي تقل شحنات أدوية منتهية الصلاحية في طريقها للتوزيع على عدد المستشفيات، ووجهت وزارة الصحة اليمنية رسالة شديدة اللهجة تدعو خلالها المنظمة إلى إجراء تحقيق شفاف، وتذكر من خلاله المنظمة أن المساعدات التي تقدم عبر الأمم المتحدة هي استحقاق ناشئ عن حالة العدوان والحصار.
والحادثة الأخرى تمثلت في نداء استغاثة وطلب فتح تحقيق وجهته هيئة حماية المستهلك بعد اكتشاف وصول سفينة مساعدات تتبع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وعلى متنها شحنات قمح فاسد، وسبق وصول الشحنة الفاسدة الإعلان للسكان في عدد من مديريات تعز عن قرب توزيع مساعدات غذائية لهم.
كما أن مركز التفتيش الأممي للمساعدات القادمة إلى اليمن أو البضائع في جيبوتي الذي أقامته دول العدوان هو الآخر أضحى نقطة للابتزاز والتسويف، والعشرات من الشحنات لم يجر الإفراج عنها إلا بعد تلفها، وبدلا عن إتلافها تمنح التصريح لدخول الموانئ اليمنية.
وهي في مجملها المساعدات الأممية وتلك القادمة من جهات أخرى لا تفي بحاجات 10% من المطلوب فعليا لسد الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن نتيجة العدوان والحصار.
وبالنأي عن الدور السياسي الخاضع لرغبات الأقوياء عالميا، ليست الأمم المتحدة أو منظماتها ببعيدة عن التورط بأعمال من شأنها مخالفة مهامها الإنسانية واستغلالها في الإضرار بالضحية لصالح الجلاد، هاييتي ليس البلد الوحيد الذي عملت فيه منظمات الأمم المتحدة بخلاف دورها الإنساني المطلوب، ففي لبنان وفر “اليونيفل” للعدو الصهيوني شريط فيديو عن عملية الأسر التي قام بها حزب الله لجنود صهاينة بخلاف دوره المعهود إليه مقتربا بالدور الأممي إلى دور الجاسوس.
وفي العراق مثلت الأمم المتحدة حصان طروادة لشن العدوان الأمريكي على العراق في 2003م وتجويعه أو بالأحرى إذلاله عبر ما عرف ببرنامج “النفط مقابل الغذاء” منذ العام 1990م.
ومنذ 26 مارس 2015م بدت الأمم المتحدة في وضع الخضوع الكامل للرغبات السعودية في اليمن، وهي عملت على حذف النظام السعودي من القائمة السوداء لقاتلي الأطفال برغم توثيق مكتبها في صنعاء لعشرات بل مئات الأطفال قتلوا وجرحوا بغارات للطائرات السعودية على العاصمة صنعاء ومحافظات يمنية، وانخرطت كذلك عبر موفدها للسلام ولد الشيخ في تضليل العالم بصرف الرواتب المتوقفة.
وحدها منظمات مستقلة من تتحدث عن جرائم الحرب التي يرتكبها العدوان السعودي الأمريكي في اليمن فيما تلزم الأمم المتحدة الصمت إزاء جلها إن لم يكن جميعها، وهي لم تبد دفاعا كافيا حتى عن أحد مسئوليها تحدث عن إسقاط قنبلة عنقودية في مارس من العام 2016م على إحياء سكنية في العاصمة صنعاء ووثقتها عدساات الكاميرات ومنظمات مستقلة.
وإذا كانت هاييتي احتاجت 6 سنوات من التحقيقات المضنية لتعترف الأمم المتحدة بفعلتها في نشر الكوليرا، فكم سيكون على اليمنيين الانتظار، لتعترف الأمم المتحدة بأنها لم تقم بما يجب لمواجهة الكوليرا في اليمن، أو الإفصاح عمن يقف خلف نشره في المحافظات اليمنية، ولا تريد الأمم المتحدة إغضابهم في الوقت الحالي، والكثير من هؤلاء يحتفظون بوسائل الحرب الجرثومية كما هو حال الجيش الأمريكي، وأدى تسريب بعض منها في السابق إلى وقوع مشكلات في داخل الولايات المتحدة وخارجها.
والحال عينه يقاس الصمت الأممي تجاه القضية الخطيرة واستيلاء الجماعات المسلحة التابعة للعدوان والمرتبطة “بالقاعدة وداعش” على حاضنات مزارع جرثومية تابعة لمستشفى الدرن في محافظة تعز، حادثة تسعى الولايات المتحدة للتستر عليها، فعمدت الخارجية الأمريكية إلى حذف خبر الحادثة من على موقعها بعد دقائق فقط من وضعه، وهو ما ضاعف من قلق خبراء صحيين وبيئيين حول تورط أمريكي وجهات دولية أخرى في هذه الجريمة.
ولا ريب أن منظمات الأمم المتحدة وثقت الأسابيع المنصرمة وفي أوقات سابقة قيام طائرات العدوان برش أطنان من غاز الكيمتريل المبدد للغيوم والأمطار وغازات أخرى، على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى – أعلنت عن ذلك السلطات اليمنية – بما يحمله ذلك من مخاطر صحية وبيئية، لكنها كعادتها ستلتزم الصمت.
ثمة مساعدة حقيقية وصادقة يمكن للأمم المتحدة والمجتمع الدولي القيام بها من أجل اليمنيين، وهي إيقاف العدوان ورفع الحصار المتسبب في كل هذه المعاناة الإنسانية والأوبئة.
وفي الخلاصات.. سيكون على السلطات اليمنية ألا تنتظر دعما أمميا أو دوليا لمواجهة الكوليرا، وإن حضر فلن يكون ذا تأثير أو أن الأوان قد فات.