كيف تنفذ أمريكا نظرية بريجنسكي للهيمنة على العالم؟

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي- لعبت نظرية مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق “زبغنيو بريجنسكي” التي طرحها في كتابه المعروف باسم “رقعة الشطرنج الكبرى” دوراً مهماً في رسم ملامح الاستراتيجية الأمريكية للهيمنة على مقدرات العالم.

 

ويُعد بريجنسكي البولندي الأصل واحداً من أبرز المنظرين السياسيين في فترة الحرب الباردة؛ أي عندما كان الاتحاد السوفيتي المنافس الأبرز لأمريكا في تلك الفترة التي امتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع تسعينات القرن الماضي.

 

وعندما يتم البحث بشأن الجماعات التكفيرية والإرهابية يبرز اسم بريجنسكي باعتباره المنظر الأبرز لظهور الحركات المتطرفة في أفغانستان خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر بين عامي 1977 و 1981.

 

وبقي اسم بريجنسكي يتداول بشكل ملحوظ على المستوى الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينات القرن الماضي وبروز أمريكا كقوة تسعى للهيمنة على العالم وتحويله إلى نظام “أحادي القطب”.

 

ومن النظريات التي قدمها بريجنسكي لترجمة أفكاره على أرض الواقع هي تلك المتعلقة بالمنطقة التي باتت تعرف باسم “البلقان الأوراسية”.

 

نظرية “البلقان الأوراسية” وعلاقتها بالثورات الملونة

 

يعتقد السياسي البولندي “جوزيف بيلسودسـكي” إن مساعي الاتحاد السوفيتي السابق للتوسع في أراضي الدول المجاورة له كانت تمثل فرصة مناسبة لأمريكا لتقويض قدرة موسكو في المنطقة والعالم.

 

ويكمن السر في هذه الفكرة التي تبدو متناقضة نوعاً ما بإمكانية تأثر الاتحاد السوفيتي سلباً بما يحصل من عدم استقرار في الدول التي كانت تقع تحت نفوذه في فترة الحرب الباردة.

 

وطبقاً لهذه النظرية سعى بريجنسكي لتوظيف الثورات التي وقعت في الدول التي كانت خاضعة للاتحاد السوفيتي من أجل إضعاف نفوذ موسكو في تلك الدول كمقدمة لتقويض قدرتها في المنطقة والعالم.

 

وذكر بريجنسكي في كتابه “رقعة الشطرنج الكبرى؛ الأولوية الأمريكية ومتطلباتها الجيوستراتيجية” إن منطقة البلقان الأوراسية التي تشمل مناطق جنوب غرب أوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأجزاء من جنوب آسيا توفر فرصة للدول الكبرى ومن بينها روسيا والصين للتدخل في شؤون هذه المنطقة، ولهذا لابدّ من الإسراع للحيلولة دون وقوع هذا الأمر وذلك من خلال إيجاد منافس قوي لهذه الدول في تلك المنطقة.

 

ويرى بريجنسكي إن الفترة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي شهدت تبلور قوى عالمية مؤثرة من خارج منطقة أوراسيا، وهذا الأمر بحسب اعتقاده يتطلب التحرك من قبل أمريكا للسيطرة على منطقة البلقان الأوراسية كمقدمة لإحكام السيطرة على باقي المناطق في العالم.

 

ويقصد بريجنسكي بذلك أن يكون لأمريكا حضور قوي ومؤثر قرب حدود الدول المنافسة لها على قيادة العالم خصوصاً روسيا والصين والهند وإيران وعدم إتاحة الفرصة لأي من هذه الدول للسيطرة وبسط النفوذ في عموم منطقة أوراسيا.

 

ويقترح بريجنسكي أن تقوم أمريكا ببسط نفوذها في منطقة البلقان الأوروبية كما فعلت روسيا في السابق ونجحت في ذلك، وذلك من خلال تشجيع الثورات الشعبية التي تحصل في هذه المنطقة بهدف إضعاف القوى المنافسة لاسيّما روسيا والصين وإيران.

 

وبدأ تطبيق هذه النظرية من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية الـ (CIA) بعد فترة قصيرة من صدور كتاب “رقعة الشطرنج الكبرى” وذلك بتشجيع ما عرف بـ “الثورات الملونة”* في عدد من دول منطقة البلقان الأوراسية.

 

وخلال العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تمت الاستفادة من اقتراح بريجنسكي لزعزعة الاستقرار في دولتين على الأقل هما أوكرانيا الواقعة ضمن الحزام الأمني الروسي، وسوريا المهمة في تعزيز الاستراتيجية الأمنية الإيرانية.

 

فقد ساهمت أمريكا في زعزعة الاستقرار في كل من أوكرانيا وسوريا بطرق تختلف عن الثورات الملونة التي حصلت في عدد من دول منطقة البلقان الأوراسية ولكنها ترمي إلى تحقيق نفس الهدف وهو إضعاف قوة روسيا وإيران من خلال إضعاف قوة حلفائهما في أوكرانيا وسوريا.

 

وتمكنت واشنطن من جر تركيا للتدخل في شؤون سوريا، كما تمكنت من جر بولندا للتدخل في شؤون أوكرانيا، وذلك من خلال دعم الجماعات المعارضة بالمال والسلاح وتدريب عناصرها على تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي السورية والأوكرانية.

 

——————————————————————————–

 

* يقصد بالثورات الملونة تلك الانتفاضات الشعبية التي تحمل أعلاما ذات لون مميز. وشهدت آسيا الوسطى “ثورات ملونة” بينها حمراء بلون الورد في جورجيا عام 2003 وبرتقالية في أوكرانيا عام 2004 وصفراء في قرغيزستان عام 2005.

قد يعجبك ايضا