نهايةُ الارتزاق: حزبُ الإصلاح إلى خانة الشياطين في القائمة السعوديّة
موقع أنصار الله || صحافة محلية || إبراهيم السراجي / صدى المسيرة
الهجومُ الإعلاميُّ لا يعني تخلياً عن الإصلاح، بقدر ما هو تكتيك يترافق مع مرحلة جديدة من المشروع الأمريكي لتقسيم اليمن
لا تفضّل واشنطن أن تظهَرَ جماعاتٌ أو أحزابٌ قوية حتى لو كانت تدينُ بالولاء للمشروع ذاته؛ ولذلك فإن تحجيمَ الإصلاح عسكرياً في اليمن يحقق لها عدة أهداف
قناة “الإخبارية” السعودية الرسمية تعتبر أن الإصلاحَ لم يعد مجرد معرقِل للحل السياسي في اليمن وأداة تنفيذ العمليات الإرهابية، بل بات أداةً تعملُ على إلحاق الهزيمة بالسعودية في حربها على اليمن
بات حزبُ الإصلاح وقياداتٌ عسكريةٌ ووزراء بحكومة الفار هادي، في نظر الإعلام الرسمي السعوديّ أخطرَ أدوات قطر في اليمن وباتوا هم المعرقِلين للحلّ السياسي والمسؤولين عن العمليات “الإرْهَابية” والاغتيالات التي طالت قياداتِ الجنوب خلال الفترة الماضية.
فمع بدء “الأزمة الخليجية” مع قطر بدأ الإعلام السعوديّ “شبه الرسميّ” مثل قناتَي “العربية والحَدَث” في الهجوم على حزب الإصلاح وقياداته، غير أن ذلك ورغم أهميته لكنه لم يكن كافياً للحُكم على موقف الحزب المؤيّد للعدوان التي ستضعه فيه قوى العدوان ذاتها، لكن الأمور تطورت وبدأ الإعلام الرسمي السعوديّ يهاجم الإصلاحَ هذه المرة بشكل صريح.
ويمكن القول إن الإعلام السعوديّ وضَعَ الإصلاح في قائمة “المنبوذين”، فيما وضع رسمياً أحد “أعمدة” ما يسمى الشرعية في قائمة “الإرْهَاب” وهو رئيسُ حزب الرشاد ومستشار الفار هادي وعضو وفده المفاوض في جنيف “عبدالوهاب الحميقاني”.
لكن من جانب آخر، فإن تلك التصنيفات والهجوم الإعلامي لا يعني تخلّياً عن الإصلاح، بقدر ما هو تكتيك يترافَقُ مع مرحلة جديدة من المشروع الأمريكي لتقسيم اليمن. فالإصلاحُ الذي تعرض لأسوأ التصنيفات من الإعلام السعوديّ على وقع الأزمة مع قطر هو ذاته الإصلاح المتواجدة قياداته في الرياض والتي تحظى بالدعم العسكري والمالي من قبَل السعوديّة، وسيظل الأمر كذلك طالما التزام الإصلاح بالتواجد في المناطق التي يحدِّدُها الأمريكيون وفقاً لخطة التقسيم القائمة على الأقاليم، بمعنى أن الإصلاحَ سيحظى بالرضا طالما تواجد في مأرب والجوف، حيث ما يسمى “إقليم سبأ”.
وينطبقُ الأمرُ على مكوّنات الحراك الجنوبي المؤيدة للعدوان، فعلى الرغم من أن السعوديّة ودول العدوان رفضت تشكيلَ ما يسمى “المجلس الجنوبي الانتقالي”، لكنها استقبلت قياداته في الرياض وتتعايش مع الدعم اللامحدود الذي تقدمه الإمارات، فمصدرُ رفض تشكيل المجلس الجنوبي هو دعوته لإقامة دولة في المحافظات الجنوبية، فيما يريد الأمريكيون أن يتم تقسيم الجنوب أيضاً ويدفعون قيادات الحراك للقبول بهذه الصيغة.
ووفقاً لباحثين في شؤون السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، لا تفضّل واشنطن أن تظهَرَ جماعاتٌ أَوْ أحزابٌ قويةٌ حتى لو كانت تدينُ بالولاء للمشروع ذاته؛ ولذلك فإن تحجيم الإصلاح عسكريّاً في اليمن يحقق لها عدة أَهْدَاف، منها إيجاد نوع من التكافؤ مع الجماعات المسلحة الأُخْـرَى ليستمر الصراع في مختلف أنحاء اليمن، وكذلك انكفاء الجماعات المدعومة أمريكياً في المناطق المحددة لها، وفي اليمن تكمن تلك المناطق في “الأقاليم” التي تخطّط لها واشنطن كغطاء لتقسيم اليمن.
اجتثاثُ الإصلاح من حضرموت وبعد ذلك عقد “مؤتمر حضرموت الجامع” وإعْلَان المحافظة “اقليماً” مستقلاً ضمن “دولة الأقاليم” يحقُّ له إعْلَانَ دولة مستقلة متى ما شاء، لم يكن كُلّ ذلك مجرد مصادفة بل يسير وفق المُخَطّط الأمريكي التقسيمي الذي لا تريد قيادات الإصلاح الخروج عنه رغم وضعها الحالي.
الإعلامُ السعوديّ يشيطنُ الإصلاح
حوّلَ الإعلامُ الرسمي السعوديّ حزبَ الإصلاح من “حليف” مدافِع وشريك فيما يسمى الشرعية إلى أداة قطرية إيرانية وجماعة إرْهَابية تعرقل الحل السياسي في اليمن. حدث ذلك خلال الأَيَّـام الماضية بسرعة خاطفة على ذات النحو الذي حوّلت فيه دول العدوان قطر من “عضو التحالف” إلى داعم للإرْهَاب وأداة إيرانية.
ووصل الإعلام السعوديّ الرسمي بشكل تصاعدي إلى نقطة اللاعودة في هجومه على حزب الإصلاح، وتولّت صحيفة “الوطن” الرسميّة السعوديّة إيصالَ الأمر إلى تلك النقطة، وسبقتها بشكل أقلَّ قناةُ “الإخبارية” الرسمية وقبل ذلك قناة العربية، وهي القناة “شبه الرسمية”.
وفيما كان الهجومُ غيرُ المباشر على الإصلاح من قبل السعوديّة يتم بغطاء الهجوم على “الاخوان المسلمين” التنظيم الذي تبرّأ منه الإصلاح للهروب من المأزق، إلا أنه ومع تصاعد الأزمة السعوديّة مع قطر بات الهجومُ مباشراً يسمّي الإصلاح باسمه.
صحيفة الوطن السعوديّة نشرت تقريراً في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي بعنوان “الدوحة تخترقُ اليمن برشاوى حزب الإصلاح وتستقطبُ قياداتٍ عسكرية”.
التقريرُ وضع الإصلاح في موقع أخطر من القاعدة ومن تسمّيهم الصحيفة “عناصر الانقلاب”، حيث نَصَّ التقريرُ على أن “اختراق قطر لليمن تجاوز دعم القاعدة وعناصر الانقلاب، إلى دفع رشاوى مالية وعقارية لقادة حزب الإصلاح؛ لمنع الوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية”.
وتجاهلت الصحيفة أن السعوديّةَ هي الراعي الرسمي للإصلاح في اليمن على ذات النحو الذي فعلت مع قطر، وبات الإصلاح وقطر مصدرَ تهديد ومؤامرات على المملكة، حيث تقول الصحيفة إن “قطر قدمت أراضيَ ومنحاً سكنية وفِلَلاً لعدد كثير من العناصر في الأحزاب المختلفة، خَاصَّـة حزب الإصلاح؛ من أجل تحريضها وشراء ولائها مقابل ما تخطط له قطر تجاه المملكة العربية السعوديّة ودول المنطقة”.
أما من وجهة نظر قناة “الإخبارية” السعوديّة الرسمية فإن الإصلاح لم يعد مجرد معرقِل للحل السياسي في اليمن وأداة تنفيذ العمليات الإرْهَابية، بل بات أداةً تعمل على إلحاق الهزيمة بالسعوديّة في حربها على اليمن.
وأثناء تغطية القناة لمزاعمها حول الدور القطري في اليمن عبر الإصلاح في برنامج “المشهد اليمني” قالت القناة إن حزبَ الإصلاح لديه علاقات مع من تسمّيهم الحوثيين ويسعى إلى أن لا تنتصر السعوديّة”، واستضافت القناة المحلل السياسي خالد الغنامي الذي قال إن الإصلاح لم يكن عَوْناً للتحالف، متناسياً أن الإصلاحَ خلافاً للقوى السياسية اليمنية كان الكيان السياسي الأكثرَ انخراطاً في العدوان، هذا لاستثناء بعض القيادات والفروع التابعة للإصلاح التي عارضت العدوانَ على اليمن.
أمّا قناة العربية السعوديّة “شبه الرسمية” فقد تولت إطلاقَ شرارة الهجوم على الإصلاح، وبثَّت تقريراً زعمت فيه أن من صور التدخلات القطرية في اليمن هي دعم تيار الإصلاح.
الشرعيةُ المزعومةُ في دائرة الاتهام السعوديّ
لم تقتصر قائمةُ الاتهامات التي أوردتها صحيفة الوطن السعوديّة على حزب الإصلاح وحده، بل تجاوزت ذلك، وصولاً لإدراج القيادات الكبيرة فيما يسمى “الشرعية” العنوان الذي اتخذته السعوديّة وتحالفها في العدوان على اليمن.
وقالت الصحيفة في هذا السياق إن “قطر قامت بتقديم مجموعة من العقارات والمُخَطّطات السكنية التي تتضمن فللاً فارهة وشققاً سكنية على أراضيها لعدد من قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح الذراع السياسي لجماعة الإخوان، إضَافَةً إلى قيادات كبيرة بالحكومة الشرعية اليمنية، بينهم أسماء تشغل مناصبَ عليا، مُشيراً إلى أن هذه المنحَ جاءت لأجل رغبة قطر في اختراق أي توافق بين القوى السياسية، ومنع الوصول إلى حل سياسي للأزمة اليمنية”، بحسب نص التقرير.
وأضافت الصحيفة أن “عمليةَ تسليم العقارات لتلك الشخصيات بدأت منذُ عام وبسريّة تامة، وتسلّمت تلك الشخصيات البارزة العقارات والفلل بعد تجهيزها واكتمالها، فيما تسلّم آخرون مجموعةً من الشقق السكنية، حسب مراكز ورُتَب، وأهميّة تلك الشخصيات”، مشيرة إلى أن “تلك الهبات القطرية شملت أَيْضاً هباتٍ مالية كبيرة، تم تسلُّمُها بشكل دوري لعدد من الشخصيات اليمنية مقابل التجسس والعمل المخابراتي الذي يخدم مصالح قطر، حيث تضمنت القائمة الأولية أكثرَ من 40 اسماً بارزاً”.
وتواصل الصحيفة اكتشافاتها بأن وزراء وقيادات عسكرية وألوية تابعة لما يسمى الشرعية متورطة بعمليات اغتيال طالت قيادات جنوبية، رغم أن تلك العملياتِ وكل عمليات الإصلاح وما يسمى الشرعية في الجنوب كانت تحت غطاء وإيعاز سعوديّ.
وقالت الصحيفة في هذا السياق إن “قطر قدمت رشاوى لقيادات كبيرة من أعلى الهرم إلى مستوى وزراء وقادة ألوية عسكرية، وقامت باستخدام أولئك القادة في عرقلة عمليات التحالف العربي في اليمن، وفي تنفيذ عمليات اغتيالات عدد من القادة الجنوبيين تحت حُجَج نيران صديقة بالخطأ”.
الولاياتُ المتحدة تخلُقُ صراعاتٍ بينية للتهيئة لمشروع تقسيم اليمن
تصاعُدُ الهجوم السعودي على حزب الإصلاح وقياداته ووزرائه المعينين من قبل الفار هادي -الجناح السعودي الذي يخوضُ صراعاً مع أجنحة الإمارات في الجنوب- يؤكد أن السعودية لا تعبّر عن قناعاتها في ذلك الهجوم، الذي قوبل باستغراب إعلامي كبير، ولكنها تعبّر عن مرحلة جديدة تدشنها الولايات المتحدة.
وعلى سبيل المثال، أدرجت السعوديّة والإمارات ومصر والبحرين، مستشارَ الفار هادي ورئيس حزب الرشاد الموالي للعدوان “عبدالوهاب الحميقاني” في قائمة الإرْهَاب؛ بتهمة الارتباط بأعمال قطر الإرْهَابية، بينما جاء الإعْلَانُ عبر وكالات الأنباء الرسمية للدول الأربع في وقت كان الحميقاني في مقر إقامته بالعاصمة السعوديّة الرياض.
الحميقاني كان وما يزالُ أحد أذرع المعسكر السعوديّ في اليمن، وكان عضو الوفد المفاوض عن وفد الرياض في مفاوضات جنيف مع الوفد الوطني، بالإضَافَة لكونه مستشاراً رئاسياً للفار هادي، وهذا يضع نقطةً إضَافَةً تؤكد أن الولايات المتحدة ترغَبُ بخلق صراعات بينية جديدة للتهيئة بشكل أفضل لمشروع التقسيم.
بالنسبة لحزب الإصلاح أَوْ عناصر ما يسمى الشرعية، سواء السياسية أَوْ العسكرية، فالأمر لا يتجاوز الوصول للحقيقة التي تحدثت عنها القوى الوطنية المناهضة للعدوان والرأي العام في الشارع اليمني، التي أكدت أن واشنطن والرياض لا يجدان حَرَجاً في الانقلاب المفاجئ على أدواتهم في المنطقة، انطلاقاً مما حَدَثَ لبعض الأنظمة العربية سواء في العراق أَوْ مصر وغيرهما.