محمد بن سلمان استثمار أميركي للمدى البعيد

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||  سراء الفاس “المنار”

ظَلَّ محمد بن نايف يوصف برجل أميركا الأول في المملكة السعودية، ويبدو أن الرجل كان يُعوّل على هذه السمعة لضمان العرش، وعلى رصيده كمهندس الأمن السعودي وقائد “الحرب على تنظيم القاعدة” في الداخل السعودي. الحرب بين المحمدَين كانت مستعرة، بين رجل بخبرة وعلاقات قوية بالأميركيين، وشاب عديم الخبرة يستفيد من رصيد والده الملك، وفي النهاية حسم “انعدام الخبرة” نفسه، ولكن بأي ثمن؟ وكيف اقتنع الأميركيون ببن سلمان؟

 

عهد التقارب مع “إسرائيل”

 

بدا أنّ محمد بن سلمان كان مستعداً لدفع أي ثمن يثبّته ملكاً على العرش السعودي. منذ اعتلاء والده العرش، وُضع ابنه محمد على سكة لا يُراد لها إلا أن تصل إلى العرش. الظهور الإعلامي الكبير لمحمد بن سلمان، ولقاؤه بأهم المسؤوليين الغربيين، وحضوره في اجتماعات والده بضيوفه كان يشي بكل ذلك. أبعد من ذلك، القرار المنفرد الذي اتخذه لشن الحرب العدوانية على اليمن، كان واضحاً ان المطلوب منه أن يسجل إنجازاً للأمير الشاب يمكّنه من تولي العرش بسلاسة، في بلد الولاية فيه تكون لصاحب الغلبة… ولم تتحقق هذه الغلبة.

 

الوصول إلى الرضا الأميركي كان أحد أهداف بن سلمان. نصائح ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد كانت واضحة في هذا المجال: مفاتيح العرش عند الأميركيين، والثمن فتح قناة مع “إسرائيل” وإصلاحات تُقلص من سطوة الدعاة الوهابيين، بحسب ما نقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني صيف العام الماضي.

 

وبصراحة، فإن الثمن الأول يستسهله محمد بن سلمان، إلا أن تقليص سلطة الدعاة هو الذي يبدو أصعب.

 

يُسجل على عهد سلمان بن عبدالعزيز، أنّه كرس فكرة التطبيع “إسرائيل”. في عهد الرجل، التقى الجنرال السعودي السابق أنور عشقي بمسؤولين صهاينة أكثر من 5 مرات، كممثل للممكلة. وفي العام 2016 دشّن تركي الفيصل أول لقاء علني بين أمير سعودي ومسؤولين صهاينة. ربما كانت تلك المحاولات مجرد جس نبض كيف يمكن ان يتعاطى العرب والمسلمين مع صورة تجمع بين حكام بلاد الحرمين ومحتلي المقدسات؟

 

سرعان ما تطورت الأمور، محمد بن سلمان نفسه التقى لاحقاً بعدة مسؤولين صهاينة. تنقل صحيفة “هآرتس” أن أحد هذه الاجتماعات حصل في إيلات عام 2015. وبحسب تقارير عربية، فقد جرى اللقاء يومها على خلفية تنسيق المواقف المشتركة ضد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الست.

 

وأعادت “هآرتس” التذكير بما سبق وكشف عنه موقع “عنيان ميركازي” العبري عن لقاء جمع نتنياهو مع بن سلمان على هامش القمة العربية التي استضافتها الأردن آذار/مارس الماضي.

 

الغيبوبة التامة للشارعين العربي والإسلامي ساهمت في الكشف عن رسائل سعودية علنية باتجاه كيان العدو. نقل ترامب إلى نتنياهو رسالة من الملك السعودي أكد فيها أن المملكة مستعدة للتطبيع الكامل مع “إسرائيل”. تناقلت وسائل الإعلام الخبر، ولم يخرج أي نفي سعودي. وقبل أيام نقلت صحيفة “التايمز” أن محادثات دبلوماسية تجري بين السعودية و”إسرائيل” لإقامة علاقات اقتصادية رسمية بين الطرفين، دون أن يصدر أي نفي سعودي.

 

بهذا يكون محمد بن سلمان، قد كسر أكبر الخطوط الحمر العربية والإسلامية، مسدداً الثمن مسبقاً طالما أن ذلك يؤمن وصوله إلى العرش. وهو ما دفع صحيفة هآرتس للتعليق يوم أمس بأن صعود “بن سلمان” خبر سعيد  لـ “إسرائيل” وأميركا.  وسرعان ما رحب وزير الاتصالات الصهيوني  أيوب قرا بتعيين محمد بن سلمان وليا جديدا للعهد في السعودية، مشيراً إلى ان الخطوة تعني “المزيد من التعاون في الشرق الأوسط”.

 

تقليص سطوة الوهابية

 

عام 1744 م، قامت الدولة السعودية الأولى بموجب اتفاق بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب. تقاسم بموجب الاتفاق المحمدان على الأدوار: يُعطى الأول السلطة السياسية التي تحمي دعوة ابن عبدالوهاب، ويُمنح الثاني السلطة الدينية التي تشرعن سياسات ابن سعود. كانت القاعدة الأبرز في اتفاق الرجلين: “الدم بالدم والهدم بالهدم”.

 

وظلت القاعدة والاتفاق قائمين في الدولة الثانية وبرزت بشكل أكبر في الدولة الثالثة التي أسسها عبد العزيز. يتولى أمراء آل سعود السلطة السياسية، وتُسند السلطة الدينية لآل الشيخ (أحفاد محمد بن عبدالوهاب). يمثل الطرفان ركنا الحكم القائم وأي تصادم بين الجهتين لن يكون بالوارد. تحمي السياسة الدعاة، ويسوّق هؤلاء للسلطة، ويشرعنون قراراتها.

 

ولأن مواجهة المؤسسة الدينية لن تكون في صالح بن سلمان مع وجود خصوم متضررين من سلطته ضمن أمراء آل سعود، يتجه محمد بن سلمان إلى معالجة الانتقادات شبه اليومية التي توجهها الصحف والمواقع الأجنبية للمملكة، في مساعٍ يقنع بها الأميركيين أنه قلص من سطوة الوهابية.

 

في نيسان/أبريل 2016، قرر مجلس الوزراء السعودي إلغاء صلاحيات “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”. برر الإعلام السعودي ان الانتقادات الحادة التي تطال عمل الهيئة هي السبب خلف اتخاذ القرار. وذهب القرار الوزاري إلى وضع معايير معينة لانضمام أعضاء الهيئة الذين يعرفون بـ”المطاوعة”.

 

لاحقاً نقلت وكالة “بلومبيرغ” أنّ بن سلمان مستعد للسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. وقال في مقابلة معها ان لا مشكلة لديه مع المؤسسة الدينية فيما يخص قيادة المرأة ، مشيراً إلى أن مشكلته مع الذين “يحاولون تشويه الحقائق على المؤسسة الدينية كي لا تحصل النساء على حقوقهن”، في تجنب لتصادم مباشر مع المؤسسة الدينية.

 

وفي الشهر الماضي صدر قرار ملكي بتعديل قانون ولاية الرجل على المرأة، الذي كان يحتم على النساء الحصول على موافقة ولي الأمر، سواء الوالد أو الأخ أو الزوج، قبل السفر أو الدراسة أو الحصول على بعض الخدمات الصحية.

 

استثمار للمدى البعيد

 

أميركياً.. ما الذي يدفع الإدارة الأميركية إلى تبني مشروع محمد بن سلمان كمشروع ملك؟

في آب/اغسطس المقبل، سيحتفي بن سلمان بعيده الثاني والثلاثين. وعند توليه العرش سيكون محمد بن سلمان أصغر ملك سعودي في تاريخ المملكة. ربما تعوّل الولايات المتحدة على هذه النقطة. ملك شاب، بشعارات تغييرية. على مدى الفترة الطويلة الجيل السعودي الذي سيتربى على صورة الملك المقبل وعلى اطروحاته التغييرية سيثبت استقرار المصالح الأميركية في المنطقة، وعلى رأس هذه المصالح “أمن إسرائيل”.

 

تنظر الولايات المتحدة إلى الأمير الشاب بأنه يؤسس لمرحلة حكم طويل ومستقر في المملكة التي يقلقها التحول من صيغة تداول الحكم بين أبناء المؤسس عبدالعزيز إلى أبناء الجيل الثالث من الأحفاد. على مدار الفترة الطويلة التي يتيحها عمر بن سلمان، سيستطيع الملك المقبل تثبيت آليات الحكم والموازين السياسية، وسيضمن المصالح الأميركية لخمسين عاماً على الأقل، فيما لو قورن عمر بن سلمان بعمر ملوك السعودية عند وفاتهم.

 

ولعل الإدارة الأميركية، تراهن على إدارة شابة تعكسها التعيينات السعودية الأخيرة. في استثمار بعيد المدى. وتنظر إلى محمد بن سلمان كاستثمار ناجح يضمن استقرار الحكم، بعد أن قدم كل أوراق الاعتماد سلفاً التي تضمن المصالح الأميركية لخمسين عام مقبل، وكله لاستحصال رضا العم ترامب.

قد يعجبك ايضا