كاتب فرنسي: سوريا منتصرة ..وعلى عملاء ’اسرائيل’ أن يقلقوا
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
ترجمة :عقيل الشيخ حسين*/ العهد الاخباري
كصباح ملؤه السكينة، شيئاً فشيئاً يصبح المشهد أكثر صفاء في سوريا. من موقع الهجوم في كل مكان، استعاد الجيش الوطني آلاف الكيلومترات المربعة من الأراضي إلى الشرق من حلب وحمص ودمشق. وهو يتهيأ الآن لاستعادة السيطرة الكاملة على الحدود السورية – الأردنية والسورية – العراقية، أي على المناطق التي كان يمر منها المرتزقة القادمون لنهب وتدمير مهد الحضارة من أجل الحصول على حفنة من دولارات النفط.
هذا الجيش الشجاع المكون من جنود الاحتياط يقوم، خلال إعادة السيادة للدولة على التراب الوطني، بإذلال كل أولئك الذين كانوا يحلمون بتدمير هذه الدولة الصامدة، وكل أولئك الذين كانوا يريدون رؤيتها مدماة لأنها تجرأت على إفشال مخططاتهم الاستعمارية الجديدة.
منتصرة على الصعيد العسكري منذ تحرير حلب، سوريا السيدة منتصرة أيضاً على الصعيد السياسي.
يبدو بعيداً ذلك الزمن الذي كان يمكن فيه لصحيفة “لوموند ديبلوماتيك” [الفرنسية] أن تتنبأ، دونما خشية من السقوط في الإسفاف، بمنفى ذهبي لأسرة الأسد في مكان ما من سيبيريا. الرئيس السوري رأى خصومه يمرون الواحد تلو الآخر وهم يرددون الحماقات نفسها على بلد يجهلون عنه كل شيء.
رحيل بشار الأسد كان يجب أن يكون، على ما كان يقوله الغربيون، “شرطاً مسبقاً” للخروج من الأزمة. لكن العكس هو ما حصل في الواقع. فالمقاومة التي أبدتها الدولة السورية التي يشكل رئيسها بيضة القبان هي من تطلبت بقاءه. وحيث يمكن لكثيرين أن يطلقوا سيقانهم للريح، بقي القائد في موقعه. وحسناً فعل.
لوران فابيوس، ذلك المعجب بتنظيم القاعدة والمتحمس له، كان يقول بأن رئيس الدولة السورية “لا يستحق البقاء على وجه الأرض”. لقد عض فابيوس باضراسه الحجر! إذ في الوقت الذي يتحذلق فيه فابيوس مخموراً في المجلس الدستوري، ها إن الأسد ما يزال يمسك دفة القيادة في دمشق، وجيشه يسحق شلل الجماعات الطائفية التي كان فابيوس يراوده الأمل بانتصارها، فيما الشعب السوري يذوق طعم الأمل المتجدد بالوصول إلى مخرج من الحرب. والمدهش، مع القادة الغربيين، هو ولعهم بالكلام بسرعة زائدة عن الحد. فخلال ست سنوات، لم تقف صحافتهم المأجورة عن تكرار الكلام المكرور عن الانهيار الوشيك للنظام السوري. ولحسن حظ الصحافيين أنهم لا يتقاضون رواتبهم تبعاً لصدق تنبؤاتهم.
ولفهم أسباب الصمود السوري أمام هذه الهجمة العالمية غير المسبوقة، كان يكفي الرجوع إلى مصادر ذات مصداقية وأن يكون هنالك حرص على الحكم بطريقة نقدية. لكن حلا لأجهزة البروباغندا أن تزعم أن شعباً بكامله يقف في وجه “الطاغية”. وكان من الممكن للجميع أن يشاهدوا على شاشة قناة “الميادين” في آذار / مارس، وتشرين الأول / أكتوبر 2011، تجمعات شعبية بالغة الضخامة تؤيد “الحكومة والإصلاحات”.
كانت الجماهير تملأ الشوارع في دمشق وحلب وطرطوس وغيرها وهي تهتف بولائها للدولة الوطنية العلمانية وبرفضها للشريعة الوهابية. لكن وسائل الإعلام الغربية كانت تفضل أن تسلط آلات التصوير على تجمعات أصحاب اللحى وتحاول تمريرهم كما ولو كانوا انتفاضة شعبية.
أحداث كبرى ولا محيد عنها -إذا كان المقصود هو فهم الأحداث- لم تشكل موضوعاً لأية سردية، في حين كانت وسائل الإعلام تعرض “وقائع” هي عبارة عن فبركات بحسب احتياجات الأوضاع. كان “الثوار المعتدلون” يقومون مثلاً بإبادة أفراد أسر الموظفين البعثيين في حين كانت هذه الفظائع تنسب إلى الجيش الوطني المتهم بأنه “يطلق النار على المدنيين”.
كانت أصابع المحافظين الجدد في واشنطن تتحرك بمنتهى النشاط، ولهذا فإن هذا النوع من الأكاذيب كان أكثر من متوقع. “بينما تتكلمون عن الواقع الذي نقوم بإنتاجه، نكون قد أنتجنا لكم واقعاً جديداً”، هذا ما كان يقوله كارل روف، مستشار جورج دابليو بوش والداعية المميز لـ “الفوضى البناءة”.
لحسن الحظ أن لحظات تأتي ويأتي معها وضع الوقائع على المحك لتفتضح معها الأكاذيب الأكثر فجاجة. يغدو من الصعب تكرار الحماقات الاعتيادية عندما يهجر الناس المناطق التي يحتلها المتمردون. فالجيش يستعيد المناطق المحتلة شيئاً فشيئاً وتستفيد الحكومة بالطبع من الدعم الذي يقدمه الحلفاء بلا هوادة.
وبعد أن تخلت وسائل الإعلام الغربية عن عبارة “النظام في وضع ميؤوس منه”، تخلت أيضاً عن سخريتها المعتادة بـ “الانتصارات الخادعة” التي تحققها دمشق. كان ينبغي، لغرض التسلية، أن نحتفظ بالمئات من المقالات التي كانت تزعم أن الروس والإيرانيين “سيتخلون عن بشار”، وبأن أمر “الطاغية” قد انتهى.
وحده جان-بيار فيليو ما زال يصر على القول، كأسطوانة مشروخة، بأنه “لم يعد هنالك وجود للجيش السوري”. ولكن، فوق أي كوكب يعيش هذا الرجل؟
منتصرة على الصعيد العسكري في المواجهة مع جماعات التكفيريين، ومدعومة من قبل غالبية الشعب السوري الذي يريد الخروج من هذه المأساة، ومرتاحة بفعل حركة تحالفات تميل لصالحها… سوريا السيدة ترى الآن نهاية النفق. لكن الإمبريالية معتادة على عدم التخلي عما تمسكه بمخالبها، ما يعني أن الطريق ما يزال طويلاً. غير أن تلاحق الأحداث في “حرب الصحراء” ينبئ بالمزيد من تسارع الانتصارات.
حرب تراجعية تخوضها قوة بدأ نجمها بالأفول، والاستفزازات العسكرية الأميركية لن تغير شيئاً في الواقع. وآخر الاعتداءات التي تمثلت بإسقاط طائرة سوخوي 22 روسية لم تؤد إلا إلى إنهاء التوجهات الروسية-الأميركية للتعاون ضد داعش، حيث أعلنت موسكو أن كل جسم طائر غريب سيكون من الآن فصاعداً هدفاً للدفاعات الجوية الروسية.
وهذا الاستفزاز دفع الإيرانيين أيضاً إلى إجراء أول عملية قصف بالصواريخ ضد مواقع داعش في سوريا. وهذه الخطوة الإيرانية أثبتت أن التحفظ لم يعد وارداً منذ أن بلغت المواجهة مع واشنطن حداً بالغ الخطورة.
والواقع أن هذا التصعيد في التوتر يخدم دمشق التي تقف بحزم ضد الوجود الغربي في الأراضي السورية الوطنية، وحيث إن الحليف الروسي يضع مصداقيته على المحك عند كل استفزاز أميركي.
وحتى لو استولى حلفاء الولايات المتحدة من العرب والأكراد على الرقة، فإنهم سيجدون أنفسهم داخل المأزق، والجيش السوري سيأخذ المدينة منهم قريباً جداً. ومع قرب طردها من عاصمتيها المغتصبتين في الموصل والرقة، ومع فقدانها لطرق الإمداد، ومع وقوعها بين فكي كماشة القوات العراقية والسورية، فإن داعش في وضع صعب.
لكن هذا ليس كل شيء. تحقيق أجرته وول ستريت جورنال تضمن معلومات قيمة جداً حول الدعم الإسرائيلي للإرهابيين في سوريا الذين يقومون بمهمة حماية الجولان المحتل. وغير عابئة بمصير هؤلاء الإرهابيين، سخرت مجلة المتمولين في نيويورك بصدد الأموال التي تدفع “نقداً” إلى متزعمي الجماعات الإرهابية.
عندما تنتهي دمشق من داعش، سيكون على عملاء المحتلين [الإسرائيليين] أن يقلقوا. أما عن أولئك الذين يزعمون الدفاع عن القضية الفلسطينية ويطالبون باسلحة للإرهابيين في سوريا، فإنهم موبوؤون حقاً : لأن “إسقاط بشار الأسد هو أفضل وسيلة لحماية إسرائيل”، على ما قالته هيلاري كلينتون.
بعد ست سنوات من ترويج الأكاذيب، ها هي الأقنعة تتساقط. سوريا واجهت الاحتلال الصهيوني في العام 1948-49، وفي الأعوام 1967، و1973، و1982، ولم تستسلم أبداً. واليوم، تقترب ساعة الحقيقة، بات من المعلوم من هو المهزوم، ومن هو المنتصر.
*الكاتب : Bruno Guigue ،عن موقع Mondialisation.ca الالكتروني