15 عاماً من جرائم الطائرات بلا طيار الأميركية
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||رنا حربي/ الاخبار اللبنانية
أعاد قرار محكمة أميركية، رفض دعوى رفعتها عائلة ضحايا غارة على اليمن عام 2012، إلى الواجهة، السجل الدموي للضربات التي تنفذها الطائرات دون طيار الأميركية، في أكثر من سبعة بلدان، والتي حصدت أرواح الآلاف من المدنيين منذ بدء ما يُسمى «الحرب على الإرهاب»
رفضت محكمة استئناف اتحادية أميركية دعوى قضائية مقدمة من عائلة يمنية تتهم الولايات المتحدة بقتل اثنين من أبنائها «دون ذنب» في ضربة نفذتها طائرة بلا طيار. وقالت المحكمة في قرارها الصادر الجمعة الماضية، إن «صلاحياتها لا تكفي للنظر في قرار الحكومة الفيدرالية بشأن تنفيذ الغارة».
وهذه القضية واحدة من قضايا كثيرة مشابهة، وتعود حادثة الاستهداف المذكور إلى عام 2012، فيما رفع المتضررون منها (عائلة مدرس وإمام مسجد معارض لتنظيم «القاعدة» هو سالم بن علي جابر، وشرطي محلي وليد بن علي جابر) الدعوى في 2015، تحت عنوان «قتل من طريق الخطأ»، ضد البيت الأبيض والرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، مطالبين واشنطن بالاعتراف بأنّ الغارة «تخالف القانون الأميركي والدولي».
وفق وثائق المحكمة، قُتل الرجلان (جابر) في ضربة صاروخية نفذتها طائرة أميركية بلا طيار على بلدة خشامر في محافظة حضرموت في آب 2012، واستهدفت ثلاثة عناصر في «القاعدة». وتقول عائلة سالم إن الأخير، الذي غالباً ما كان يهاجم «القاعدة»، طلب من ابن أخيه وليد مرافقته إلى اجتماع طلبه العناصر الذين قتلوا في الضربة، بهدف «حمايته».
وتلقي هذه القضية الضوء على «الاستراتيجية» العسكرية الأميركية التي تعتمد كثيراً على الطائرات بلا طيار في العمليات الخارجية، بما في ذلك في المناطق الواقعة خارج دائرة الصراع، ولا سيما أن هذه الضربات، التي غالباً ما توصف بـ«الغامضة»، حصدت أرواح الآلاف من المدنيين في أكثر من سبعة بلدان في السنوات الماضية.
ومنذ إعلان واشنطن بداية عملياتها العسكرية في ما يُسمى «الحرب على الإرهاب»، تحت مبرر «حماية الأمن القومي» عقب هجمات 11 أيلول 2001، كانت اليمن، إلى جانب باكستان وأفغانستان والعراق، في طليعة البلدان التي تحولت إلى مسرح لضربات طائراتها. وفي اليمن وحدها، أدت 15 عاماً من هذه الضربات، التي بدأت رسمياً في 2002 مع قصف صحراء مأرب، إلى وقوع الآلاف من القتلى المدنيين بالتوازي مع اتساع نفوذ «القاعدة».
وبرغم صعوبة الحصول على معلومات دقيقة عن هذه العمليات، تشير التقارير إلى تصاعد استخدام تلك الطائرات في اليمن بعد 2012، مقابل تراجع استخدامها في باكستان، حيث سُجلت أولى الضربات لطائرات بلا طيار هناك في 2004. وفي 2012، أشاد الرئيس اليمني حينذاك عبد ربه منصور هادي، في مقابلة أجراها خلال زيارته الولايات المتحدة، بتزايد الضربات الأميركية على بلاده، مؤكداً موافقته على استخدام هذا النوع من الطائرات التي وصفها بـ«الأعجوبة الفنية».
بعد أقل من عام على تصريحات هادي، قتل 15 مدنياً على الأقل في ضربة استهدفت موكب زفاف في كانون الأول 2013، ما عرّض واشنطن آنذاك لانتقادات واسعة في وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية. إذ هاجمت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في تقرير بعنوان «من عرس إلى مأتم»، الولايات المتحدة، متهمة إياها بـ«قتل مدنيين بعشوائية… وانتهاك قوانين الحرب»، فضلاً عن مخالفة سياسة أوباما الذي شدد في 2013 على أن «هدف الطائرات بلا طيار يجب أن يشكّل تهديداً وشيكاً».
مع ذلك، لم تمنع تلك «المجزرة» هادي من تكرار تأييده هذه العمليات العسكرية، بل شدد أيضاً في اجتماع مع المنظمة نفسها (كانون الثاني 2014) على أنه «يسمح بهذه الغارات عموماً» وليس في حالات وأوقات محددة ضمن اتفاق بينه وبين واشنطن. وظلت المنظمات الحقوقية تواصل تأكيد أن هذه الضربات «غير شرعية»، وأنها تسبب وقوع ضحايا مدنيين في كل البلدان التي تستخدم فيها، إذ قالت «منظمة العفو الدولية» في تقرير بعنوان «هل سأكون الهدف المقبل؟…»، إن الضربات الجوية استهدفت أشخاصاً «لم يشكلوا خطراً على حياة الأميركيين»، داعية إلى محاكمة المسؤولين بتهمة «ارتكاب جرائم حرب».
وفي السنوات القليلة الماضية، انتشرت عشرات التقارير عن الضحايا المدنيين لهذه الغارات، كذلك ازدادت وتيرة تغطية قصصهم في اليمن منذ بداية العام الجاري. ففي شباط الماضي، دعت «هيومن رايتس ووتش» الحكومة الأميركية إلى إجراء «تحقيقات ذات صدقية» في غارة وسط البلاد أواخر كانون الثاني الماضي ذهب ضحيتها 16 مدنياً على الأقل، بينهم 9 أطفال، وسبّبت تدمير 20 منزلاً على الأقل. وانتشرت صور الضحايا من الأطفال على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن ضمنها صورة نوار العولقي البالغة من العمر ثماني سنوات، التي قتل والدها بضربة لطائرة بلا طيار عام 2011 ثم أخوها (16 عاماً) في ضربة مماثلة بعد أسبوعين.
ووفق مقالة للباحث في «مركز العلاقات الخارجية الأميركية» ميكا زينكو، نشرته مجلة «فورين بوليسي» العام الماضي، إن «عدد الضحايا من المدنيين في عمليات قصف الطائرات بلا طيار يفوق العدد المعلن»، في إشارة إلى إعلان حكومة أوباما أن هذه الطائرات قتلت «116 مدنياً من طريق الخطأ» ما بين 2009 حتى نهاية 2015، وهو رقم أقل من تقديرات المنظمات غير الحكومية.
كذلك، لا تقتصر «الأضرار الجانبية» على المدنيين فحسب، بل تصيب «الحلفاء». فمثلاً، قتلت طائرة بلا طيار أميركية في 23 نيسان الماضي ثلاثة من عناصر «الحراك الجنوبي» الحليف لهادي وتحالف العدوان الذي تقوده السعودية وتدعمه الولايات المتحدة، في محافظة شبوة. ولعل من أشهر «الأخطاء» في الاستهداف، كان مقتل رهينتين (أميركي وإيطالي) كانا بقبضة «القاعدة» منذ 2011 و2012، في ضربة مماثلة في 2015.
ويتضح مع انتخاب أي رئيس أميركي جديد أن استخدام الطائرات بلا طيار في الهجمات العسكرية هو «التكتيك» المفضّل لواشنطن، إذ أثبتت الأرقام اعتماد أوباما عليها على نطاق أوسع من جورج بوش، ولا سيما عقب انسحاب عدد كبير من الجنود الأميركيين من مناطق الحرب. ورغم إقرار الأول في 2013 بـ«سقوط ضحايا في صفوف المدنيين بضربات الطائرات لى طيار… هذه الأرواح ستلاحقنا إلى الأبد»، تضاعف عدد الهجمات التي استخدمت فيها هذه الطائرات في الشرق الأوسط بين 8 إلى 10 مرات في عهده (372 هجوماً على الأقل)، مقارنة بعهد سلفه (51 هجوماً).
وكان موقع «ذا انترسبت» قد نشر في تقرير، بعنوان «وثائق الطائرات بلا طيار»، صوراً أوضحت مدى اعتماد أوباما على هذه الطائرات، التي تنطلق من قواعد جوية في جيبوتي وإثيوبيا والسعودية، ويقدّر عددها بأكثر من سبعة آلاف، خلال العمليات العسكرية التي شهدها عهدها في منطقة الشرق الأوسط. أيضاً، كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية قد كشفت أن أوباما «أعطى الإذن بتنفيذ 542 ضربة أدت إلى مقتل 3797 شخصاً في مناطق ليست أماكن صراع، ولا تتمركز فيها القوات الأميركية».
وبينما اقتصرت الغارات الجوية بهذا السلاح في عهد بوش على أفغانستان وباكستان والعراق والصومال واليمن، توسعت في عهد أوباما لتشمل، بالإضافة إلى هذه الدول، سوريا وليبيا. أما الآن، فيتوقع المراقبون تصاعد الاعتماد على هذا السلاح خلال رئاسة دونالد ترامب «بنسبة قد تصل إلى 150% بحلول 2019»، وهو الأمر الذي بات جلياً في اليمن، حيث عادلت الضربات الجوية الأميركية هناك خلال أول 100 يوم من عهد ترامب تلك التي شهدها البلد خلال ولايتين كاملتين من حكم أوباما. ووفق «نيويورك تايمز» (آذار الماضي) أعطت الإدارة الأميركية الجديدة البنتاغون «الضوء الأخضر لشنّ غارات جوية وتنفيذ عمليات كوماندوس في اليمن من دون موافقة مسبقة من البيت الأبيض»، وكانت آخر هذه الضربات الأحد الماضي، حين شنت طائرات بلا طيار سلسلة غارات قالت واشنطن إنها «استهدفت تجمعات للقاعدة» في محافظة أبين.