لماذا تعارض ’اسرائيل’ اتفاق المنطقة الآمنة في الجنوب السوري ؟
شارل أبي نادر / العهد الاخباري
لقد بدا للمتابعين مؤخرا، ان معارضة رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو المستجدة للاتفاق الاميركي – الروسي حول المنطقة الآمنة في الجنوب السوري، ظهرت على خلفية اجتماعه في باريس بالرئيس الفرنسي ماكرون، في الوقت الذي كان اغلب مسؤولي كيان العدو، ومن ضمنهم نتنياهو، قد اعربوا سابقا عن موافقتهم على الاتفاق المذكور، لا بل كان قد ذهب بعضهم للتبجح بأن لـ”اسرائيل” دورا فاعلا في إخراجه، فهل من علاقة للاجتماع المذكور في باريس بهذا الرفض الاسرائيلي المستجد؟ وما هي اسباب التبدل بموقف “اسرائيل”؟ وهل هي تناور في ذلك ام انها اكتشفت بعض المعطيات التي تدفعها للاعتراض على هذا الاتفاق؟
في الظاهر، ما يعني “اسرائيل” من الحرب في سوريا، نقطتان مهمتان، الاولى: إبعاد حزب الله وكل من له علاقة بايران عن الحدود مع الجولان المحتل، وايضا ابعاد اي تأثير للاثنين على المواطنين السوريين عن تلك الحدود، والثانية: منع امتلاك حزب الله اسلحة كاسرة للتوازن مهما كان مصدرها، روسيا، صينيا، ايرانيا او سوريا، وهذا ما كانت “اسرائيل” تعبر عنه دائما في الديبلوماسية وفي المحافل الدولية من جهة، وعملياً عبر اعتداءاتها الدائمة بالقاذفات والصواريخ، او عبر مساعدتها الواسعة ورعايتها لمسلحي الجنوب السوري من جهة اخرى.
هذا في الظاهر، اما في الحقيقة فإن ما يهم “اسرائيل” هو أبعد من ذلك بكثير، وما اعتراضها على الاتفاق الاميركي – الروسي حول المنطقة الامنة في الجنوب السوري، إلا بسبب ما اكتشفت من نتائجه العملية في سوريا، أو بسبب ما استنتجت مؤخرا ما ستكون عليه هذه النتائج، ويمكن تلخيص ذلك بما يلي :
– لقد تفاجأت “اسرائيل” بالتقدم السريع والواسع للجيش العربي السوري في البادية السورية شرقاً وشمالاً وجنوباً، الامر الذي كانت تعتبره صعب الحصول في هذه الفترة القليلة من الوقت، وبعد أن كانت تراهن على انشغال هذا الجيش بمعركة ملاحقته لـ”داعش” مما سيؤخر وصوله الى الحدود السورية – العراقية، رأت بأم العين اكتمال وتوسُّع ترابط محور المقاومة البري من طهران الى بيروت مرورا ببغداد وبدمشق عبر البادية السورية، وما يقدمه لدول هذا المحور استراتيجيا واقتصاديا وعسكريا، وهذا الذي كانت تخشاه دائما وترى انه لا يمكن مقارنته بما خسرته هذه الدول من الانحسار بضعة كيلومترات عن الجولان المحتل، تبعا للاتفاق المذكور حيث كانت هذه النقطة من انتاجها ولمصلحتها .
– ايضا، تفاجأت “اسرائيل” بما يدور الحديث عنه حول المعبر الآمن المُزمع انشاؤه وحمايته، بين لبنان والاردن عبر سوريا، والذي سيعيد تقريبا بالكامل الحركة الاقتصادية بين الدول الثلاث الى مستواها السابق، مما سيؤثر ايجابيا على علاقة هذه الدول فيما بينها، وما يمكن ان ينسحب على ذلك من تقارب قد يمتد لان يكون ابعد من الاقتصاد، الامر الذي تعتبره من الناحية الاستراتيجية مُضرّاً لها، وحيث ستنزع هذه العلاقة من يدها التأثير على مسلحي الجنوب السوري وبيئتهم، وستخسر ورقتها التي عملت عليها كثيرا خلال معارك الجنوب وخاصة في الموضوع الانساني الذي استغلته لاكثر من ذلك .
– لقد ذهلت “اسرائيل” ايضا من التدحرج الدراماتيكي (في نظرها طبعا) للتسويات والمصالحات المرتقبة في الجنوب السوري، في الوقت الذي كانت تراهن على عكس ذلك، اقله في المدى القريب، وهي تنظر بعين الحسرة لمعلوماتها الاستخبارية الدقيقة حول هول ما هو مرتقب على هذا الصعيد، الامر الذي سيعيد بالكامل نفوذ الدولة السورية، ونفوذ “النظام” أيضاً حسب ما يوَصِّفونه، وحيث من الطبيعي ان ذلك سيقوي، بطريقة غير مباشرة، نفوذ حزب الله وايران في الجنوب السوري وامتدادا الى الحدود مع الجولان المحتل، فتكون قد وقعت من جديد في ما حاولت المستحيل لابعاده ولعدم حصوله.
– ويبقى أنه ليس سهلا، التأثير غير المباشر في تكوين الاعتراض الاسرائيلي للاتفاق، فيما رشح عن اجتماع نتنياهو بالرئيس ماكرون، اولا: في اعتبار الاخير للاول ان سياسة “اسرائيل” الاستيطانية ستعقد الوضع اكثر، وذلك ردا على تصوير نتنياهو ان هذا الوضع معقد، وثانيا في رد الرئيس الفرنسي على نظيره الاسرائيلي عندما اعتبر الاخير ان مبادرة التسوية الفرنسية المقترحة لحل المشكلة الفلسطينية “غير جيدة”، بالتوجه الى نتنياهو سائلا ماذا ينوي ان يفعله لدفع مسيرة التسوية الى الامام، وحيث اعتبر نتنياهو ان هكذا مواقف فرنسية مترافقة مع امن وسلام في الجنوب السوري، وايضا مع نفوذ كامل للدولة السورية، سيعقد الوضع بوجهها وسيزيد من الضغط الدولي والاقليمي على مخططاتها، الامر الذي يستدعي “خربطة” الاتفاق الاميركي – الروسي .
واخيرا … من الطبيعي ان تعمل “اسرائيل” على إفشال الاتفاق المذكور، ومن الطبيعي ان تبحث وكعادتها على خربطة كل المشاريع التي تثبّت وتُوسّع الفوضى في سوريا وفي المحيط، فهل ستنجح هذه المرة ام ان معمودية الحرب الظالمة على سوريا وخروج الاخيرة منها منتصرة، سوف تفرض مناعة تعيد التوازن الى المنطقة مع تثبيت قوة وحضور الدور السوري وحلفائه؟