’إسرائيل’ القلقة على أمنها من الجنوب السوري

 

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||سركيس ابو زيد/ العهد الاخباري

 

الأحداث والتطورات التي يشھدھا جنوب سوريا تقلق “إسرائيل”، لا سيما لجھة التموضع المستجد للجيش السوري، وإمكانية أن يتيح ذلك تعاظم التأثير الإيراني في كل من العراق وسوريا، وأن تستفيد قوى المقاومة من فرصة وجود الجيش السوري ھناك لنشر قواتها على مقربة من الحدود التي تتصل مع “إسرائيل” والأردن.

 

هذا ما دفع الكيان إلى الإعتراض بشدة على اتفاق وقف النار في الجنوب السوري الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا خلال قمة العشرين في مدينة ھامبورغ الألمانية مؤخراً، رغم محاولات روسيا طمأنتھا من أن موسكو وواشنطن تأخذان في الاعتبار مصالح “اسرائيل”، وسوف تفعلان كل ما يلزم لمراعاة مصالحھا، عند إنشاء مناطق خفض التوتر في الجنوب السوري.

 

 

“إسرائيل” اعتبرت أن الاتفاق بصيغته الحالية سيء للغاية، فھو لم يتضمن كلمة واحدة واضحة عن إيران وحزب لله.. والاتفاق يُبعد إيران مسافة 20 كيلومتراً فقط عن الحدود مع”إسرائيل”، ما يعزز الوجود الإيراني على الحدود الشمالية لـ”إسرائيل” ويھدد مصالحھا الأمنية، وأوضحت للأميركيين أنھا تتحفظ على أن تناط مھمة فرض وقف النار في مناطق التھدئة بالقوات العسكرية الروسية وحدھا.

 

وإذا كانت روسيا وتركيا ستراقبان مناطق شمال سوريا، وإيران وروسيا ستراقبان المناطق التي سيتم إنشاؤھا في وسط الدولة، فإن روسيا وحدھا ستراقب المنطقة الأمنية في الجنوب، قرب ھضبة الجولان، وقرب درعا في الأردن، وتقسيم الرقابة ھذا يحمل في طياته بالنسبة لـ”إسرائيل” قدراً كبيراً من الھدوء، إذ إن روسيا التي كانت قد تعھدت في شھر آذار لـ”إسرائيل” بأنھا تمنع وجود القوات الإيرانية وحزب لله قرب الحدود، تمنح الآن ضمانة فعلية لھذا التعھد، خصوصاً بعد أن اھتمت قبل ذلك بتراجع معظم عناصر حزب لله من منطقة ھضبة الجولان، ولكن ذلك غير مضمون إلى الأبد، لذلك تريدھا منطقة معزولة تماماً.

 

مصادر دبلوماسية مراقبة ترى أن التوافق الأميركي – الروسي على الترتيبات في جنوب غرب سوريا قد يتضمن إبعاد إيران وحزب لله عن المنطقة المحاذية للجولان.. والأردن، وھو جزء مھم من التفاھمات الأميركية – الروسية، مستفيد أيضاً كشريك، لأن الترتيبات أبعدت إيران وحزب الله عن الحدود مع الأردن، بينما إيران تعتبر أن الوجود العسكري غير السوري في الجنوب غير مقبول.

 

ھذه المواقف تكشف خلافات حقيقية بين “إسرائيل” وكل من أميركا وروسيا، واحتجاجاً “إسرائيلياً” على أن الدولتين لم تأخذا في اعتباراتھما القلق “الإسرائيلي” من الوجود الإيراني في سوريا ولم توافقا على مطلبها باشتراط الاتفاق بإخراج قوات المقاومة من الأراضي السورية.

 

 

فلكيان الاحتلال في سوريا حساباته التقديرية الاستراتيجية للمخاطر والتطورات، وهو ما دفع نتنياھو لطرح الاستراتيجية الإسرائيلية في كل محفل دولي وفي كل لقاء ثنائي مع زعماء العالم، فھو يعتبر أن الظروف قد تغيّرت جوھريا، مما يوجب تغيير المصالح والمطالب، ويعتقد بأن سوريا لم تعد دولة مستقلة، بل لم تعد دولة طبيعية وأصبحت مرتعا لأعداء “إسرائيل” اللدودين (إيران وحزب لله)، وھذا ما دفعه الى التوجّه لكل من روسيا والولايات المتحدة بطلب الاعتراف بقرار ضم الجولان لـ”إسرائيل” وكذلك إقامة “مناطق عازلة” على طول حدود “إسرائيل” مع سوريا، وعلى طول حدود سوريا مع الأردن، إذ إنه يعتبر أن التسويات المطروحة للمسألة السورية حاليا تدل على أن النفوذ الإيراني سيبقى، بل وربما سيتعزز، و”إسرائيل” لن تقبل بأن يقترب الإيرانيون أو حزب لله أو أي طرف مقرّب منھما من الحدود ويھدد أمن المنطقة.  لذلك نتنياهو  يطالب بضم الجولان، وكذلك بحصة “إسرائيلية” دسمة من الكعكة السورية تتجاوز ھضبة الجولان، شرقا وجنوبا، على شكل حزام أمني منزوع السلاح.

 

وكشفت معلومات في السياق ذاته أن السلطات الإسرائيلية الأمنية تسعى لتشكيل جيش سوري تابع لھا، في المنطقة الجنوبية من سوريا على الحدود مع الجولان المحتل وعلى الحدود مع الأردن، لكي يتصدى للامتداد الإيراني.. والفكرة الإسرائيلية مأخوذة من نموذج قريب زمنيا وجغرافيا، من لبنان، إذ تريد تشكيل “جيش سوريا الجنوبي” على غرار “جيش لبنان الجنوبي”، الذي أسسته في منتصف السبعينات من القرن الماضي بقيادة سعد حداد ثم تولى قيادته أنطوان لحد.

 

مصادر إسرائيلية أكدت أن ھدف ھذه القوات سيكون منع سيطرة حزب لله والوحدات المناصرة لإيران في منطقة ھضبة الجولان، بعد انتھاء الحرب ضد “داعش”، وانصراف القوات الأميركية من المنطقة.

 

فيما رأت أوساط دبلوماسية في بيروت تتابع عن كثب التطورات الجارية في المنطقة، أن: “الاتفاق الروسي – الأميركي ينقل الأزمة السورية إلى أعلى مستوى ممكن، بالتالي يجعل كل اتفاق أو قرار بشأنھا قابلاً للنفاذ، بعد أن علقت المبادرات والحلول لسنوات طويلة في الاستعصاء الذي فرضته توازنات القوة بين المتنازعين المحليين والإقليميين وتناقضاتھم”.

 

فإذا صمدت ھدنة الجنوب السوري المتوافق عليھا دولياً وإقليمياً، واستقر مسارھا، وإذا انتھت معركة الرقة خلال الأسابيع المنظورة، فإن المناطق التي يسيطر عليھا حزب “الاتحاد الديمقراطي” شمال شرق سوريا مرشحة بقوة لأن تكون محل نقاش عام، سوري وإقليمي ودولي، لأن يحدد مصيرھا المؤقت بانتظار التسوية الشاملة.

 

 

المواجھة الأخرى المؤكّدة ستخوضھا تركيا لإحباط أي مشروع لدويلة كردية محاذية لحدودھا شمال سوريا، أو في أسوأ الأحوال لتكبيل أي كيان كردي بكثير من القيود لمنعه من التحوّل الى دولة.. ھذه معركة تجمع بين إيران وتركيا وتتجاوز خلافاتھما، بل تجمعھما مع الحكومة السورية التي لا تزال مؤثرة في المعادلات الدولية والإقليمية.

 

جاء التوافق بين ترامب وبوتين ليشكل أول اختبار ميداني حاسم أميركي – روسي بما يمكن تسميته طريقة الاتفاق على تقاسم النفوذ في المنطقة الجنوبية بداية، ونجاح خطوة الجنوب ستؤدي لاحقاً الى إنجاز اتفاقٍ شبيه لوقف إطلاق النار شمالاً، ولكن مع إدخال العنصر التركي بدلا من الأردني، وھذا ما يفسر بدء وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون مھمة إصلاح العلاقات بين بلاده والأتراك المتوجّسين من دور الأكراد والمكاسب التي يطمحون اليھا بعد القضاء على “داعش”.

 

في الختام، ما زالت خارطة النفوذ في سوريا خاضعة لتطورات الصراع الميداني الذي يشهد تصاعد سيطرة الجيش السوري وحلفائه على الارض من جهة، ومن جهة اخرى قلق واضراب “اسرائيل” وتركيا وقوى الارهاب، وفي كل الحالات التسوية السلمية في سوريا تقررها موازين القوى في الميدان، لاسيما انتصارات المقاومة الأخيرة في جرود عرسال.

قد يعجبك ايضا