اقتلاع ’القاعدة’ من الجرود.. سلب الإسرائيلي أهم أوراقه اللبنانية

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||جهاد حيدر / العهد الاخباري

 

بالقياس إلى كافة السيناريوات والرهانات التي كانت تعقدها تل ابيب على مستقبل الأحداث في الساحة السورية، تحقق أحد أشدها خطورة على الامن القومي الإسرائيلي. بدءاً من صمود الرئيس الاسد على رأس النظام، واستنفاد الرهانات على امكانية تغيير المعادلة الميدانية، وصولا إلى اضطرار الدول الاقليمية، ومعها الولايات المتحدة، للتكيف مع الواقع الذي فرضه الميدان. تجلت معالم هذا التسليم – على ما يبدو – في الاتفاق الروسي الاميركي بخصوص الجنوب السوري، والذي جاهرت تل ابيب بمعارضته. ووضع انسداد الرهانات الاستراتيجية من البوابة السورية، وتهاوي سقوفه المتفاوتة بفعل هزيمة المخطط الاميركي – التكفيري، وضع “إسرائيل” أمام واقع اقليمي ولبناني جديد.

 

الى ما قبل اقتلاع القاعدة من الجرود، الذي مهد الطريق الى اقتلاع داعش في المرحلة التالية، أدى تراجع الرهانات على الساحة السورية، الى رفع قيمة ودور الجماعات الارهابية – النصرة وداعش – في الجرود اللبنانية، (على أمل امتلاكها القدرة على الصمود في مواجهة حزب الله)، على خلفية أنها القدر المتبقي من هذا الخيار، وحوَّلها إلى “عملة نادرة”، يحتاجها الإسرائيلي الذي بات يبحث عن وسائل وأدوات أخرى لاشغال واستنزاف حزب الله، تهدف إلى اضعافه وتقييده وتشغله عن مواجهة سياسة التوثب الإسرائيلي.

لا يعني ذلك، أن دور الجماعات المتموضعة في الجرود اللبنانية انعدم بالمطلق في الساحة السورية، وانما تراجع إلى مستوياته الدنيا. أما دورهم المركزي فبات موجها إلى الساحة اللبنانية، أولا لتموضعهم في لبنان، وثانيا لفقدان عمقهم السوري، بعد تحرير مناطق واسعة من سيطرتهم في ريفي حمص ودمشق.

مع ذلك، فإن الدور الوظيفي للقاعدة وداعش في الجرود، في سياق الاستراتيجية الإسرائيلية، وما يمكن أن يترتب عليه من رهانات، مشروط اولا، باستمرار سيطرة هذه الجماعات. وامتلاكهم القدرات والتحصين الذي يوفر لهم الحماية، وتحول مناطق سيطرتهم إلى منشأ لتهديد العمق اللبناني والجبهة الداخلية لحزب الله.

لكن الذي حصل أن حزب الله بادر إلى عملية عسكرية قاسية وخاطفة، استطاع خلالها اقتلاع السيطرة العسكرية لتنظيم القاعدة – جبهة النصرة، وكما أشرنا مهد في الوقت نفسه الطريق لاقتلاع تنظيم داعش، بغض النظر عن الوسائل والجهات والادوات..

حتى الان، لم تقتصر نتائج العملية العسكرية على شطب السيطرة العسكرية لتنظيم القاعدة، بل أدت ايضا إلى اقتلاع الرهان عليه – في تل ابيب – كمصدر تهديد عسكري للجبهة الداخلية في لبنان، وكعامل اشغال واستنزاف وتقييد لهامش حزب الله في مواجهة أي عدوان إسرائيلي.

مع ذلك، الطامة الكبرى بالنسبة لصانع القرار في تل ابيب، أن نجاح حزب الله لم يقتصر فقط على الجانب العسكري. بل الذي حصل أن عمليته العسكرية حظيت بتأييد شعبي واسع، ربما لم تحظَ بمثله أي عمليات مشابهة في الكثير من المراحل السابقة. ويأتي ذلك تحديدا في المرحلة التي يتركز فيها الجهد الاميركي والاقليمي والإسرائيلي، على محاولة “تشويه” صورة حزب الله في وعي الرأي العام اللبناني والعربي.

في السياق نفسه، شكلت هذه العملية العسكرية الناجحة، ايضا، ضربة قاصمة للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة، وبعض أدواتها اللبنانية والعربية، بهدف تقديم حزب الله كمشكلة للبنان. لكن الذي حصل بعد هذه العملية، أن حزب الله بات في نظر الاغلبية اللبنانية، قوة دفاع وحماية للبنان في مواجهة التهديد التكفيري، وهو ما حذر منه رئيس الساحة الشمالية في الاستخبارات العسكرية، من ضمنها لبنان، بالقول في 22/4/2016، إن “حزب الله تحول فعلا إلى درع لبنان”.

على المستوى العسكري، الواضح أن نجاح العملية العسكرية التي نفذها حزب الله في منطقة جبلية معقدة، وعلى مساحات واسعة، وخلال وقت قصير، وفي مواجهة تنظيم القاعدة، يعني الكثير بالنسبة لصانع القرار في تل ابيب، وبالنسبة للمؤسسة العسكرية تحديدا، التي باتت ترى في حزب الله، باعتراف كبار قادتها جيشا محترفا، و”جوزة لا تكسر”.

الترجمة العملية لهذا المفهوم في وعي وحسابات صناع القرار السياسي والامني، يرتبط تحديدا بحقيقة أن تنامي قدرات حزب الله الهجومية، وبمستويات استثنائية، سوف يعزز من قوة ردع حزب الله في مواجهة أي عدوان. خاصة وأن حزب الله سبق أن أعلن أن رده على أي عدوان إسرائيلي واسع لن يقتصر فقط على الرد الصاروخي، وانما ايضا، بات من ضمن الخطط العملانية، السيطرة على الجليل. وهو ما سيكون له مفاعيل استراتيجية على معادلة الصراع مع “إسرائيل”.

إلى ذلك، بما أن رهانات “إسرائيل” تتمحور على القوى الاقليمية وما يمكن أن توفره من فرص لها، فلقد أدى اقتلاع تنظيم القاعدة (لجهة السيطرة العسكرية) إلى سلب هذه الجهات الاقليمية، إحدى أهم أوراقها في لبنان. ولا يخفى أن هذه النتيجة سوف تنعكس ايضا على ضعف الخيارات البديلة بالنسبة للعدو الإسرائيلي.

قد يعجبك ايضا