ازمة الشرق الاوسط؛ الاسباب والحلول
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
الوقت التحليلي- لا يعاني الشرق الاوسط من فوضى وعدم الاستقرار فقط بل يعيش حالة من اتساع الاضطراب والاختلال نتيجة لسياسات الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة، يبدو ان امريكا لم توضح بشكل مفهوم ادائها تجاه هذه المنطقة.
وفقا للمعطيات والتطورات الحادثة، ان المسؤول الاول عن الفوضى القائمة حاليا في الدول الاربع اي سوريا، العراق، يمن وليبيا هي بلا شك امريكا:
1-تعود بدايات الازمة السورية الى بعض الاخطاء من جانب الحكومة السورية تجاه المطالب الشعبية انذاك وايضا الخلافات السياسية الداخلية كانت تؤشر الى قيام حرب اهلية، قامت الاحزاب والتيارت والمؤسسات السياسية السورية بإتخاذ تدابيرهم وذلك بالتنسيق من جهات خارجية والتي كانت من جانبها تُبدي اغراءات لهؤلاء تبشرهم بسقوط الحكومة السورية خلال 3 او 6 اشهر لا اكثر. فكان اعلان الحرب على الحكومة السورية لا يحتاج سوى بيان رسمي ليتم الاعلان عنه. ظهرت السعودية وتركيا المدعومتان امريكيا بشكل واضح لإثارة الاوضاع واشعال فتيل الحرب والاقتتال في سوريا فأغلقوا الابواب بوجه اي محاولة لحل الأزمة سلميا كما وضع الحواجز امام حلفاء سوريا لمنع انقاذ وحلحلة الازمة القائمة. وكانت امريكا على رأس هذه الفوضى التي احرقت سوريا بحريق الشرق الاوسط.
2- من اهم عوامل عدم الاستقرار في العراق هو الاحتلال الامريكي لهذا البلد ومن ثم خروج امريكا منه ونقل سياستها للمجاميع المسحلة التي كان دورها ينوب عن امريكا في اشاعة القتل والدمار. ادى كل ذلك الى ظهور جماعات دينية تكفيرية ومتطرفة كتنظيم داعش الارهابي الذي تعدّى خطره العراق ووصل الى اوربا.
3-كان بإستطاعة امريكا تقديم رؤية تحليلية واضحة للحكام السعوديين لمنع هجومهم على اليمن لكنها تصرفت بنوع من التعمد لإيقاع السعودية في فخ اليمن. تتشابه حرب السعودية على اليمن بحرب صدام على الكويت عام 1990 حينما غضت امريكا بصرها في بداية الحرب لتبدأ بعدها حملتها على المنطقة تحت مسمى تحرير الكويت.
4-المطالبات الشعبية الليبية كمثيلتها السورية لجأت الى الاستراتيجية العسكرية لتغيير نظام القذافي فلجأ الناتو الذي تتزعمه امريكا للاستناد على قرارات رقم 1973 لمجلس الامن وبدأت بهجومها البحري والجوي على ليبيا ودمرت جميع مؤسساتها السياسية والعسكرية لتضحى ليبيا دولة لا تملك مراكز صنع القرار مما ادى الى استشراء الفوضى بشكل اكبر.
لذلك ووفقا لما ذُكر تتحمل امريكا الفوضى القائمة في الشرق الاوسط. وفي ظل الظروف الراهنة اذا ما تمعن شخص بعمق وبنظرة ثاقبة الى الخارطة الحالية للشرق الاوسط سيرى ان اول نتائج هذه الفوضى هي تقسيم الشرق الاوسط والذي لا يعارض المصالح الامريكية ويصب بصالح الأمن الاسرائيلي فيما ستدخل دول المنطقة الى حروب طويلة.
في هذه الظروف يجب الاستناد على استراتيجية وسياسة ذكية للدخول الى هذه الازمة، وفي غير هذه الطريقة سيكون بمثابة الدخول الى وحل تنزلق فيه الاقدام التي تريد الوطئ عليها:
1-الفكر السياسي الذي كان قائما على التطرف الداعشي والتكفيري بات في خبر كان ولن يستطيع استكمال ما یسمی خلافته الاسلامية سواء في العراق او في سوريا. ما تبقى من هذه الخلافة المزعومة ليس سوى مقاتلين سيطر على عقولهم الفكر الداعشي الباطل وهُم مجرد هيكلية عسكرية تؤدي الدور المناط اليها في العراق وسوريا من قبل الاستخبارات الاقليمية والدولية. وسيتم القضاء على هذا الهيكل العسكري قريبا لكن السؤال الاكبر يبقى متداولا، مَن مِن الانظمة السياسية السنية ستكون البديل المناسب لداعش؟ هل ستخلفهم القوات التركية ام السعودية في ذلك؟ هل يستمرون في تكريس الفكر التكفيري المتطرف في المجتمعات الاسلامية ام هنالك طرق اخرى؟
2-بات الدور الروسي في الشرق الاوسط وعلى الاقل في سوريا عيانا للجميع. بعد المواقف السيئة لروسيا سابقا كإخراج القوات السورية وانتزاع سلاح المقاومة في لبنان بعد قرار 1559 وقرار 1644 عن المحكمة الدولية لاغتيال رفيق الحريري والهجوم الجوي على ليبيا واقامة منطقة حظر طيران هناك تنفيذا لقرار 1937، الّا ان موسكو الحالية اتخذت سياسة مغايرة وبدى ذلك واضحا في سوريا بعد تبنيها لسياسة قوية مُضادة للسياسات الامريكية لكن الشرق الاوسط ليس سوريا فقط. ماذا سيكون موقف روسيا في العراق واليمن ولبنان في مقابل سياسة آل سعود؟ هل ستقف امام مؤمرات تقسيم الشرق الاوسط؟ كيف ستتعامل مع اسرائيل في معادلة سياسية صعبة؟ في حين ان حليفتها سوريا تُتعبر عدو من الدرجة الاولى لإسرائيل. تؤشر المعطيات في ظل الخلافات الحادة بين روسيا وامريكا، بإمكان التحالفات الروسية مع حلفائها في الشرق الاوسط ان تلعب دورا مهما لفترة بعيدة. بإستطاعة روسيا وسياستها الرادعة لأمريكا ايقاف سير سياسة الأخيرة في الشرق الاوسط وبإستخدام قدرتها الدولية تستطيع الاسهام في حلحلة ازمات الشرق الاوسط وموازنتها. من المتوقع ان تتحالف روسيا مع الصين نظرا لثقلهما السياسي والعسكري لتميل كفة الموازنة في الشرق الاوسط لصالحهما مع حلفائهم لا لصالح امريكا. لكن في نفس الوقت لا يمكن ان نحكم على سياسات الصين في الشرق الاوسط حيث ان ازمة الشرق الاوسط وعلاقة الصين النفطية معها من الممكن ان يكون لها الأثر الأكبر على اقتصاد الصين وسياستها الخارجية.
3-بالتأكيد ان الازمة الاقليمية الحالية لن تُحل بالخيار العسكري ولن تدخل اي قدرة عسكرية في حرب تؤدي الى حرب عالمية اخرى بل يجب على الخيار العسكري ان يؤدي الى حلول سياسية تُثمر عن خارطة سياسية جديدة للشرق الاوسط. تعمل امريكا على استهلاك اقتصاد الدول الاقليمية واللاعبين الدوليين و تسعى لتخريب التقارب بين هذه الدول كي تُزيد من قدرة استيلائها على الشرق الاوسط. وعلى هذا الضوء حتى اذا اتسعت دائرة الصراع المسلح فلا بد من التوصل في النهاية الى خطة سياسية استراتيجية تتضمن حماية المصالح الوطنية للبدان. وتُعتبر سوريا اكبر ميدان لتجربة هكذا سياسة حيث لم ترتسم فيها الخارطة السياسية بعد وليس واضحا ما هي السياسة البديلة عن الحرب في سوريا.
4-مع جميع الأزمات السياسية والعسكرية بين دول المنطقة، تشكل إيران وتركيا و السعودية الاساس لتسوية سياسية في الشرق الاوسط واذا ما وصلوا الى توافق سياسي بينهم, آنذاك من الممكن ان نأمل بإستقرار سياسي للمنطقة. اذا ما اجمعت هذه الدول فيما بينهم مثلا على رفضهم لتقسيم الاوسط فلن يتحقق الانقسام، اما اذا سلكت احدى هذه الدول الثلاث مسارا معاكسا لتلك الاثنتين سنشاهد استمرار المؤامرات المدمرة على الشرق الاوسط.
5-من الصعب اثبات ان سياسة امريكا والاتحاد الاوربي تجاه الشرق الاوسط واحدة. بإمكان ازمة الشرق الاوسط التوغل سريعا داخل الاتحاد الاوربي لذلك عليها ان ترتبط بأزمة الشرق الاوسط ارتباطا وجوديا. تأثير التطورات في السنوات الست الماضية داخل الشرق الأوسط على أوروبا هو خير دليل على هذا الادعاء، على الاتحاد الاوربي ان يكون اكثر واقعية من امريكا التي تبعد آلاف الكيلو مترات عن الشرق الاوسط ولكن ازمة الاخير ممكن نقلها سريعا من خلال البحر المتوسط والحدود التركية الى الاتحاد الاوربي لذلك ممكن النظر الى الاتحاد الاوربي كشريك مقبول لتبديل الحل العسكري للشرق الاوسط الى حل سياسي. الاختبار الاول لهذه التجربة يجب ان يكون في سوريا.
6-استفتاء كردستان العراق من شأنه ان يكون نقطة البداية لصراعات جديدة والتنفيذ الفعلي والعملي لتقسيم الشرق الاوسط حيث له تداعيات خطيرة على جميع دول المنطقة وشعوبها. من الضروري إتخاذ سياسة موحدة تجاه قضية الاستفتاء قبل ان تُفتح الابواب للغرب بالدخول بشكل اكبر الى الشرق الاوسط.
7-تلعب اسرائيل دور الجندي المجهول في ازمة الشرق الاوسط. المستفيد الاكبر من تقسيم او استمرار الازمة العسكرية للشرق الاوسط هي اسرائيل، الّا اذا توفرت الظروف لكشف وجود تغيير في الدور السرّي لإسرائيل ودخولها للّعبة العسكرية في الشرق الاوسط ليكون حافزا اكبر لأمريكا لتنهي حالة الهرج المصطنعة من قبلها في الشرق الاوسط. يجب على كل حال عدم التغافل عن دور اسرائيل في حل الازمة السورية.
8-تستخدم امريكا جميع الوسائل المتاحة للاستفادة من الشرق الاوسط. عندما توجهت القوات السورية مع حلفائها نحو الحدود المشتركة مع العراق تم استهدافها ثلاث مرات من قبل القوة الجوية الامريكية، وقد وصلت هذه القوات الى الحدود العراقية لتلقي هناك مع الحشد الشعبي العراقي. وفي حادثة مشابهة حصلت مؤخرا تم استهداف الحشد الشعبي الذي كان يتوجه نحو الحدود المشتركة مع سوريا من قبل الطيران الامريكي. هذين الحادثتين يدلان على مؤشر خطير ان امريكا تواصل زعزعتها للمنطقة وخاصة الحدود العراقية السورية. تُظهر المؤشرات ان امريكا تسعى لإطالة عمر داعش تحديدا على الحدود العراقية السورية وفي دير الزور باستخدام ورقة داعش. لذلك يتحتم تحرير دير الزور واحتوائها لكسر ظهر الارهاب وتقليل تواجدهم.
9-تحرير حلب والموصل، وصول القوات السورية المشتركة الى الحدود العراقية، تحرير مناطق واسعة من تدمر ومؤخرا تحرير الحدود الشرقية للُبنان، جعلت من القوات العراقية والسورية واللبنانية قدرة عظيمة لها القدرة على تغيير المعادلات العسكرية خلافا لمصالح امريكا وغاياتها. سعت امريكا كثيرا الى عرقلة جهود هذه القوات، ففي العراق تسبب الادارة الامريكية الى ايجاد عقائب امام قوات الحشد الشعبي لذلك تسبب عدة مرات الى توقف العمليات العسكرية لكنها عجزن عن ذلك حيث استطاع الحشد الشعبي وبتنسيق كامل مع الجيش العراقي وبقية القوات المسلحة من تحرير الموصل وإفشال الخطة الامريكية. وينطبق هذا تماما مع قوات حزب الله اللبنانية في معركتهم الاخيرة مع ارهابيي جبهة النصرة وايضا ذات السلوك مع القوات واللجان الشعبية السورية. وهذا ما يفند الادعاءات والاتهامات التي تُلصق بهذه القوات بأنها ارهابية ولم تجدي نفعا مساعيهم الفاشلة. يبين هذا الامر ان الجبهة العسكرية القوية التي تشكلت في عمليات التحرير الاخيرة لها القدرة على تضئيل التحركات الامريكية في المنطقة، لكن في النهاية يجب استثمار هذه القدرة لإيجاد حل سياسي واضح لأزمة الشرق الاوسط.
10-تعميم وقف اطلاق النار تنفيذا لقرارات (محادثات آستانة) هي احدى الاستراتيجيات الايجابية التي اتُّخِذت في هذا الجانب لتقليل الاشتباكات العسكرية في سوريا. محادثات آستانة هي اولى المؤتمرات التي لم تشارك فيها امريكا بشكل مباشر لكن هذا لا يعني أنها بعيدة عن التطورات التي تجري في الساحة السياسية السورية لأن تحركات امريكا شهدت تكثف ملحوظ في شمال شرق وجنوب شرق سوريا. تسعى امريكا الى وضع مفاتيح الحل في الشرق الاوسط في بوابة الحرب الباردة في حين ترفض العديد من دول العالم العودة الى مفاهيم هذه الحرب. وسبب الرفض الاوربي للحرب الباردة هو انها ستكون الخاسر الاكبر اذا ما اندلعت هذه الحرب لذلك موقفها الرافض هذا سيكون دافع قوي لإنتهاز امكانات اوربا لحل مشكلة الشرق الاوسط. لكن بُعد امريكا جغرافيا عن الشرق الاوسط وتباطؤ وصول دخان النار التي اشعلتها هناك, تجعل منها تسعى الى حفظ قدرتها وزعامتها في اوربا والشرق الاوسط عن طريق فرض اراء وافكار سياسية تؤثر على صانعي القرار في الشرق الاوسك من تحقيق هدفها المذكور لتتمكن من ذلك اقناع الدول بضرورة الدور الامريكي لحل ازمة الشرق الاوسط بسلمية. ولكن تجربة مفاوضات واتفاقات آستانة يمكن أن تكون إشارة إيجابية للتوافق إلاقليمي وكسر دائرة الفوضى الأمريكية في الشرق الأوسط.