مرافعة وطن’.. صفحات من نضال الشعب البحريني

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||ياسمين مصطفى/ العهد الاخباري

 

في زنزانة صغيرة في مركز شرطة الرفاع الشرقي في البحرين، يبلغ طولها مترين وعرضها مترين، ومن على سرير من طابقين طوله 180 سم، وبعد جلسة المحاكمة الأولى للأمين العام لجمعية الوفاق الشيخ علي سلمان بتاريخ 25 كانون الثاني/ يناير من العام 2015، خطّ سماحته صفحات كتاب “مرافعة وطن” الذي استمر بكتابة فصوله خمسة أشهر من سجنه الاحتياطي.

 

يتناول الكتاب تاريخ ومخاض الولادة العسير لنضال الشعب البحريني، منذ فجر التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، والأعوام الأربعة من العقد الثاني من الألفية الثالثة، والتي تشكل أطول وأقسى سنوات النضال البحريني في وجه السلطة الجائرة.

 

الكتاب الذي يقع في 392 صفحة ويُقسم إلى 9 فصول، كان نتاج أشهر من الاعتقال، انتظرها الشيخ سلمان ليخلو فيها مع ذاته، وليخط من زنزانته الضيقة تاريخا واسعا من مسيرته الشخصية، والقضية الوطنية التي حملها وآمن بها، فكان في هذه “المرافعة” الشاهد على أحوال وأشجان وطن بأكمله، بدءاً من حال والدته التي-كما ذكر سماحته- “لم تخل سنيّها من ابن مهجّر، أو ابن سجين، وثالث عاطل عن العمل، وآخر يعاني من آثار التعذيب طوال عمره”.

 

باطمئنان، وبأحرف من سكينة، يترجم مداد الشيخ علي سلمان في مرافعته شهادة وطن، بعد أن ضاق صدر قضاء بيت الحكم البحريني من سماع هذه الشهادة أو استلامها، لأنها كانت مثخنة بجراح شعب روى بها تاريخ الوطن، المعبأ بأصوات ممن أودعوا ضميرهم المثقل أمانة في صوت الشيخ سلمان، ليتحدث باسمهم ويواجه السلطة ممثلا المناضلين ويقول: “يا شعبي”.

 

يقول الشيخ سلمان “إنها “مرافعة شعب”، بصوت من يمثل أعلى قيادة سياسية وشعبية حصدت أعلى نسبة من الأصوات في الانتخابات بمختلف أنواعها، ينطق الشيخ سلمان باسم كل هؤلاء، ويؤكد أن هذه المرافعة ليست للتاريخ، بل للحاضر، للاحتكام إليها والاستشهاد بها، وتحديد المطالب المحقة، وهي للمستقبل الذي علق عليه الشعب آماله في نظام ملكي دستوري وعدالة اجتماعية.

 

وفي كتابه، يعرض الشيخ علي سلمان لهذه المرافعة، موضحا أنها تتعرض لطبيعة الأوضاع السياسية في مملكة البحرين، والمطالب السياسية العادلة لشعب البحرين، وتشكل رداً على الاتهامات الموجهة إلى سماحته، وتوضيحا للمطالب السياسية لهذا الشعب، انطلاقا من التهم الموجهة للأمين العام لجمعية الوفاق، والتي تستند إلى الخطب السياسية التي ألقاها بشأن المطالب السياسية والشعبية.

 

يوضح سماحة الشيخ سلمان أنه يحق للآخر أن يختلف مع التشخيص الذي يقدمه كتاب “مرافعة وطن”، لكنه يشدد في الوقت نفسه على أنه ليس من حق أحد منع إنسان من التفكير والاعتقاد وتشخيص الواقع كما يراه، وهو ما قام به سماحته في هذه المرافعة، صونًا لحقه في الدّفاع وحرية التعبير، وفقا للدستور البحريني والعهود الدولية.

 

يلفت سماحته إلى أن هذه المرافعة تبتعد عن شخصنة الأمور، وتعالج الموضوعات العامة في حين أنها لا تتضمن ذكرًا للأسماء، عدا عما يقتضيه السرد من توضيح لأمر عام. ويقول “ملابسات قضيتي الواردة في هذه المرافعة نموذج مصغر ومثال صغير لمعاناة شعب ومعارضة من جراء واقع ظالم ومؤلم، بعيدا عن تحقيق حلمه بالعدالة والمساواة، والتخلص من أشكال الفساد كافة”، ويعود سماحته ليؤكد الهدف الأساس والرغبة في العيش مع الخصوم السياسيين في بلدٍ واحد على أساس الشراكة والديمقراطية.

 

يقدم الشيخ سلمان هذه المرافعة إلى ضمير المحكمة التي تحاكمه، ويقدمها أيضا للضمير الإنساني في مجتمعات الأرض قاطبة، جازما بأن الضمير الإنساني الحر سينصفه وينصف الشعب البحريني.

 

يشتمل الكتاب “مرافعة وطن” على فصول تسعة، يعرض الفصل الأول نبذة عن تاريخ البحرين السياسي، أما الفصل الثاني فيعرض المشكلة الرئيسة التي يعاني منها البحرين، والمتمثلة في احتكار السلطة، فيما يفنّد الفصل الثالث بإيجاز المشكلات المنبثقة من المشكلة الرئيسة، وأبرزها: التمييز، التضييق على العمل السياسي العلني، محاصرة مؤسسات المجتمع المدني، غياب حرية الرأي والتعبير وفقا للمعايير الدولية، انتهاكات حقوق الإنسان، تضخم الدين العام، تدني جودة الخدمات العامة، شكلية المؤسسات وتفريغها من مضمونها، واقع القضاء، الفساد والفشل المالي والإداي والتعدي على الأراضي، غياب مفهوم سيادة القانون، الفقر في البحرين، البطالة، التجنيس، والفساد الأخلاقي. ويتكفل الفصل الرابع بكشف الإجراءات القمعية الممارسَة بحق المعارضين المطالبين بالمساواة والديمقراطية والعدالة.

 

أما الفصل الخامس، فيقدّم مناصحة للسلطة، فيما يتناول الفصل السادس بالعرض والتفنيد المطالب الرئيسية للمنادين بالإصلاح في الوقت الراهن، وعن أسباب محاكمة الأمين العام للوفاق يتحدث الفصل السابع بعنوان “لماذا هذه المحاكمة”، في حين أن الفصل الثامن يعرض الاتهامات الموجة لسماحة الشيخ سلمان في القضية المرفوعة ضده، ويفندها بالرد على كل تهمة، مناقشا أدلتها، ومبينا النصوص القانونية المتعلقة بها، والختام مع الفصل التاسع.

 

ومع اختتام فصول المرافعة، يتوجّه الشيخ سلمان في نداء إلى المجتمع الدولي، وبيان للمجتمع المحلي، يعرب فيهما عن رأيه في الأزمة المندلعة في البحرين، آملا في ندائه مدّ يد المساعدة الدولية للبحرين حكومة وشعباً، في بُعدَين أساسيين هما البعد السياسي والبعد الحقوقي.

 

يقدم الإعلامي البحريني حسين يوسف قراءة قيّمة للكتاب، حيث يرى أنه رؤية تختصر معاناة وتطلعات البحرينيين، كما يلفت إلى أن في نص المرافعة بعض الحوارات الخاصة التي تكشف جانبا من جهود الشيخ علي سلمان وجمعية الوفاق في محاولة تجاوز الأزمة السياسية ومعالجة جذورها قبل اندلاع شرارة ثورة الرابع عشر من شباط/ فبراير في العام 2011. ويقول الإعلامي يوسف “القيادة السياسية والشيخ سلمان كانوا يرون أن الوضع السياسي القائم غير صحي، ويمكن أن يؤدي إلى اشتعال البلد بسبب تهميش الرأي السياسي للغالبية العظمى من الشعب، ومنعهم من المشاركة في صنع القرار السياسي.

 

يتابع الإعلامي البحريني بالقول “إنّ الكتاب يكشف رؤية الشيخ سلمان ونظرته إلى شخصيات عالمية مثلت نموذجا لحراك “اللاعنف” مثل الزعيم الروحي في الهند المهاتما غاندي وأول رئيس “أسود” لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا الذي زار زنزانة سماحة الشيخ سلمان، ويعكس رؤية بناء الدستور استناداً إلى الإرادة الشعبية وليس إسقاطا من السلطة الحاكمة”.

 

ويلفت يوسف إلى أن الكتاب يشكّل نظرة إلى مبادئ وثيقة المنامة الخمسة وهي: القضاء العادل، الدوائر العادلة وأهميتها في التمثيل الشعبي، البرلمان الكامل الصلاحيات، الحكومة المنتخبة التي تمثل الإرادة الشعبية كجهاز تنفيذي يعكس تطلعات الشعب، وجزئية مهمة تتعلق بدور الجهاز الأمني البحريني في أن يكون أمنًا للجميع، وليس أمنا للنظام ضد المواطنين، ويحافظ على المكتسبات الوطنية، والمضي بالدستور إلى حيز التنفيذ مع مراعاة مبادئ الدستور كافة.

 

يتخطى يوسف في حديثه عن مضمون الكتاب الأزمة السياسية، مؤكدًا أن المرافعة تكشف الأسلوب الذي تعاطت به السلطة مع مرافعة الشيخ سلمان، حيث منعته من إلقائها، وتجاهلت مضامينها في الأحكام التي أصدرها القضاء بحقه، كما يكشف الكتاب كيف تعاطت السلطة مع جمعية الوفاق التي كانت ترعى وتحتضن هذه الأفكار النيرة.

 

وفي ختام حديثه عن “مرافعة وطن”، ينصح الإعلامي يوسف القراء المهتمين بالشأن البحريني من العالم العربي والعالم بالاطلاع عليه، ويقول “سيجد القارىء في هذا الكتاب منحوتة تجسد الأفكار التي آمن بها الشيخ علي سلمان، هذه المرافعة هي فهم أصيل للمعارضة السياسية في البحرين وأدوات حراكها، وبوابة لفهم طبيعة المعارضة وقياداتها، ويمكن للكتاب أن يكون مدخلا لما خفي من ممارسات السلطة، مقابل ما يغيبه الإعلام الرسمي من دور كبير للحكم في التسبب بالأزمة السياسية في البلاد”.

 

الناشط السياسي والإعلامي البحريني ابراهيم العرادي، يؤكد في حديثه لموقع “العهد” الإخباري أنّ” الكتاب هو مرافعة لشعب البحرين بأكمله، لأن كاتبها- بحسب العرادي- هو القائد البحريني الكبير الشيخ علي سلمان، الذي يمتلك باعا طويلا في تفجير الوعي السياسي في البحرين”.

 

يؤكّد العرادي أنّ “الكتاب سيبقى شاهداً على ممارسات السلطة البحرينية القمعية بحق المعارضة السلمية، لأنّ ظروف كتاب المرافعة من معتقل الشيخ سلمان هي ظروف قاهرة، ومع ذلك لم يتوقف سماحته ساعة عن إيصال الفكر النير للمعارضة البحرينية للرأي العام، هذه المرافعة لخصت حلم الشعب البحريني من داخل السجون في طوقه إلى الحرية. هي من أرقى المرافعات التي عكست أخلاق سماحة الشيخ سلمان والشعب البحريني ومنطقه وسلميته وحضارته، هذه المرافعة جسّدت ألم الوطن وحلمه، وهي من مخرجات الحلول للأزمة السياسية، لشعب يريد حقوقه المدنية السياسية، بعيدا عن الانقلابات العسكرية”.

 

يختم العرادي حديثه بالتأكيد على أنّ “هذه المرافعة عرّت السلطة البحرينية، وأثبتت أنها تزج في السجون قادة المعارضة الرافضين للطائفية والعنصرية والرافضين لحرمان الشعب من حقوقه المدنية المشروعة، أثبتت المرافعة ممارسات الحكم في اعتقال الشباب وقمع التظاهرات، كما لخصت مطالب “14 فبراير” في صفحات. ستبقى هذه المرافعة شاهدة على ممارسة السلطة رغم منعها الشيخ سلمان من إيصال كلمة واحدة للرأي العام البحريني والعربي والدولي. هذه المرافعة تتعدى مستوى البحرين، وهي لكل حرٍ عربي، وهي ضد التكفير وتستحق القراءة خاصة أنها كتبت في المُعتقل”.

قد يعجبك ايضا