العدوان السعودي: كيف تناور واشنطن بين “البرستيج” الانساني والمصالح الاقتصاديّة؟
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية || الوقت التحليلي
ضربة على المسمار وعشرة على الحافرة”، عبارة تكشف لبّ الموقف الأمريكي تجاه العدوان السعودي على اليمن.
فبعد المجزرتين الأخيرتين في صنعاء (حي فج عطان جنوب العاصمة، وأرحب شمالها) والتي راح ضحيّتهما حوالي 52 يمنياً، عبرت أمريكا عن قلقها من الأوضاع المتأزمة في اليمن، وقالت إنها تحاور السعودية بهذا الشأن، بالتزامن مع انتقادات دولية متصاعدة لغارات تحالف العدوان الدامية على مواقع مدنية.
الإدانة الأمريكية ليس بالأمر الجديدة، فمع ارتكاب السعوديّة لعدّة مجازر بحقّ المدنيين، تدفع بالأصوات الدولية للارتفاع عالياً والمطالبة بمحاسبة تحالف العدوان، يسارع الجانب الأمريكي للإعراب قلقه متحدّثاً عن حوار يجريه مع الجانب السعودي، في خطوة تعدّ تخديرية للجانب الأممي، أكثر منها عقابيّة للجانب السعودي. بل باتت تذكّرنا مواقف أمريكا في الملف اليمني بقلق الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون!
حقائق وارقام
تكشف أرقام صفقات السلاح المبرمة بين البلدين حجم التورّط الأمريكية في الدماء اليمنية، سنذكر بعضها:
-أبرز الصفقات العسكرية الأمريكية السعودية على الإطلاق وقّعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعوديّة في مايو/ايار الماضي حيث فاقت الصفقة الـ110 مليار دولار.
-مطلع العام الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” عن صفقة بين واشنطن والرياض لبيع معدات دفاعية للمملكة، حيث قدّرة قيمة الصفقة بـ 525 مليون دولار.
-وفي ديسمبر/ كانون الأول 2016، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” أن وزارة الخارجية، أخطرت “الكونغرس”، بمبيعات أسلحة «محتملة» للسعودية، قيمتها 3.51 مليار دولار.
-في أغسطس/ آب ،2016 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» عن بيع 153 دبابة ومئات من المدافع الرشاشة وعربات مصفحة ومعدات عسكرية أخرى، إلى السعودية، في صفقة بلغت قيمتها 1,15 مليار دولار.
-وفي تشرين الأوّل 2015، كشفت شركة “لوكهيد” الأمريكية أن السعودية وقعت عقدا مع الحكومة الأمريكية لشراء 320 صاروخا إضافيا من طراز باك-3. وتمثل صفقة شراء صواريخ باك-3 جزءا من اتفاق محتمل أكبر قيمته 5.4 مليار دولار لشراء ما مجموعه 600 صاروخ باك-3 وافقت عليه الحكومة الأمريكية في يوليو/تموز.
-في 24 سبتمبر/ أيلول 2015،، وقّعت شركة بوينغ (Boeing) الأمريكية عقدًا مع السعودية لتزويدها بـ 13 صاروخًا من طراز هاربون بلوك 3 (Harpoon Block III) المضاد للسفن بالإضافة إلى 7 حاويات لصواريخ هاربون الذي يتم إطلاقها من الهواء. وتبلغ قيمة العقد الإجمالية حوالي 22 مليون دولار.
-وفي يوليو/ تموز 2015، منح البنتاجون الأمريكي عقداً لشركة “رايثيون” الأمريكية -المتخصصة في أنظمة الدفاع وبيع الأسلحة- لتوريد 355 صاروخ جو أرض من طراز “إيه جي إم-154” للسعودية، ويبلغ قيمة العقد 180 مليون دولار.
-في أبريل العام 2015، وبعد أيّام على بدء العدوان السعودي على اليمن، عقدت السعودية صفقة سلاح “باتريوت” مع الولايات المتحدة الأمريكية بلغت قيمتها 2 مليار دولار.
بالتأكيد، هناك العديد صفقات السلاح لم نذكرها، من ضمنها صفقات القنابل العنقوديّة التي كانت موضع جدل في الداخل الأمريكي، لأن موضوع البحث في مكان آخر.
اليوم وبعد المجازر الأخيرة، تحدّثت المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، عن “حوار سلس” تجريه الإدارة الأمريكية مع السعوديين.
قد يتساءل البعض عن أسباب واشنطن على هذا الحوار السلس، إلا أن الإجابة تكمن في مكان آخر عنوانه صفقات السلاح الأمريكية السعوديّة التي درّت على الخزينة الأمريكية مئات المليارات من الدولارات، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى عدّة نقاط:
أوّلاً: إن الإدانة الأمريكية لا تخرج عن “برستيج” واشنطن الحقوقي، وهذا ما برز بشكل واضح في الصحف الأمريكية خلال الزيارة التي أجراها ترامب إلى السعوديّة، ووقّعها خلالها صفقة عسكرية قاربت الـ110 مليار دولار أمريكي. الصحف الأمريكية المستقلّة تؤكد أنه سيكون لصفقات السلاح عوائد مالية ضخمة ومهمة للشركات الصناعية في البلاد، ولكنها تشير إلى إنّ موافقة ترامب الضمنية على السياسات السعودية المتطرفة قد يحمل أضرار وخسائر كبيرة لواشنطن. هذا الخطاب النقدي لا يقتصر على الوسائل الإعلاميّة غير الرسميّة، بل هناك العديد من الأبواق الإعلاميّة الأمريكية الرسميّة تؤكد هذه الحقيقة، لكنّ الهدف هنا تلميع الصورة الأمريكية أمام الرأي العام العالمي.
ثانياً: لا شكّ أن صفقات السلاح الأمريكية للسعودية صبٌ للزيت على منزل مُشتعل، كما وصفتها العديد من الصحف الغربية، إلا أن واشنطن تسعى لإخماد هذه النيران ببعض بيانات القلق التي لا تسمن ولا تغني من جوع. القلق الإعلامي لا يقلّ خطورة عن صفقات السلاح نفسها حيث هناك تكامل قائم بين من يبرم الصفقة لأسباب اقتصادية، وبين من ينتقدها لأسباب تتعلّق بالهيبة الأمريكية العالمية، فلولا هذه الانتقادات التي أثبتت التجربة أنّها شكليّة، لكان المجتمع الدول ضاق ذرعاً بالجرائم السعوديّة، التي هي أمريكية في الوقت عينه.
والأنكى من ذلك كلّه، أن واشنطن حاولت إظهار نفسها بهيئة المحارب للإرهاب محاولةً النأي بنفسها، واقتصار حديثها على بعض الضربات لتنظيم “القاعدة” ما بين الفينة والأخرى.
لو أنّ واشنطن رفضت صفقات السلاح هذه لكان الوضع مختلف تماماً، فـ”الحرب السعودية على اليمن مرتبطة بالدعم الأمريكي، في حرب أدت لخسائر بشرية كبيرة في البلد العربي الأكثر فقرا”، وفق “بروس ريدل” مدير “مشروع المعلومات الاستخبارية” في معهد بروكينغز الذي كان مستشارا في أمور الشرق الأوسط لأربع رؤساء أمريكيين سابقين.