ما هو مفهوم السلطة في الإسلام؟

 

موقع أنصار الله || من هدي القرآن ||

 

يقول السيد حسين – رضوان الله عليه -:

 

«السلطة في الإسلام هي أرقى بكثير مما عليه واقع البشر، أرقى بكثير في مهام من يلي أمر الأمة.. تجد أنه عندما تتأمل ولاية الله سبحانه وتعالى لشؤون عباده فولاية من يلي أمر الأمة هي امتداد لولاية الله، يجب أن يكون لديه رحمة، أن يكون لديه معرفة كيف يربي الأمة، كيف يبني الأمة، كيف يطور حياتها، كيف ينمي اقتصادها، كيف يزكي أنفسها، كيف يواجه أعداءها، أشياء واسعة جدًّا جدًّا.

 

هذه الجوانب الهامة جدًّا هي الجوانب التي يحتاج إليها الناس، وهذه هي الجوانب التي لا يمكن لأي أحد من الناس أن يعملها، ويقوم بها حتى ولو كان مخلصًا. أما الجانب الآخر الذي يسمونه السلطة التنفيذية فبإمكان أي شخص يفوز بانتخابات، أو بانقلاب عسكري، أو عن طريق وراثة، أو بأي طريقة كان وصوله إلى الحكم، سيمارس الحكم، ويجلس ولو أربعين سنة، ولكن هل تجد له أثرًا في تربية الأمة، رعايتها، تنشئتها، بناءها بناء صحيحًا؟، لا تجد إلا العكس.

 

فالله سبحانه وتعالى كرم الإنسان }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ{[الإسراء: 70] فيجب أن يكون الحكم للناس بالشكل الذي يسمو بهم، يكون متناسبًا مع تكريم الله لهم، وليس بالشكل الذي يحطهم، ويقهرهم، ويذل نفسياتهم؛ ولهذا أصبح جانب كبير من المسؤولية على الأمة نفسها، على الناس أنفسهم؛ لأن القضية هنا إضافة إلى خبرة إدارية، وخبرة تربوية، وتوجيهية بالنسبة لمن يلي أمرها لا بد أن يكون لديها وعي، أن تعرف بأن من الأفضل لك أن تعيش في سلطة فيها مثل الإمام علي عليه السلام لا تخاف بأنه يمكن أن يظلمك، لا تخاف أنه بمجرد وشاية معينة إليه يمكن أن يسجنك، أو يقتلك، لا تخاف أن جواسيسه وراءك أينما ذهبت، لا تلمس أي خوف في نفسك، ولا أي شعور بقهر وإذلال ممن يحكمك، أليس هذا الذي يتناسب مع كرامة الإنسان؟.

 

الأمة هذه مسؤوليتها كبيرة، الهدى الذي قدم إليها مهمته بالنسبة لبناء النفسية مهمة عالية جدًّا، يصل بالنفس إلى مستوى عالٍ جدًّا، مهمتها في حركة هذا الدين لإيصاله إلى الأمم الأخرى، تحتاج إلى أن تربى على هذا النوع: تحمل نفوسًا كبيرة، نفوسًا كريمة، نفوسًا عزيزة، نفوسًا أبية، لا يكون قد أذلها، وحطها القهر، قهر التسلط.

 

لاحظ الآن عندما حكم العرب الكثير من حكامهم، الكثير منهم بسياسة القهر والتسلط، أنت هنا ضربت الأمة، لم تعد هذه الأمة صالحة لأن تدافع عن نفسها، ألفت القهر، ألفت الإذلال، ضعفت نفوسها، انهارت معنوياتها؛ لهذا يكون هناك أثر سيء جدًّا، جدًّا للتسلط على الناس؛ لأنه يؤدي إلى قهر أنفسهم فيضعفون في مواجهة العدو، ويضعفون عن حمل الرسالة العظيمة هذه التي أوكلت إليهم.

 

هذه القضية هي من أهم الأشياء، أن نعرف كيف نظرة الإسلام إلى قضية السلطة التي يتكالب عليها الناس، ويتسابق عليها الانتهازيون؟ لا يمكن أن تفهم القضية بشكل صحيح إلا أن تبدأ من عند الله سبحانه وتعالى فتعرف وهو يقول عن نفسه بأنه الملك، ألم يقل بأنه ملك؟ انظر إلى ملكه كيف هو، كيف ملكه، هل هو ملك تسلط وقهر وجبروت، أو ملك رعاية وتربية؟.

 

انظر إلى ولاية الله سبحانه وتعالى لأمر عباده، واعرف أن ولايته هنا عن طريق رسوله، أو الذين آمنوا، إنما هي امتداد لولايته، ويجب إذا لم تكن على هذا النحو، فليست امتدادًا لولايته، إذا لم يكن من يلي أمر الأمة يتعامل مع الناس بالشكل الذي يلمسه من خلال مظاهر ملك الله، مظاهر ولاية الله سبحانه وتعالى على عباده، معنى هذا ماذا؟ أنه لا يعتبر امتدادًا لولاية الله أبدًا، هو مفصول عن الله، وسيترك آثارًا سيئة في نفوس الناس، وفي واقع الحياة.

 

فهذا هو مفهوم الولاية في الإسلام، وهذه هي مهام الولاية في الإسلام، ليست فقط سلطة تنفيذية، سلطة أوامر ونواهي جافة، وتجبر وتسلط وقهر، وأشياء من هذه.

 

أولئك الذين جعلوها جائزة، فمن قفز على كتف، وعلى كاهل هذه الأمة تجب طاعته، وإن قصم ظهرها، وإن نهب أموالها، وإن داسها، تجب طاعته! فهذا ناتج عن قصور في فهم ولاية الأمر ما هي؟ ما هي مهمات من يلي أمر الأمة، وصل الحال بهؤلاء إلى أن قالوا في الأخير هي: (رئاسة عامة) يجيّش جيوشًا، ويعيّن ولاة، ويعزل ولاة، ويقيم حدودًا، ويستلم زكاة، وانتهى الموضوع.

 

القضية أوسع من هذا بكثير، وإذا لم نفهم المسألة على هذا النحو، معنى هذا أننا جاهلون فعلًا بالله، وجاهلون بمثل هذه الآية نفسها: }إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ{ وليكم، أليست بعبارة مفردة }الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ{ أي بالتأكيد أن ولاية رسوله وولاية الذين آمنوا ـ الذي هو الإمام علي ومن كان كمثل الإمام علي ـ تعتبر امتدادًا لولاية الله، هنا ستعرف أهمية ولاية الأمر في الإسلام بالنسبة للأمة، وأهميتها بالنسبة للدين، وأهميتها بالنسبة لإقامة الدين.

 

ليست القضية هل يجوز أن يكون من هؤلاء، أو هل يجوز أن يكون بشورى، أو يكون بانتخابات، أو أن يقفز بانقلاب عسكري، أو بأي طريقة كانت، ليست القضية حول هذا، هل يكون واحدًا، أو عشرة، أو عشرين. إن الإسلام لديه رؤية ـ إذا صحت العبارة ـ أن يحكم الأمة كلها، البشر كلهم؛ لذلك قدم رؤية أرقى رؤية لحكم العالم كله فضلًا عن إقليم من الأقاليم.

 

إلى أن يقول:

 

إذا أنت تفهم أن ولاية الأمر فقط تعني أي شخص يستلم السلطة، يجيّش جيوشًا فأيّ شخص يستطيع يجيّش جيوشًا، ويعيِّن محافظين، ويزيل محافظين، أو أمراء، أو ولاة، على حسب منطق السلطة في أي زمن كان، أليس باستطاعة أي واحد أن يقوم بهذا العمل، وباستطاعة أي واحد يقسم الأموال لهذا، وهذا، وهذا، باستطاعة أي واحد يعمل على أن يسترضي كبار العشائر، ويعطيهم أموالًا كبيرة، على حساب مصالح الناس، أليس باستطاعة أي واحد أن يعمل هذه؟ أليست هذه مظاهر تتنافى مع ولاية الله؟.

 

إذًا فبالتأكيد أنه ليست قضية الولاية قضية فقط نختلف حول: هل يكون واحدًا أو اثنين، أو أن يكون هناك مؤسسات، أو تكون الطريقة بهذا الشكل أو ذاك حول ما يسمى نظام، أو هيكلية.. نعرف المهام أولًا وسنعرف من اللائق بهذا العمل».

 

 

 

الدرس الثالث والعشرون من دروس رمضان / للسيد / حسين بدر الدين الحوثي.

قد يعجبك ايضا