مجزرة صبرا وشاتيلا.. الذاكرة مشحونة بالتحدي

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||وكالة القدس للأنباء

 

تصادف هذه الأيام الذكرى الـ 35 لمجزرة صبرا وشاتيلا ، فتعيد للفلسطينيين وأبنائهم أهوال تلك الأحداث ومشاهدها المأساوية، التي تذكرهم بما حصل في دير ياسين وكفرقاسم وقبية وبحر البقر والمنصوري  وغيرها من المجازر الوحشية، التي ارتكبتها عصابات الحركة الصهيونية وجيش الإحتلال، المدعوم من أعتى الدول الاستعمارية.

 

ورغم هذا الجرح المفتوح، يخرج شعبنا من بين ركام تلك الذكريات الحزينة والمؤلمة، وينتصر لحياة جديدة مليئة بالتحدي والصمود والمقاومة.

 

فقد بدأت مقدمات المجزرة في 13 و14 من سبتمبر/ أيلول 1982، عندما تقدمت القوات البرية “الإسرائيلية” تحت غطاء جوي كثيف إلى داخل العاصمة بيروت بعد أن غادرها مقاتلو “منظمة التحرير الفلسطينية”، وأخلتها القوات المتعددة الجنسيات التي تعهدت وفق إتفاق “فيليب حبيب” على حماية المخيمات الفلسطينية. ونشرت قوات الغزو “الإسرائيلية” عشرات الدبابات على أطراف مخيم صبرا وشاتيلا، وأحكمت حصارها على المخيم على أثر اغتيال (قائد القوات اللبنانية العميلة لإسرائيل) بشير الجميل الذي انتخبه البرلمان اللبناني رئيساً للجمهورية في ظل الاحتلال الصهيوني للعاصمة اللبنانية في 14 سبتمبر/ أيلول 1982. فقامت قوات الاحتلال بمنع الخروج من المخيم، خارقة بذلك اتفاق فيليب حبيب – المبعوث الخاص للرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط- وهو أول اتفاق رسمي يتم التوصل إليه بين منظمة التحرير والحكومة “الإسرائيلية” تم التوقيع عليه في 24 تموز/ يوليو 1982.

 

وقد نص الاتفاق على وقف إطلاق النار بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي”، وانسحاب مقاتلي “منظمة التحرير” مقابل التعهد بحماية المخيمات واللاجئين في لبنان وعدم دخول الجيش “الإسرائيلي” لبيروت مع نشر قوات متعددة الجنسيات لضمان ذلك.

 

 

 

ومع حلول ظلام يوم 16 سبتمبر/ أيلول 1982، بدأ جنود الجيش “الإسرائيلي” والمجموعات الانعزالية (مقاتلي القوات وحزب الكتائب، وجيش لبنان الجنوبي)، التقدم عبر الأزقة الجنوبية الغربية لمخيم صبرا وشاتيلا المقابلة لمستشفى “عكا” في منطقة “الحرش”، وانتشروا في جميع شوارع المخيم وسيطروا عليه بشكل كامل.

 

وعلى مدار ثلاثة أيام بلياليها ارتكبت المجموعات الانعزالية والجنود الصهاينة مذابح بشعة ضد أهالي المخيم العزل، ووصفت وقتها بأحد أفظع وأبشع المجازر التي ارتكبت على مدار التاريخ الإنساني”، وأطبقت تلك الفرق على سكان المخيم وأخذوا يقتلون المدنيين قتلاً بلا هوادة، أطفال فى سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى فى دمائهم، حوامل بقرت بُطونهن ونساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذبحوا وقُتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره! نشروا الرعب فى ربوع المخيم وتركوا ذكرى سوداء مأساوية وألماً لا يمحوه مرور الأيام في نفوس من نجا من أبناء المخيمين ومن تابع وقرأ تفاصيلها.

 

ثلاثة أيام من القتل المستمر وسماء المخيم تنيرها القنابل المضيئة، أحكمت الآليات “الإسرائيلية” إغلاقَ كل مداخل النجاة إلى المخيم، فلم يُسمح للصحفيين ولا لوكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة.

 

وكانت حصيلة المجزرة المروعة ما بين 3000 ـ 5000 شهيد من والرجال والنساء والأطفال قتلوا خلال أقل من 48 ساعة، من أصل عشرين ألف نسمة كانوا يسكنون صبرا وشاتيلا وقت حدوث المجزرة. وتدل التقديرات على أن ربع الضحايا هم من اللبنانيين فيما البقية من اللاجئين الفلسطينيين، وبعض الأخوة السوريين والمصريين وجنسيات أخرى.

 

ويعود التضارب في عدد الضحايا إلى أن القَتًلة طمروا الجثث في حفر جماعية أثناء ارتكابهم للمجازر وبالتالي لم يتم العثور واكتشاف كل هذه الحفر، لا سيما وأن السلطات اللبنانية آنذاك لم تحقق مع الجناة اللبنانيين، ولم تلاحق الرؤوس التي دبرت المجزرة ولا أولئك الذين أداروا المجزرة  ميدانياً.

 

وبخلاف الضحايا الذين تم العثور على جثثهم في مكان وقوع المجزرة، هناك المئات من المفقودين، ومئات تم العثور على جثثهم في الطرقات الممتدة من بيروت إلى الجنوب الذي كانت تحتله “إسرائيل”.

 

كما اختطف “الإسرائيليون” المئات من المخيمين وجرى نقلهم في شاحنات إلى جهات مجهولة، ولا يزال مصيرهم مجهولاً إلى الآن.

 

كان الهدف الأساس للمجزرة بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم إلى الهجرة خارج لبنان، إضافة إلى تأجيج الفتن الداخلية في لبنان، واستكمال الضربة التي وجهها الاجتياح “الإسرائيلي” عام 1982 للوجود الفلسطيني في لبنان، وتأليب الفلسطينيين ضد قيادتهم بذريعة أنها غادرت لبنان وتركتهم دون حماية.

 

ولعل المفاجأة أن سكان صبرا وشاتيلا ـ الناجون منهم ـ فور انتهاء المذبحة البشعة أخذوا يصلحون ما أفسدته الآلة الحربية “الإسرائيلية” في نفوسهم وبيوتهم، ضاربين أمثلة تحتذى في القدرة على الاحتمال والصبر على الأهوال والثبات على أمل التحرير العودة إلى الوطن مهما طال الزمان وتباعدت الخطوات وغلت التضحيات.

قد يعجبك ايضا