عامان على استشهاد نبوءة انتفاضة القدس وشرارتها.. ضياء التلاحمة

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||

وكالة “فلسطين اليوم” الاخبارية

 

في 22 من سبتمبر من العام 2015، وفي ساعات متأخرة من الليل بدأت الأخبار تصل من بلدة خرسا الواقعة جنوب الضفة المحتلة، عن انفجار وقع على الطريق الرئيسي، واستشهاد شاب في المكان، وبعدها بوقت قليل كان الإعلان أن الشاب هو ” ضياء التلاحمة” والذي أضحى منذ ذلك الإعلان وحتى الآن، اسم ارتبط باندلاع انتفاضة القدس بعد أقل من عشره أيام من استشهاده، فكان ضياء نبوءة هذه الانتفاضة وشرارتها.

 

والانفجار الذي وقع في حينه كان جراء كمين نصبه ضياء لقوات الاحتلال، حيث أعد حاجزاً من الحجارة على الحاجز ليتمكن من إلقاء قنبلة باتجاه الجيب العسكري كما اعتاد أن يفعل، ولكن هذه المرة انفجرت القنبلة بين يديه مما أدى إلى استشهاده على الفور.

 

وبعد ساعات من استشهاده كان اسم ضياء وصل لكل فلسطيني في الداخل والخارج، وأصبح ذلك الشاب صاحب الوجه المبتسم والصوت القوى في الفيديوهات التي انتشرت له علما فلم يكن ضياء أسما عابرا في تاريخ الشهداء، وإنما نموذجا للشاب الفلسطيني الناجح في حياته ودراسته والمحبوب من عائلته ومحيطه والمتدين والمقاوم الذي يعرف أن طريق الجهاد والتحرر من الاحتلال واضحة وواحدة وهي المواجهة.

 

وفي الذكرى الثانية لاستشهاده زخرت صفحات النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي بصور ضياء وفيديوهات له إحياء لذكرى الشهيد صاحب الفعل الاستثنائي.

 

كان للقدس في حياه ضياء نصيب كبير من الشوق والمحبة والتعلق بهذه المدينة، فكان يتسلل كل حين إليها ليصلي في مسجدها المبارك وقضاء وقته في ساحاته، وهو ما كان واضحا من تعليقاته ومنشوراته على صفحته التي أغلقت على “الفيس بوك” بعد استشهاده، ولعل أبرزها كتبه تعليقا على صوره له في داخل الأقصى بعد تمكنه من دخول القدس عبر تجاوز الجدار الفاصل :” ” لا يمكن أن أنسى كم كانت تلك المعاناة التي أوصلتني لأجلس تحت قبة المسجد الأقصى برفقة الأصدقاء…فكيف لي أن لا أتخيل حجم ما يجب أن نتحمله من أجل حرية هذا المسرى الشريف…”.

 

وفي الحديث عن صفات ضياء قالت والدته لـ” وكالة فلسطين اليوم الإخبارية” في مقابلة بعد أيام على استشهاده:” ” ضياء كان مرحا دائم المزاح ولا تخلو جلسة يكون فيها من المرح والفكاهة”، ولكن وراء هذه الشخصية المرحة كانت شخصية أخرى صلبه ومختلفة عن باقي أبنائها، كان ضياء المُجد المُتقن لعمله القريب إلى الله والوطن.

 

وضياء، 22 عاماً، كان طالب الهندسة بجامعة القدس أبو ديس، في سنته الرابعة في دراسة الهندسة، كان أحد كوادر الجماعة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة الجهاد الإسلامي في الجامعة، ومنسقها.

 

وولد ضياء في العام 1994 وتربى لأسرة متدينة ووطنية، أثرت في حياته وشخصيته، فبالرغم من حبه للحياة كما تقول والدته، إلا أنه كان يتأثر بكل ما يجري حوله منذ كان في المدرسة وبعد أن ألتحق بجامعة القدس أبو ديس.

 

وفي الجامعة، تمييز ضياء أيضا وكان من الطلبة المميزين والفاعلين في الساحة الطلابية والرابطة والإسلامية الذراع الطلابي حركة الجهاد الإسلامي، وظهر مراراً خطيباً باسمها في المناسبات الوطنية، ولعل أبرزها ضمن المهرجان الذي نظمته الأطر الطلابية نصره لمخيم اليرموك في حصاره في العام 2014، و أنتشر بعد استشهاده، فكلماته في ذلك المهرجان لم تكن إنشاءً يردده بل طريق سلكها حتى يوم شهادته حين قال:” وإنا بإذن الله على خطاكم لمجاهدون”، وكان الجهاد الذي أعد له العدة جيدا حينما تدرب على الكاراتيه و أتقنها، وفنون القتال الشوارع حمل الأثقال والجمباز”، في النادي القريب من بلدته.

 

وكان ضياء في سكنه البعيد عن بلدته خرسا، في بلدة أبو ديس يقوم بتدريباته بما تيسر له، فقد انتشرت فيديوهات من قبل زملائه له وهو يمارس رياضة القفز عن السواتر ” الوسائد” في محاكة للتدريبات العسكرية التي يقوم بها المقاومين في غزة.

 

وبالعودة إلى ضياء الأبن، تقول الوالدة أن ضياء كان مميزا في حياته كما موته، تستذكره حولها دائما الأبن البار الحنون بشوش الوجه الكتوم بما يتعلق بكل توجهاته السياسية والعامة:” كان الأحن علي من بين أبنائي، في عيد الأم كان لا ينساني أبدا رغم عدم وجوده في البلد ودوامه في الجامعة، إلا أنه كان يترك جامعته ليقدم لي هديته، ومنذ الصباح يبعث لي أغنية ” ست الحبايب”.

 

وضياء الخامس بين أخوته الثمانية، كان قد أنهى دراسته الثانوية وحصل على معدل 88% الفرع العلمي، وقرر دراسة هندسة الحاسوب كما شقيقه الأكبر عمر، إلا أنه رفض الدراسة في مدينة الخليل وطلب من والده أن يدرس في جامعة أبو ديس ليعيش مع زملائه في سكن بعيدا عن عائلته و يعتمد على نفسه؟

 

وعن يوم استشهاده تقول الوالدة، عاد ضياء من الجامعة ليقضي العيد بيننا، وحين وصوله إلى البيت طلب منه والده أن يرافقه في عمله، في ورشة البناء التي يعمل بها، وبعد عودته دخل المنزل وهي تعصر العنب لطبخ الدبس، فسلم عليها بابتسامته المعتادة، وبدل ثيابه وخرج من البيت إلى النادي الرياضي في بلدة دورا القريبة.

 

بعدها بساعتين تقريبا سمعت أم ضياء صوت الانفجار، وكانت لم تنتهي بعد من إعداد الدبس، ثم توالت الأنباء أن هناك شهيدا على مفرق خرسا، المقابل لبيتها تماما، فتركت ما تقوم به وخرجت إلى سطح المنزل لتراقب ما يجري.

 

تقول:” من أول دقيقه شعرت بغصة بقلبي ولكني لم أتوقع أن يكون ضياء هو الشهيد، وخاصة أنهم أعلنوا أسم مختلف تماما، ولكني بقيت على غير عادتي أشعر أن شيئا سيحدث”.

 

مرت ساعات حتى منتصف الليل وهي تراقب من السطح ما يجري، خرج والد ضياء مع أبناء القرية إلى مكان الحادث، وحينها عاد شقيق ضياء للمنزل وأخبر والدته أنه من المحتمل أن يكون ضياء هو الشهيد، وطلب منها أن تُصبر والده الذي لم يكن يعرف بعد.

 

وبعدها بنصف ساعة فقط، اقتحمت قوة كبيرة من الاحتلال منزل العائلة، في ذلك الحين تأكدت تماما أنه ضياء، حيث طلب أحد الجنود من والده التعرف عليه من صورة ألتقطها أحد الجنود على هاتفه، الوالدة في الغرفة الثانية رغم الصدمة أطلقت “زغرودة” لتغيظ الجنود كما قالت.

 

وفي وداعه بعد تسلميه من قبل الاحتلال ودعته الوالدة الصابرة بالدعاء له وأن يتقبله ربه شهيدا كما أراد دائما، وكانت جنازته مهيبة، حضرها الالاف من أبناء قريته والقرى المجاورة وزملاء جامعته والذي كان من بينهم ” مهند الحلبي” الذي أكمل طريقه وكانت عمليته البطولية في قلب القدس بعد أيام فقط فاتحه انتفاضة القدس.

قد يعجبك ايضا