كوريا الشمالية تواصل استراتيجية تحدي اميركا
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
صوفيا ـ جورج حداد/ العهد الاخباري
في نهاية الحرب العالمية الثانية لجأت الدول الاستعمارية الغربية الى تقسيم المستعمرات السابقة المتحررة حديثا، لضرب بعضها ببعض واشاعة الفوضى والحروب الاقليمية فيها ومنع تطورها الطبيعي. وهذا ما فعلته انكلترا في الهند، وفرنسا في فيتنام، واميركا في الصين (عزل جزيرة فورموزا ـ تايوان) وفي شبه الجزيرة الكورية، التي ـ بعد هزيمة الجيش الياباني الذي كان يحتلها، على ايدي الجيش الاحمر السوفياتي ـ دخل الجيش الاميركي الى جنوب خط العرض 38 وفصل جنوب كوريا عن شمالها. واقام الاميركيون دولة انفصالية في الجنوب نصبوا فيها حكومة عميلة، باسم “الديمقراطية” طبعا، ورفضوا رفضا قاطعا اعادة توحيد الجزيرة، لا باستفتاء ولا بغيره، وحولوا كوريا الجنوبية الى قاعدة عسكرية لهم واقاموا فيها نظاما مواليا للغرب ولليابان (المحتل السابق لكوريا) ومعاديا للصين الشعبية وللاتحاد السوفياتي السابق، طبعا.
وفي المقابل فإن “حزب العمل الكوري” (اي الحزب الشيوعي)، وبدعم كلي من قبل “الجيش الشعبي الكوري” الذي سبق وقاتل المحتلين اليابانيين بمنتهى البسالة، عمد الى اقامة الحكم الشعبي في كوريا الشمالية التي سميت “جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية”. ووضعت الجمهورية الفتية نصب عينيها تحقيق هدفين استراتيجيين:
الاول ـ الهدف القومي، المتمثل في استكمال تحرير كوريا من المحتلين الاميركيين، واعادة توحيد الارض والشعب الكوريين، وجعل كوريا الموحدة جزءا لا يتجزأ من معسكر الشعوب المناضلة من اجل الحرية والتقدم، والمعادية للاستعمار والامبرياية الغربية (وذيلها الياباني).
والثاني ـ الهدف الاجتماعي: الرفض التام للسير في الطريق الرأسمالي، والعمل على بناء النظام الاشتراكي، في الظروف الكورية، القائم على المساواة والعدالة الاجتماعية، بالتعاون مع الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي (السابق).
وفي السنوات الاولى بعد الحرب حققت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) بمساعدة الاتحاد السوفياتي نموا اقتصاديا كبيرا فاق 25% سنويا، ما يزيد كثيرا عن مستوى النمو الذي حققته حينذاك كوريا الجنوبية الواقعة تحت الاحتلال الاميركي. وترافق النمو الاقتصادي مع طفرة كبيرة على الصعيد الاجتماعي: البناء المدني، التعليم، والصحة والضمانات الاجتماعية وإحياء التراث الثقافي الشعبي.
ولكن القيادة الشعبية الكورية ادركت منذ ذلك الوقت ان مصير الشعب الكوري وكل انجازاته ستبقى مهددة بوجود التقسيم وبوجود الاحتلال الاميركي لكوريا الجنوبية.
ولذلك وضعت القيادة الكورية الشمالية حينذاك نصب عينيها وفي المرتبة الاولى من الاهمية مسألة اعادة توحيد البلاد وتحرير الجنوب من الاحتلال الاميركي. وبناء على ذلك تم التوجه نحو “الاقتصاد الحربي”، وتم تكبير وتطوير الجيش الشعبي الكوري الى اقصى حد ممكن. وحينما رفضت حكومة سيؤول العميلة الوحدة الوطنية بأي شكل كان، قام الجيش الشعبي الكوري (الشمالي) في حزيران 1950 باكتساح كوريا الجنوبية وتحرير سيؤول في بضع ساعات. وتدخل الاميركيون الى جانب سيؤول وتدخل المتطوعون الصينيون الى جانب بيونغ يانغ، وهكذا اندلعت الحرب الكورية التي استمرت حتى تموز 1953 وشاركت فيها 18 دولة الى جانب اميركا، والمتطوعون الصينيون الى جانب كوريا الشمالية، وذهب ضحيتها اكثر من 5 ملايين قتيل من الجانبين. وعقدت الهدنة في تموز 1953 واصبح خط العرض 38 هو الخط الفاصل بين الدولتين الكوريتين.
ومنذ ذلك الحين وكوريا الشمالية تكرس كل جهودها وتربي الاجيال الجديدة من اجل بناء جيش قوي وكبير قادر على تحرير البلاد من الاحتلال الاميركي واعادة توحيد الارض والشعب الكوريين.
وفي المقابل فإن الكتلة الغربية وعلى رأسها اميركا تعمل المستحيل، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، لزعزعة واسقاط “الحكم الشيوعي” في كوريا الشمالية، بواسطة المقاطعة الشاملة والحصار الاقتصادي الخانق وحتى تجويع الشعب الكوري الشمالي.
ولكن بالرغم من جميع اشكال الصعوبات والحرمان، فإن كوريا الشمالية الصغيرة نسبيا (جغرافيا وسكانيا) استطاعت ان تكسر كل حواجز الخوف من سياسة الهيمنة الامبريالية العالمية، وان تمتلك علنا وعلى رؤوس الاشهاد سلاحا صاروخيا متطورا والاسلحة النووية، وان تتحول هي نفسها الى فزاعة لاميركا واليابان والناتو وجميع الدول المعادية لها.
وفي الاسبوع الماضي اذاعت وكالات الانباء العالمية ان زلزالا بقوة 3،4 درجات على مقياس ريختير ضرب كوريا الشمالية، وان مركز الزلزال كان في منطقة حقل التجارب النووية لكوريا الشمالية. ولم يجزم الخبراء هل ان الزلزال كان نتيجة انزياح صخري جوفي بسبب التجارب النووية السابقة لكوريا الشمالية، ام نتيجة تجربة نووية كبيرة اجرتها كوريا الشمالية ولم تعلن عن نتائجها بعد. ويذكر انه في الوقت نفسه فإن القيادة الكورية الشمالية اعلنت انها تحضّر لاجراء تجربة قنبلة نووية ضخمة جدا ستكون هدية للرئيس ترامب.
ويقول بعض المراقبين ان كل ما يجري في كوريا وحولها الان ما هو سوى تحضير لحرب كورية جديدة. وفي رأي هؤلاء المراقبين:
1 ـ ان كوريا الشمالية لم تتخل ابدا عن هدف تحرير وتوحيد كل كوريا.
2 ـ ان الجيش الشعبي الكوري (الشمالي) يبلغ تعداده مع الاحتياط اكثر من 4 ملايين مقاتل رجالا ونساء. وهو مسلح بكثافة بأحدث الاسلحة المعاصرة. ومع اندلاع الشرارة الاولى للحرب سينضم اليه ملايين المتطوعين الصينيين باسلحتهم الحديثة، وألوف المستشارين العسكريين الصينيين والروس الموجودين منذ الان سرا في كوريا الشمالية. وهذا الجيش قادر، بالاسلحة الكلاسيكية، على سحق القوات العميلة وقوات الاحتلال الاميركي في كوريا الجنوبية، في بضعة ايام فقط.
3 – اذا تجرأت اليابان على التدخل بحرا او جوا، فإن الصواريخ التي عبرت فوقها في الاسابيع الماضية سوف تسقط فيها حاملة بعض الهدايا النووية الصغيرة.
4 ـ يبقى الطاغوت الاكبر اميركا. فهي امام خيارين: اما ان تسلم بالامر الواقع وتترك الشعب الكوري يقرر مصيره بذاته، واما ان تغامر بضرب كوريا بالاسلحة غير التقليدية. ولكن اسلحتها لن تصل الى كوريا لان كوريا الملاصقة لروسيا مشمولة بنظام الدفاع الجوي ـ الفضائي الكوني الروسي.
واذا دعت الضرورة فإن الصواريخ الكورية، وربما “المجهولة” التي تحمل اسم كوريا الشمالية سوف تتساقط فوق القارة الاميركية الشمالية.