جرائم القتل في البلدات العربية بفلسطين المحتلّة.. الإبادة البطيئة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
الوقت التحليلي- 17عاماً مرت على استشهاد طفل فلسطيني لم يكن يعرف أنه سيصبح بطلًا صغيرًا تعتز به كل الأجيال العربية. طفل اغتاله كيان الإحتلال في أحضان والده في 30 أيلول من العام 2000 خلال أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية. إنه “محمد الدرة”، أيقونة الانتفاضة وملهمها وصورتها الإنسانية التي يستحيل نسيانها.
تفاصيل الحادث
كان “محمد” الطفل البالغ من العمر 12 عامًا، يسير بجوار والده في شارع صلاح الدين بقطاع غزة، ويختبئان خلف برميل إسمنتي بعدما فوجئا بوقوعهما وسط تبادل إطلاق النار بين الجنود الإسرائيليين وقوات الأمن الفلسطينية، تلك اللحظات التي رصدتها كاميرا قناة فرانس2.
حاول الأب أن يحمي ابنه بكل قواه، اخترق الرصاص يد الوالد اليمنى، ثم أصيب محمد بأول طلقة في رجله اليمنى، ليفاجئ الأب بعد ذلك بخروج الرصاص من ظهر محمد الذي خاطبه قائلا: “إطمئن يا أبي أنا بخير لا تخف منهم”، وبعدها رقد الصبي شهيداً على ساق أبيه، في مشهد أبكى البشرية وهز ضمائر الإنسانية.
حاولت “إسرائيل” التبرؤ من قتل الدرة الصغير، الذي اختصر استشهاده آلاف المشاهد والمآسي التي سجلها الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني، كاشفاً صورة حية لطبيعة العدو الصهيوني التي نسيها أو تناساها البعض، وليكون بذلك شاهدًا ودليلاً آخر لأولئك الذين ما زالوا يتوهمون بأنه قد يكون هناك سلام مع عدو يقتل ويغتال الأطفال والأحلام.
جرائم القتل مستمرة
فلم تقف جرائم الصهاينة يوما عند زمان أو مكان، فالشعب الفلسطيني معرض للقتل في أي لحظة وأي زاوية، ولا يقتصر ذلك على الضفة أو غزة، بل يطال جميع أنحاء فلسطين. فقد بات سكان البلدات العربية المحتلة يعيشون خوف الغدر دائما، غدر تعدد فاعلوه لكن الأصل واحد، ومن ينجوا من تعديات المستوطنين يقع ضحية جور شرطة الإحتلال.
فقد قتل منذ مطلع العام الجاري 2017 في المجتمع العربي 56 مواطنا في جرائم قتل مختلفة، آخرها كان نزيه مصاروة (37 عاما) الذي قتل بجريمة إطلاق نار في مدينة الطيبة مساء الثلاثاء الماضي. وتشير المعطيات أن 10 نساء قتلن منذ مطلع العام الجاري، بينما قتل 46 شخصا بجرائم مختلفة، بينهم ثلاثة أشخاص برصاص الشرطة. كما أن غالبية الجرائم ارتكبت باستخدام السلاح الناري، و9 جرائم ارتكبت بالاعتداء والطعن بالسكاكين والآلات الحادة، فيما اقترف المجرمون 3 جرائم قتل عن طريق الدهس بالسيارة.
وقُتل ثلاثة مواطنين عرب برصاص الشرطة الإسرائيلية منذ مطلع العام 2017، وهم: يعقوب أبو القيعان (47 عاما) من قرية أم الحيران، ولم يقدم قاتلوه للمحاكمة. وقتلت الشرطة الشاب محمد طه (27 عاما) من كفر قاسم، كما قتلت الشرطة الشاب مهدي سعدي (20 عاما) من يافا، ولا تزال الاحتجاجات مستمرة في يافا بعد الجريمة.
الإحتلال هو المحرّض والمسؤول
تتحمل قوات الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم، فتسترها على جرائم المستوطنين، بل ومساندتهم وتوفير الحماية الدائمة لهم، وعدم إخضاعهم للقانون، يشكل عوامل تشجيع لهم على مواصلة اقتراف جرائمهم ضد المدنيين الفلسطينيين. والتي تأتي في سياق التحريض المستمر من قبل حكومة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، ما يدفع المستوطنين للمزيد من التطرف والكراهية ضد الفلسطينيين.
ما يؤكد هذه النظرية هو مصرع مستوطن “اسرائيلي” برصاص جيش الاحتلال عند حاجز حزما العسكريّ بين القدس ورام الله، يوم 2 أيار من العام الحالي، وتركه ينزف حتّى الموت اعتقادا من جنود الحاجز أنّه فلسطيني عربيّ، وما أعقب ذلك من بيان باسم “الجيش الاسرائيلي” -قبل التّعرّف على هويّة المغدور- بأنّه “فلسطينيّ” حاول طعن الجنود على الحاجز، ومن المؤكد أن المستوطن لم يكن يحمل سكّينا ولم يحاول الطّعن، وربّما اتّجه نحو جنود الحاجز طلبا لمساعدة ما، لكنّهم عاجلوه باطلاق الرّصاص عليه، قبل أن يسمعوا منه شيئا.
وهذا يدل على أنّ الجنود لديهم أوامر باطلاق النّار على أيّ فلسطينيّ لمجرّد الشّبهة، وقد سبق وأن قُتل فلسطينيّون رجالا ونساء وأطفالا على الحواجز العسكريّة وفي أماكن غيرها بلا سبب، وألصقت بهم تهمة محاولة طعن الجنود، وكانوا يتركونهم ينزفون حتّى الموت، ويمنعون سيّارات الاسعاف من الاقتراب منهم حتّى التّأكّد من موتهم، ثمّ يلصقون بهم تهمة محاولة الطّعن.
القضاء الصهيوني والنيابة العامة أيضا هما شريكين في هذه الجرائم، فلطالما أتخذا قرارات وحكما بأحكام عنصرية، فالقاتل يواجه دائما بتهمة القتل غير العمد، أو تحوّل التهمة من القتل العمد الى غير العمد في انحياز كامل لصالح القاتل. وإن الأحكام المخففة أيضا تساعد على تفشي الجرائم، فالحكم المخفف جدا لا يمكن ان يردع اي جندي آخر، وهذا احد اشكال العنصرية التي تتمتع بها المحاكم العسكرية “الاسرائيلية” وغيرها من المحاكم الاخرى.
هذا غيض من فيض يدلّ بصورة جلية وواضحة على معانات الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإبادة بطيئة، ويؤكد بأن القضاء “الاسرائيلي” غير عادل ومسيس، وأن المجتمع “الاسرائيلي” بات ينحدر بتسارع كبير نحو العنصرية وكره كل ما هو فلسطيني او يمت للفلسطينيين بصلة.