التسوية قادمة: ’اسرائيل’ خائفة والمقاومة حاضرة
موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||
سركيس ابو زيد
دخلت المنطقة “مرحلة انتقالية” ومشھد إقليمي جديد يتبلور تباعا.. سوريا والعراق دخلا في”مرحلة ما بعد داعش”، ھذه المرحلة في سوريا عنوانھا “التسوية الكبرى على مراحل”، وعنوانھا في العراق “إعادة تركيز الحكم المركزي والتوازنات السياسية والطائفية” في ظل مسألتين أولويتين:
1. مستقبل الأكراد الذي يشكل العنوان الأبرز لمرحلة ما بعد “داعش” في العراق وفي سوريا أيضا.
2. المسألة الثانية مستقبل أو مصير الحشد الشعبي الذي بات جيشا موازيا للجيش العراقي الوطني، وبات تأثيره في المعادلة الداخلية واضحا.
أما سوريا فهي في وضع انتقالي من نھاية الحرب الى بداية التسوية، وھذه التسوية تأخذ في الاعتبار الأوضاع على الأرض وواقع أن النظام السوري مع حلفائه ھو الرابح وأن المعارضة في حال تشتت وتفكك، ومعارك النظام باتت مع الإرهاب.
وتبيّن أن الإمساك الروسي-الإيراني بالملف السوري ليس سببه فقط التقدم الميداني على الأرض، وإنما أيضا التراجع الحاصل في السياسة الأميركية بعدما وصل ترامب الى النقطة التي كان فيھا الرئيس السابق باراك أوباما: أولوية الحرب على “داعش” وتجاھل الرئيس الأسد، والتنسيق مع روسيا وعدم الاصطدام بإيران في سوريا.
فالولايات المتحدة والدول الأوروبية سلمت الملف السوري الى روسيا وقد تجاوزت كليا مسألة مصير الرئيس بشار الأسد وتخلت عن المطالبة برحيله كشرط مسبق للحل السياسي، ويبدو أنھا سلمت ببقاء الرئيس الأسد حتى العام 2020، وھذا التحول حصل أيضا في السياسة التركية تجاه سوريا، وسيحصل قريبا في السياسة السعودية..
التسوية التي انطلقت شرارتھا الأولى من “مناطق خفض التصعيد” ستكون خاضعة لمبدأ المقايضة والتبادل: إيران تعطي في جنوب سوريا لتأخذ في شرق سوريا، وتركيا تعطي في”ملف إدلب” لتأخذ في الملف الكردي، وھكذا ومع تقدم عملية التسوية واتضاح معالمھا يفتح في موازاتھا ملف إعادة إعمار سوريا ليكون جاھزا للتنفيذ بعد عامين.
تركيا وجدت في العلاقة مع روسيا سلَّم الانقاذ، لذلك قايضت حلب باكراً وھي تدرك تماماً أن حلب كانت المفصل الحاسم في مستقبل سوريا والمعارضة فيھا.. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين روّض نظيره التركي رجب طيب أردوغان، وتمكن من إخضاعه للتخلي الجزئي عن رعايته لمشروع “الإخوان المسلمين”، وأردوغان رضخ أقله تكتيكياً ومرحلياً، فھو وجد في علاقته مع روسيا أھم سلاح له مع أوروبا الرافضة لانتمائه إليھا والتي تكاد تكون نادمة على القبول بعضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لولا كونھا براغماتية تنظر إلى موازين الفوائد والخسارة.
والآن، حصلت تركيا على تواجدھا عسكرياً شمال سوريا الى أجلٍ غير مسمّى بموافقة روسية-أميركية، وحالياً، ترعى روسيا توازنا ميدانيا بين القوى الاقليمية المجاورة، إذ تتمتع تركيا بسيطرتھا في الشمال السوري بينما إيران لها وجود مميز جنوب العاصمة السورية بما يضمن لھا المشاركة في التسوية السياسية القادمة الممر الضروري في الاستراتيجية الإيرانية.
هذه التطورات على الحدود الجنوبية السورية تهمّ الأردن، فبحسب معلومات ديبلوماسية ترى أن:
– المھم للأردن ضمن أي واقع يتشكل على الحدود السورية معه، ھو أن لا تؤدي تفاعلاته إلى المس بأمن الأردن.
– يتحفظ الأردن عن وجود انتشار عسكري لإيران مباشر أو غير مباشر قرب حدوده، وسيعتمد في معالجته قنوات اتّصالاته العربية والدولية.
– تعتبر عمّان أن وجود فرصة حاليا لفتح معابر حدودھا البرية التجارية مع سوريا، بعد سيطرة الجيش السوري عليھا، ھو أمر مفيد للبلدين.
أما الطرف الآخر المعني بمتغيّر عودة الحدود السورية (ناقص الحدود مع تركيا) إلى أيدي النظام، ھو “إسرائيل”، التي حمل وفدھا الأمني الرفيع المستوى مؤخراً إلى واشنطن تحفظه عن نتائج توقيع أميركا مع روسيا اتفاق خفض التوتر في جنوب غرب سوريا كونه يسمح لإيران وحزب لله بتنفيذ تموضع عسكري في المنطقة السورية الحدودية مع الجولان المحتل.
وبناء على ذلك يمكن ملاحظة ثلاثة مكوّنات رئيسية للبيئة التي يجب على “إسرائيل” التعامل معها: عالم غير مستقر، منظومة غير واضحة بين القوى العظمى، تراجعت فيھا الولايات المتحدة عن دورھا شرطيا عالميا، بينما تستخدم روسيا قوتھا العسكرية لتعزيز المصالح بالقرب من حدودھا، وفي الشرق الأوسط، من خلال كسر القواعد المألوفة، وتراكم الصين قوة اقتصادية، وتمتد عضلاتھا في الفضاء المحيط بھا، وتتجاھل تقريبا الولايات المتحدة. وشرق أوسط يمكن أن يتغير كل شيء فيه، ويمر بمراحل انتقالية عنيفة على نطاق تاريخي. في ھذا الشرق الأوسط، إيران ھي القوة النشطة، وفي الوقت نفسه، ھي أيضا أكبر الفاعلين في أحداث السنوات الماضية.. لذلك، سيكون على “إسرائيل” حل المشاكل في المنطقة، من دون تدخل أميركي نشط، فالتھديدان الأكثر أھمية أمام الكيان الاسرائيلي وفق مراكز ابحاث يهودية يأتيان من مصدر واحد:
الأول: العداء الإيراني الشديد لـ “إسرائيل” خاصة اذا استملكت ايران القدرة النووية العسكرية.
والثاني قائم بالفعل: 120 ألف صاروخ وقذيفة يملكھا حزب الله المدعوم من إيران وسوريا.
“إسرائيل” وسط ھذا المشھد المتفلت، تبحث عن ضمانات مستقبلية لمصالحھا الأمنية في أي تسوية لـ”مستقبل سوريا” والعراق، ولم تحصل عليھا بالقدر المطلوب من واشنطن وموسكو حتى الآن.. ولذلك انطلقت في حملة تھويل وتھديد وتلعب عسكريا على حافة الھاوية لتحسين شروطھا وممارسة ضغوط على روسيا وإيران لأخذ مصالحھا ومطالبھا في الاعتبار، ولكن الحرب الإسرائيلية مستبعدة في الوقت الحاضر واستراتيجية “إسرائيل” العسكرية تجاه حزب لله تبدو دفاعية أكثر منھا ھجومية.
باختصار دخلت المنطقة فعليا مرحلة “بداية نھاية الحرب”، فالمعارك الكبيرة انتھت أو تكاد، والتسويات ترسم خطوطھا العريضة بتفاھمات روسية-أميركية ووفق مسار الأستانة وبإدارة المايسترو الروسي الذي يفتح خطوطا مع كل الجھات الإقليمية المؤثرة أو المعنية: إيران- تركيا- “إسرائيل” – الأردن – السعودية.
شرق أوسط تتقاسمه الدول الكبرى وأبناءه نائمون.. كالعادة، فمتى يصحون ويتداركوا أخطاء الماضي قبل أن يخسروا أوطانهم ولا يبقى لهم بعد التقسيمات سوى شبه وطن!! فعاليّة المقاومة تقرر.