السعودية والديكتاتور “المتنور”؛ القديم لم يمت والجديد ولادته عسيرة

موقع أنصار الله || صحافة عربية ودولية ||  الوقت التحليلي

بات القاصي والداني يدرك تماما أن للسعودية ملكاً غير متوج لكنه الحاكم الفعلي والحقيقي للمملكة النفطية، فبعد تنصيبه وليا للعهد وتنازل منافسه المباشر وزير الداخلية الاسبق محمد بن نايف عن ولاية العهد ومغادرة والده منتصف الصيف الماضي الى قصره الجديد في المغرب قد مهد بشكل أو بآخر لفرض سيطرته بشكل شبه كلي على مقاليد الحكم في المملكة، لكن هذا لايعني عدم وجود منافسة داخلية يزيد من حدة غليانها الضغوط الخارجية والتحديات المستعرة في منطقة الخليج.

 

الاقتصاد والداخل

 

السعودية تواجه أزمة حقيقية على الصعيد الداخلي قد تكون الأخطر في تاريخها منذ حركة اقتحام الحرم الملكي في أواخر العام 1979، فالمملكة تشهد تغييرا على مستوى السلطة والاسرة الحاكمة وفعليا بات بن سلمان اول حفيد للملك المؤسس عبد العزيز آل سعود يصل إلى كرسي الحكم على الرغم من وجود ابن مباشر له على قيد الحياة وقانونيا هو الاحق منه في الحكم وهنا نقصد الامير مقرن بن عبد العزيز الذي قد لا يشكل تهديدا مباشرا لابن سلمان على الصعيد الداخلي لتقدمه بالسن وتجاوز اخوته عبد الله وسلمان لحقه الذي يضمنه “عرف توريث المملكة”.

 

الأمر الملفت حاليا والذي يجري داخل اسوار المملكة، ان بن سلمان يسعى بكل ما أوتي من سلطان لخصخصة اقتصاد المملكة بشكل شبه كامل على النمط الامريكي “خصخصة القطاع العام” آخرها فرض قوانين مجحفة وتعجيزية على المقيمين المهاجرين في المملكة من هنود وباكستانيين وحتى عرب والذين يشكلون مايقارب ثلث سكان السعودية، بالاضافة الى الترحيل التعسفي لليد العاملة الخارجية منذ مايقارب العامين بحجة مخالفة قوانين الاقامة.

 

كل هذا يندرج تحت بنود “رؤية 2030” المشروع الشخصي لولي العهد، الذي يسعى من خلال رؤيته الجديدة للسعودية إلی التقليل من الاعتماد على النفط بأسرع الطرق وابسطها وتحمل المخاطرة والمجاذفة باقتصاد البلاد ككل، الاقتصاد الذي ما زال يعتمد على مبدأ البيع الريعي البسيط متمثلا في تجارة النفط.

 

الوضع الاجتماعي

 

مازال الصراع المبطن الذي تشهده المملكة بين مؤسساتها وتياراتها الدينية مستمرا وما زاده استعارا ذلك القرار الذي خرج به الديوان الملكي المتمثل بالسماح للمراة بقيادة السيارة وبث أغاني المطربات على شاشة التلفزيون والذي أثار حفيظة التيار المتشدد متمثلا بـ “آل الشيخ” أعلى الهيئات الدينية وأكثرها تعصبا، هذا القرار قسم المجتمع السعودي بين مبارك ومؤيد للخطوة ومعارض لها خاصة أن نسبة لا بأس بها من سكان المملكة تعتبر قيادة المرأة للسيارة مخالفة شرعية وقانونية يجاز معاقبة المرأة عليها نتيجة الفتوى الشرعية التي أفتاها رئيس هيئة كبار العلماء في المملكة الشيخ الراحل ابن باز عام 1990.

 

وما يزيد المشهد الداخلي للمملكة سخونة واضطرابا حملة الاعتقالات الممنهجة التي تجري تحت مباركة ولي العهد والتي طالت اعلاميين وقضاة ودعاة ومغردين على الانترنت منذ منتصف الشهر الفائت ومن أبرز الشخصيات التي تم اعتقالها هو الشيخ سلمان العودة وذلك بسبب خوفهم من توسيع نفوذه داخل المجتمع والشعور بالتهديد من سلمان العودة وافكاره لانه يقود تياراً او خطاباً ينافس التيار الحاكم في السعودية وعلى اثر هذا الموضوع تم ايضا اعتقال الداعية محمد المنجد، بعد تحريض مستمر عليه من قبل حسابات سعودية، لاسيما بعد أن تعاطف مع الشيخ المعتقل العودة.

 

يرى بن سلمان ان سلسلة الاعتقالات هذه تصب في صالح رؤيته الجديدة للمملكة كون هؤلاء الدعاة والمشايخ يمثلون النمط الوهابي المحارب دوليا اليوم، لذلك يسعى بن سلمان لتقويض عمل هؤلاء الأشخاص وتفصيل مؤسسة دينية على مقاس طموحاته التي يعتبرها اصلاحية وتصب في خدمة المملكة وأبناءها.

 

وبناء على هذا تكون المملكة قد انقسمت بين خطابين او فكرتين او رؤيتين على صعيد المجتمع والحكومة “وهابي وآل سعود”، إلا أنه في حقيقة الأمر هناك طرف ثالث لا يقل تأثيره داخل المجتمع السعودي عن الطرفين المتنازعين يتمثل بـ ” التيار السروري”، والسرورية “مصاهرة بين الإخوان والسلفية” وهي تيار ديني سعودي واسع الانتشار ينتسب الى محمد سرور زين العابدين وقد يكون هو التيار الديني المعارض الاكبر في السعودية وهو عبارة عن  مزج بين السلفية والاخوانية او مزج بين افكار ابن تيمية وافكار سيد قطب. يصفهم القاعديون بأنهم القواعد نظراً لتخليهم عن الجهاد وتخليهم عن نصرتهم ايام حرب تنظيم القاعدة مع الحكومة السعودية بل شجعوا الدولة على قتلهم وسموهم خوارج. وتتقاطع اهداف التيار السروري بشكل كبير مع اهداف الاخوان المسلمين.

 

وبهذا يكون الصراع الداخلي للمملكة قد تحول إلى صراع ثلاثي الأقطاب لا أحد يعلم ان كان بإمكان الأمير المتنور بن سلمان ادارته وتطويعه لصالحه أم انه سيمضي في سياسته الحالية التي تنقل المملكة الى مرحلة قاسية جدا نظرا لتاريخ السعودية المنغلق والقمعي، فكيف ستكون نتائج هذا الانفتاح المفاجئ على المملكة وما هي تبعاته الداخلية والخارجية؟

 

ختاماً، يقول الفيلسوف الإيطالي والسياسي المحنك أنطونيو غرامشي “القديم لم يمت بعد والجديد ولادته عسيرة ” وهذا يلخص رهان وفرضية رؤى ابن سلمان فالتغيير لن يكون بهذه الأساليب الدعائية والقرارات التعسفية ونحن نشهد نهاية حكم العائلة لننتقل لحكم الفرد المطلق.

 

قد يعجبك ايضا