فشل تطويع الشعب الفلسطيني

موقع أنصار الله  || صحافة عربية ودولية ||  راغدة عسيران/ وكالة القدس للأنباء

 

منذ عقود، وبحجة إحلال السلام والاستقرار العالمي، تحاول الدول الغربية والمؤسسات الدولية التي تشكل ما يسمى بـ”المجتمع الدولي” تطويع الشعب الفلسطيني، من خلال “العصا” تارة و”الجزرة” تارة أخرى. ولكن فشلت محاولاتها كافة، بسبب طبيعة الصراع في فلسطين والمنطقة؛ إذ يمثل الكيان الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين قمة العنف والهمجية في التاريخ البشري المعاصر.

 

تسارعت وتكثفت هذه المحاولات في العقود الأخيرة، بعد إبرام اتفاقيات أوسلو، التي فتحت الأبواب للمنظمات غير الحكومية، في فلسطين واللجوء، مهمتها إحداث تحولات في الوعي الفلسطيني والعربي، تريد إقناع الفلسطينيين أن لديهم دولة في طور التكوين، وعليهم الاعتراف بدولة الكيان المحتل لأرض فلسطين، والاهتمام بأوضاعهم المعيشية، بدلاً عن الاحتلال والاستيطان ومشاريع العودة الى فلسطين، أي بـ”التنمية”، المجتمعية والمستدامة والذاتية، بغض النظر عن أهداف التمويل الأجنبي المعيق أساساً للتنمية، والاهتمام بأنماط حكمهم، بدلاً من توجههم إلى مقاتلة الصهاينة، من خلال الترويج لمفاهيم دولة القانون، والمحاسبة، والديمقراطية وحقوق الإنسان والحاكمية وما شابه.

 

سعت هذه المنظمات غير الحكومية والدول والجهات الدولية الممّولة لها إلى محو شبح الماضي البعيد والقريب في الوعي الفلسطيني، كما تبيّن من قضية سحب التمويل النروجي الرسمي عن جمعية جبع  في الضفة الغربية المحتلة، حيث رأت الحكومة النروجية في تسمية “الشهيدة دلال المغربي” لمقر الجمعية نقضاً لشروط التمويل، التي لم تكن قد حددتها أصلاً.  لكن اسم الشهيدة دلال المغربي، الذي تمسك به القائمون المحلّيون على الجمعية، والذي استفزّ دولة النروج “الصديقة”، يدلّ على أن الشعب الفلسطيني يصّر على مواصلة درب المقاومة والقتال ودرب الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الوطن، وأنه لا يمكن لأحد، حتى بعد محاولات غسل الأدمغة في الندوات وورش العمل، أن يضع بديلاً عن طريق الجهاد والمقاومة.

 

في مقابلة معه بتاريخ 11/1994، يؤكد الشهيد فتحي الشقاقي أن “الوجدان الشعبي” سيرفض “الوجود الإسرائيلي، وسيبقى راغباً في الجهاد حريصاً على المقاومة، لسببين الأول نابع من المضمون العقائدي المتجذر في نفوس الناس ومن مجموعة القيم التي لا تتغيّر بتأثيرات إعلامية في زمن قصير، والثاني متعلّق بالطموح الطبيعي في الحرية والتقدم والاستقلال وهي معان ما زالت الشعوب العربية والإسلامية تحاول الوصول إليها وهو ما لا يمكن إلا بالمواجهة مع “إسرائيل”، أي عبر الاصطدام مع هذا الجدار المصطنع أمام التاريخ”.

 

هذا ما تؤكده انتفاضة القدس المستمرة منذ عامين، وانتفاضة الأقصى قبلها، والعمليات الجهادية بينهما ومنذ احتلال فلسطين، رغم العديد من محاولات التطويع الذي بذلتها القوى الأجنبية والعربية والفلسطينية التابعة لها.  ورغم التعتيم الإعلامي الرسمي الأجنبي والعربي، لم يهدأ الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الصهيوني، بكافة السبل المتاحة، أهمها وركيزتها المقاومة المسلحة.  فلذلك، تصبّ جهود المجتمع الدولي على منع انتشار هذه الحالة الثورية إلى الدول العربية والإسلامية، كونها تصارع العدو المركزي، الممثل لقيم السطو والنهب والعنف والعنصرية في العالم.  تسعى هذه الدول لإيجاد حلول “وسطية”، غير أن مساعيها المربكة أحياناً للكيان الصهيوني، لأنها تصطدم بمشاريعه التوسعية والإلغائية، تهدف في نهاية المطاف إلى إلغاء الحق الفلسطيني بوطنه وإخماد البؤر الثورية فيها، لإتمام السيطرة الغربية على المنطقة واستمرار منطق السطو والهيمنة النهب والعنف “الرسمي”.

يرفع المجمتع الدولي شعارات جميلة لاستقطاب الشعوب وترويضها.  يردّد في كل أدبياته أنه يسعى إلى الحرية، حرية الفرد وحرية المجتمعات، في حين يعمل لفتح الطريق أمام حرية النهب والاستعباد لصالح الشركات العملاقة في العالم، وهي شركات أميركية وأوروبية في الغالب.  ويغيب صوته عند اعتقال الفلسطينيين، الأطفال والشباب والنساء، من قبل الصهاينة، وتعذيبهم في المستوطنات وأقبية التحقيق، وإبعاد الأطفال عن عائلاتهم كوسيلة لقمعهم.  من بين الشعارات الجميلة التي تسوقها المؤسسات الدولية، لشعوبنا بالذات التي ترفض الظلم، شعار “التسامح” في وقت تتصاعد فيه موجات كره الأجانب، خاصة المسلمين منهم، في الدول الغربية، وقمع مظاهر الانتماء إلى الإسلام والثقافات المغايرة للثقافة الغربية وفي الوقت الذي تتمسك فيه الدول الغربية بهوية مصطنعة قائمة على رفض الآخر الأجنبي، وصورة المستشارة الألمانية ميركل التي يسوّقها الإعلام الغربي (والعربي أحياناً) كمثال لقبول الآخر هدفها التغطية على الصورة الأخرى الأكثر واقعية لممارسات الغرب.  ترفض الدولة الفرنسية، رغم مرور الزمن واستقلال الجزائر، الاعتذار عن حقبة الاستعمار وجرائمها في الجزائر، كما ترفض الدولة البريطانية الاعتذار عن جريمة وعد بلفور، ولن يكلّفهما الاعتذار الرسمي لجرائهما إلا إعادة تصحيح مسار العلاقات بين الشعوب، ولكن يدلّ رفضهما على استعدادهما لارتكاب جرائم أخرى إذا سنحت لهم الفرصة، وإلا لماذا ترفضان الاعتذار وتقييم التاريخ الغربي بشكل عام ؟  غير أن المجتمع الدولي يطالبنا بالتسامح مع من يواصل جرائمه إلى اليوم، ولم يكف يوماً واحداً منذ الغزو الاستيطاني عن القتل والنهب، ويريد منا تصحيح العلاقات أو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ومستوطنيه، كما تفعل السلطة الفلسطينية المنبثقة عن اتفاقيات أوسلو، والتي فشلت إلى اليوم في جرّ المجتمع الفلسطيني إلى مسارها.

 

السبب الأول الذي يقف وراء رفض التطبيع ورفض التسامح مع الكيان الصهيوني ومستوطنيه، ورفض مشاريع التسوية ومواصلة المقاومة، هو طبيعة كيان العدو حيث لا مكان له في منطقتنا، وطبيعة الصراع الدائر في منطقتنا.  لم ولن تفلح جهود المجتمع الدولي في ترويض وتطويع الشعب الفلسطيني وتبديل أهدافه، في التحرير والعودة، مهما بذلت من جهد ومهما كلّفها من مال وأسلحة ومهما قمعت (حرية التعبير على شبكات التواصل الاجتماعي واليوتوب مؤخراً)، لأن الشعوب الحرة ترفض الظلم ولم يصدر عن هذا الكيان إلا الظلم منذ زحف أول مستوطن نحو فلسطين.  هذا ما يؤكده الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي د. رمضان عبد الله شلح بقوله إن “قضية فلسطين ستنتصر لأنها قضية عدل، ولا يمكن للظلم أن ينتصر وإلا اختلت نواميس الكون.  سينتصر العدل الذي تمثله فلسطين على الباطل الذي تمثله “(إسرائيل)” والآخرون.  سيتنتصر الحق الذي تمثله فلسطين على الباطل الذي يتمترس خلفه كل العالم”.

قد يعجبك ايضا