دين الله يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، عزيزة، تقهر الأمم الأخرى
موقع أنصار الله || من هدي القرآن || {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ} على هذا النحو {فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران: من الآية101) تلاحظ أن المسألة هي أنك تعتصم بالله ليهديك أنت إلى شيء؛ ولهذا قال: {فقد هُدِيَ} أي أن اعتصامي بالله هو على النحو الذي أريد منه أن يهديني إلى كيف أعمل.
الإنسان الذي لا يتحرك، الذي لا يعمل هل يحتاج إلى هداية؟ أنت لا تحتاج إلى أن تسير إلى القرية الفلانية هل أنت في هذه الحالة تحتاج إلى من يهديك إليها؟ لا. أنت عندما تتحرك، وتريد أن تسافر إلى بلد معين، وأنت في الطريق تحتاج إلى من يهديك، وتبحث عمن يهديك، فقوله: {فقد هُدِيَ} فعلاً يفيد بأنه قد اهتدى وعبارة {هُديَ} أي أن هذا طرف اعتصم بالله من منطلق أنه ينطلق في ميدان العمل، فهو يحتاج إلى أن يهديه الله إلى كيف يعمل عملاً، كيف يتحرك.
{فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(آل عمران: من الآية101)
طريق واضحة، طريق تؤدي إلى النجاة، تؤدي إلى الفوز، تؤدي إلى الغلبة، تؤدي إلى العزة، تؤدي إلى الرفعة والمكانة، تؤدي إلى الفلاح، {صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} قَيِّم ليس فيه عوج، ليس فيه [مطبّات] قد تقفز من فوقه فيحطم نفسك ويوقعك في الضلال. طريق لا تضل وأنت تسير عليه، طريق لا تخزى وأنت تسير عليه، طريق لا تُقهر ولا تذل وأنت تسير عليه، وهو في الوقت نفسه مستقيم، قَيِّم، ذو قيمة، يجعلك أنت تستغني عن أي طُرُق أخرى متى ما سرت عليه، لا تحتاج إلى الالتجاء إلى أي طرف آخر متى ما سرت عليه، يستطيع أن يقف بك على قدميك، يستطيع أن يقف بالأمة السائرة عليه على قدميها، مستغنية عن أي قوى أخرى، مستغنية عن أي طرق أخرى، مستغنية عن أي خبرات لتهديها نحو الطرق التي توصلها إلى الفلاح والفوز والنجاة.
عندما كانت البلاد العربية مستعمرة من قِبَل البريطانيين، والفرنسيين، والإيطاليين، وغيرهم كيف كان يحصل؟ كان معظم ما يحصل – عند ما كانت النظرة كلها منعدمة نحو الثقة بالله سبحانه وتعالى، الثقة بالله منعدمة في نفوس المسلمين – كا ن من يريد أن يتحرر من هذا البلد يلجأ إلى هذا، يتحرر من بريطانيا يلجأ إلى روسيا، يتحرر من روسيا يلجأ إلى بريطانيا، يتحرر من إيطاليا يلجأ إلى فرنسا، من فرنسا يلجأ إلى إيطاليا وهكذا. ما هي النتيجة في الأخير؟ ما هي سواء؟ تخرج من تحت بريطانيا تدخل تحت روسيا، كله واحد.
الله سبحانه وتعالى أراد أن يعلمنا بأن دينه يستطيع أن يجعلنا أمة مستقلة، تقف على قدميها، عزيزة، رافعة رأسها، تقهر الأمم الأخرى، ما الذي يحصل الآن؟ أليس كل العرب يتجهون إلى أمريكا لتنقذهم من إسرائيل؟ ولو أن أمريكا هي المحتلة وإسرائيل هناك للجئوا إلى إسرائيل لنقذهم من أمريكا، يلجئون إلى أمريكا وروسيا راعيتا السلام أن تنقذهم من إسرائيل.
النظرة القاصرة التي أراد الله أن يمسحها من أذهان العرب – لو تربوا على دينه، لو تربوا على نهج نبيه (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) لو عرفوا سيرته وهو في جهاده من (بدر) إلى آخر غزوة لم يلجأ إلى طرف آخر، لم يلجأ إلى الفرس، أو يلجأ إلى الروم، وهما القوتان التان كانتا تمثلان القوى العظمى في العالم في ذلك العصر لم يلجأ إلى الفرس ليساعدوه ضد الروم، ولا إلى الروم ليساعدوه ضد الفرس، ولا إلى الفرس ليساعدوه على قريش، ولا إلى الروم ليساعدوه على قريش، ربى الأمة تربية توحي لها بأن بإستطا عتها أن تقف على قدميها وتقارع الأمم الأخرى.
وكان أبرز مثال على هذا ما عمله هو في ترتيبات [غزوة تبوك] لأنه (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) كان رجلاً قرآنياً يتحرك بحركة القرآن، ويعرف ماذا يريد القرآن أن يصل بالأمة إليه في مناهجه التربوية وهو يربي نفوسهم كيف تكون كبيرة، كيف تكون معتزة بما بين يديها من هذا الدين العظيم فلا تحتاج إلى أي قوى أخرى.
حتى نحن على مستوانا في أعمالنا لدينا مثلاً مراكز صيفية، نقول:
[لننظر إلى المؤتمر إذا كان سيساعدنا، أو ننظر إلى ذلك الطرف إذا كان سيعيننا أو ننظر إلى هذا أو ذاك] تصبح حالة سائدة لدينا حتى كمواطنين من عند الكبار كمسئولين وحكام، ثم إلى عند المواطنين حتى إلى عند الدعاة في سبيل الله، الذين هم دعاة في سبيل الله يجب أن يفهموا أولاً ما يدعوهم إليه الله، في كيف يكونون معتمدين على أنفسهم حتى لا يقعوا في أحضان هذا الطرف أو أحضان هذا الطرف فتصبح في الأخير تخدم هذا أو تخدم هذا، ولم تخدم دينك بشيء، الأمر الذي يؤدي بالأمة إلى أن تضحي بدينها.
وهكذا تأتي آيات كثيرة تتحدث عن صراط الله بأنه صراط مستقيم فيما تعنيه الكلمة من أنه قيِّم، وفيما تعنيه الكلمة من أنه يستطيع أن يجعل السائرين عليه قادرين علي أن يستقلوا بأنفسهم، وأن يقفوا على أقدامهم فلا يعتمدوا على هذا ولا على هذا، {دينا قِيَماً} {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّماً}.
نعود إلى أصل الموضوع ولأن الآيات من أولها
{يَا أيُّها الَّذِيْنَ آمَنُوْا} بل الآيات التي تسبقها في أهل الكتاب توحي بأن القضية بالغة الخطورة وأن القضية هامة جداً جداً عند الله سبحانه وتعالى فيقول للناس ويذكرهم بإيمانهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102) القضية مهمة جداً يجب أن تخافوا من الله من أن يحصل من جانبكم تقصير فيها، أن يحصل من جانبكم أي إهمال، أي تقصير، أي تفريط، القضية مهمة جداً جداً، هو يقول لنا هكذا، يذكرنا بأن نتقيه فالقضية لديه مهمة، وبالغة الخطورة، وبقدر ما تكون مهمة لديه، وبالغة الخطورة أي أن عقابه سيكون شديداً جداً على من فرط وقصر فيها، فيجب أن نتقيه أبلغ درجات التقوى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أقصى ما يمكن فالقضية خطيرة جداً، ومهمة جداً لديه، ولن يسمح لمن يقصر، لن يسمح لمن يفرط، لن يسمح لمن يهمل.
وهكذا تأتي عبارة: {اتَّقُوا اللَّهَ} في القرآن الكريم في مقامات كثيرة، في مقدمة كل قضية مهمة ليوحي للناس بأن المسألة مهمة لديه، فلينطلقوا من منطلق الحذر من الله من أن يقصروا في هذه القضية سيضربهم هو، سيكون عقابه شديداً عليهم، سيكون غضبه شديداً عليهم كما في قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}(الأنفال: من الآية1).
وهكذا تأتي في القرآن الكريم مكررة في معظم المقامات المهمة؛ لينطلق الناس من منطلق أن هذه قضية مهمة لدى الله سبحانه وتعالى، وهي في واقعها بالغة الخطورة فأي تقصير من جانبنا نحوها سيجعلنا عُرضة لسخط الله ونعوذ بالله من سخطه.
فقوله:
{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} أنتم في مواجهة مع طرف يمكن أن يصل بكم إلى أن تكونوا كافرين، أنا لا أريد أن تكونوا كافرين، أن تكونوا كافرين يعني أن تصبحوا من أهل جهنم، أن تتحولوا إلى أطراف، تهملون فتصبحون فعلاً في واقعكم كافرين، أي أن تضيِّعوا الرسالة التي حُمِّلْتُمُوها من جانب الله سبحانه وتعالى، أليس هذا الذي حصل بالنسبة للعرب؟ العرب ألم يُذِلِّوا الإسلام بذلتهم؟ ألم يقهروا الإسلام بقهرهم؟ ألم يضيِّعوا كتاب الله بضياعهم؟ لأنهم فرطوا في الرسالة، فرطوا في الرسالة، إذاً فكانت القضية فعلاً بالغة الخطورة.
وتقوى الله سبحانه وتعالى معناها الحذر منه، تكون دائماً تعيش حالة الحذر من جانبه فيما إذا حصل منك تقصير فيما يوجهك إليه، وفيما يرشدك إليه، وفيما يأمرك به وينهاك عنه، ليست سواء، القضايا ليست سواء أن تشرب [كوب شاي] على واحد آخر أليس هذا حراماً؟ لكن لا يقال لك في هذا المقام: اتق الله حق تقاته، حرام واتق الله لا تأخذ هذا.
لكن مقامات مهمة جداً، مقامات مهمة جداً أي تفريط من جانبك فيها هي قضايا عند الله بالغة الخطورة يعلم سوء آثارها على دينه، وعلى عباده وأنت وهذا وذاك أنتم يا هؤلاء هذه الأمة بكلها هي المعنية بأن تكون هي الطرف الذي يَدْرَأ هذا الخطر، ويدفع هذا الفساد، ويعلي هذه الكلمة، أليس هذا هو الطرف المسئول؟
إذاً فانطلقوا من منطلق الحذر؛ لأن مسئوليتكم كبيرة، وأن القضية خطيرة يجب أن تتقوا الله أبلغ درجات التقوى، أي أن تخافوه وتحذروه هو لن يسمح إطلاقاً.
وهذا فعلا شواهده قائمة، شواهده قائمة أنه غضب غضباً شديداً على الأمة أن جعلها تحت أقدام من قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وجعلها أمة تائهة، تمتلك الأموال الكثيرة، تمتلك الخيرات الكثيرة ومع ذلك لا تزال أمة جاهلة، لا تزال تبعث منحاً دراسية إلى الخارج، منحا دراسية، منحا دراسية، وخبراء آتين من هناك وأناسا را يحين ليدرسوا هناك، الخبراء يعودون ولم ينفعوا بشيء، والطلاب يعودون إلى هنا ولا يعملون شيئاً، بل يعودون حرباً لأمتهم الكثير منهم, حالة من الضياع، حالة توحي بأن الأمة تواجه ضربة قاضية من الله سبحانه وتعالى، غضبة شديدة من جانبه.
لأن الله سبحانه وتعالى هو رحمن، هو رحيم يهمه أمرنا، لا يريد أن نُظْلم، لا يريد أن نكون كافرين فنستحق جهنم، هو عندما وعد بجهنم للمجرمين لم يقل: تلك جهنم فأي مجرم، أو واحد يريد أن يضل فمصيره جهنم، لا يهمه أمره، هو يهدي الناس، ويرشدهم إلى كيف يبعدهم عن مقتضى سخطه، وعقابه، كيف يبعدهم عن طريق جهنم، عن الوقوع في جهنم، هو رحيم بالناس، هو رحيم بعباده.
دينه هذا – الذي هو لا يساوي عند الكثير منا “الدخان الذي نشربه يومياً” لا يساوي الاهتمام به الاهتمام بالدخان الذي يتحول من نقود إلى دخان في الهواء- أمره عظيم عند الله، هو يعلم أنه نعمة عظيمة لعباده، يعلم أنه متى ما ضاع في وسطهم فسيضيعون هم، ويهلكون هم، متى ما ضاعوا هم، متى ما هلكوا سيضيعون هداه لعباده للبشر كلهم.
كم صعدت أصوات تقول:
[يجب أن نلحق بركاب الغرب] من قبل مائة سنة بدأت من مصر، ومن بلدان أخرى [يجب أن نتثقف بثقافة الغرب، يجب أن نلحق بركاب الغرب، يجب أن نعمل على كيف نتطور مع الغرب] طيب نساء العرب [تَخَلَّعْنْ] وأصبحن يقلدن الغرب تماماً هل تطوروا؟ هل وصلوا إلى ما وصل إليه الغربيون؟ لا. لا؛ لأنهم يتصورون أن المسألة هي أن بإمكاننا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون، ونحن العرب، نحن العرب من لدينا مسئولية مهمة كان بالإمكان أن تجعلنا – لو نهضنا بها – فوق أولئك الآخرين ويكونوا هم من يفكرون في اللحاق بركابنا، فالمسألة لا تتأتى، لن تحصل.
فمازال المصريون الذين انفتحوا على دول الغرب قبل أن ينفتح الصين عليها، وبعثوا بطلاب إلى الغرب قبل أن يبعث الصينيون بطلاب إليها، أصبحت الصين دولة عظمى صناعية، والمصريون مازالوا شغالين في التمثيل قطاع التمثيل كلام، مازالوا يبعثون بطلاب إلى الغرب، طلاب على طول منح دراسية يرجع قد هو فرنسيا بتفكيره يكون حربا لأمته، لدرجة أن من يرسلون ويعودون يتحولون إلى ساخرين من أمتهم.
أي أن الوضعية التي يعيش فيها العرب هي وضعية سخط، الوضعية التي يعيش فيها المسلمون وضعية سخط من الله لماذا؟ لأنهم أضاعوا دينه الذي فيه ذكرهم، وفيه شرفهم، وفيه عزتهم فلا يمكن أن يتحقق لهم شيء إلا بعد أن يعودوا هم، ومتى ما عادوا سيصبحون هم سادة الدنيا، سيصبحون هم من يفكر الآخرون باللحاق بهم، بالاهتداء بهم، بالتقليد لهم، بالتـثقف بثقافتهم، بالتحلي بأخلاقهم، فيعم الهدى الدنيا كلها.
{اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} لاحظ {وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لو نأتي إلى النظر إلى الآية من منظار آخر أن يأمرك بأن تكون على أعلى درجات التقوى، ثم يقول لك: انتبه لا تموت وأنت كافر، أليست هذه حالة من التباين في التعبير تقريباً؟ عند من يفهم اللغة العربية؟ حالة من التباين في التعبير، ولهذا يأتي بعض المفسرين فيقولون: معناها ولا تموتن إلا وأنتم مستسلمون لله، خالصون لله، من أجل أن يجعلوا كلمة: {مُسْلِمُونَ} تنسجم مع كلمة {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
الدرس الثاني-من دروس آل عمران-(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ)
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.
بتاريخ:25شوال 1422هـ
الموافق:9/1/2002م
اليمن – صعدة.